في نهاية القرن التاسع عشر، مع فجر التصوير الفوتوغرافي، كان هناك جدل قوي حول ما إذا كان ما يفعله المصورون له تأليف أم لا، لأنه في نهاية المطاف، كانت الآلة هي التي تنتج الصورة.
وصلت إحدى القضايا إلى المحكمة العليا في الولايات المتحدة، التي قرّرت أنه "على الرغم من مشاركة آلة في إنشاء العمل، إلّا أن العمل أظهر الأفكار الموجودة في ذهن المؤلف والتي تمّ التعبير عنها بشكل مرئي".
باتباع مثال النقاش حول تأليف التصوير الفوتوغرافي، من سيكون مؤلف المُنتج الناتج من الذكاء الاصطناعي التوليدي؟ الشخص الذي يضغط على الزر؟
مع انتقال الذكاء التوليدي إلى ما هو أبعد من أداء المهام البسيطة إلى إنشاء محتوى أصلي، فإنه يطمس الخطوط الفاصلة بين البشر والآلات. ومن خلال القيام بذلك، فإنها تتحدّى أحد المبادئ الأساسية للعديد من أطر الملكية الفكرية التقليدية.
وهنا برزت الإشكالية المستمرة مع تصاعد ثورة الذكاء التوليدي في السنوات الأخيرة، حول حصرية تمتّع الأعمال التي أنشأها البشر بالحماية، بموجب قوانين حقوق الطبع والنشر، أم أن الأمر ينسحب على مخرجات ومنتجات الآلة.
مناقشات مستمرة ودعاوى قضائية
لا تزال هذه المناقشات جارية حول تأثير الذكاء التوليدي على أنظمة الملكية الفكرية، وما إذا كان من الممكن الحصول على براءة اختراع للعمل الناتج من الذكاء التوليدي أو حقوق الطبع والنشر بنفس طريقة العمل الذي ينتجه الإنسان.
وقد يكون التصريح الأخير لرئيس شركة "مايكروسوفت" للذكاء الاصطناعي، مصطفى سليمان، الذي اعتبر أنه في اللحظة التي يُنشر فيها أي شيء على شبكة الإنترنت المفتوحة، يصبح "برنامجاً مجانياً" يمكن لأي شخص نسخه واستخدامه بحرّية، أعاد زخم وحدة النقاشات حول هذه المعضلة المستمرة، وهو الذي اتُهم بفهمه الخاطئ لمبدأ الملكية الفكرية. وتتزامن تصريحات سليمان مع استمرار وتزايد الدعاوى القضائية على بعض شركات الذكاء التوليدي، بمزاعم انتهاكات حقوق النشر والملكية الفكرية.
ووسط هذا الضجيج من المناقشات، تعلو بعض الأصوات، باعتبار أن البشر يتعلمون باستمرار عندما يتلقّون المعلومات ويعالجونها، على قاعدة ارتباط الأمور التي يتعلمون إنشاءها بشكل وثيق بما يتعلّمه الآخرون ومن تجاربهم، وهنا يمكن للمرء أن يجادل بأن الذكاء التوليدي لا يختلف من حيث أنه يتعلّم من مجموعات البيانات الأساسية لإنتاج شيء جديد.
الغذاء: بيانات الشبكة العنكبوتية
يعتمد الذكاء الاصطناعي التوليدي على التعلّم الآلي ويتمّ تدريبه باستخدام البيانات من مجموعة واسعة من المصادر، بما في ذلك الصور والمحتوى والبرامج والصوت والأغاني والفيديو، عند الاستجابة لمطالبات المستخدمين.
تكون هذه المطالبات في شكل توضيحات مكتوبة قصيرة، تتطلّب الأداة المستخدمة لإنشاء مخرجات محدّدة، كتطبيقات "شات جي بي تي" من "أوبن إيه آي" أو "كوبايلوت" من "مايكروسوفت" وغيرهما.
