في عالم الفلك والفضاء، تأتي الاكتشافات دائماً بمفاجآت تثير الدهشة والإعجاب. ومن بين هذه الاكتشافات، يبرز اكتشاف الألماس على كوكب عطارد، الكوكب الأقرب إلى الشمس والذي لطالما كان يُعتبر مكاناً غير مضياف بسبب درجات حرارته القصوى وتضاريسه القاحلة. هذا الاكتشاف المذهل لم يفتح فقط آفاقاً جديدة لفهمنا للكون، بل أثار أيضاً العديد من التساؤلات حول تكوين الكواكب وإمكانية العثور على موارد ثمينة خارج كوكب الأرض.
البداية: ضغط وحرارة