وتكمن الصعوبة التي تنشأ من منظور الملكية الفكرية في أن البيانات المستخدمة في عملية التدريب تتكون على الأرجح من فئات مختلفة من مجموعات البيانات، بما في ذلك المعلومات المجانية الاستخدام والمعلومات المحمية، أو مزيج من الاثنين معًا.
كما يثير تطوير نماذج الذكاء التوليدي وتدريبها أيضًا قضية مهمّة أخرى تتعلق بحقوق الطبع والنشر، ما إذا كان استخدام محتوى طرف ثالث في هذه الممارسة قد ينتهك حقوق الطبع والنشر لذلك المحتوى.
وهنا تُطرح الأسئلة، هل مطور نموذج الذكاء الاصطناعي هو الذي مكّن العملية "الإبداعية"؟ هل هو صاحب نموذج الذكاء الاصطناعي؟ أم هو الشخص الذي أخذ في الاعتبار وأدخل المطالبات التي سمحت لأداة الذكاء الاصطناعي بإنشاء المحتوى؟
هل يشكّل تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدية انتهاكًا لحقوق الطبع والنشر، ما يعرّض المطورين للمطالبات ذات الصلة؟
ومع سعي العالم إلى اللحاق بركب الابتكار، يؤثر الغموض القانوني الناتج من ذلك على جميع جوانب معادلة الذكاء التوليدي - المطورين، ومنشئي المحتوى، وأصحاب حقوق الطبع والنشر.
حقوق الطبع والنشر - ملكية المحتوى
يُعَدّ قانون حقوق الطبع والنشر وسيلة رئيسية يتمّ من خلالها مكافأة الابتكار والإبداع ــ وبالتالي تمكينهما ــ ما يزيد من المخاطر التي يتعيّن على المحاكم وسلطات الملكية الفكرية تحديد ملكية حقوق الطبع والنشر في سياق الذكاء الاصطناعي التوليدي.
في الوقت الحالي، توفّر معظم أدوات الذكاء الاصطناعي الإنتاجية امتلاك المستخدمين المحتوى الذي ينشئونه في شروط الاستخدام الخاصة بهم. ومع ذلك، إذا لم يكن المحتوى محميًا بحقوق الطبع والنشر في المقام الأول، فلا يمكن لشروط الاستخدام تغيير هذا الموقف. هناك قدر أقل من الوضوح حول الجهة المسؤولة إذا كان المحتوى الذي تمّ إنشاؤه بواسطة الذكاء الاصطناعي ينتهك حقوق الطبع والنشر لشخص آخر في عمل محمي.
للإجابة عن هذه الأسئلة، تتطلّب المحاكم وسلطات الملكية الفكرية تحديد نطاق قانون حقوق الطبع والنشر التقليدي في ما يتعلق بالذكاء الاصطناعي التوليدي، وهو ما قد يؤدي إلى تغييرات في التشريعات الحالية التي تغطي ملكية المحتوى الناتج من الآلة؟
وفي نهاية المطاف، من الممكن أن يحتاج قانون حقوق الطبع والنشر إلى إعادة تصوره وإعادة تعريفه بشكل أكبر، ليأخذ في الاعتبار إمكانية الاعتراف بالآلة، باعتبارها كيانًا خاصًا بها يتمتع بسلطة مستقلة والقدرة على امتلاك المحتوى وحمايته، على الرغم من أن هذا لا يُظهر الأفق على المدى القصير في وضوح أين تقع المسؤولية عن العواقب السلبية (بما في ذلك انتهاك حقوق النشر) الناجمة عن مخرجات الذكاء الاصطناعي التوليدية.
إذا كان الأمر كذلك، فهل هناك حاجة إلى تشريعات جديدة لمعالجة هذه القضية بطريقة لا تعوق الابتكار بشكل غير معقول، ولكن مع احترام حقوق المبدعين؟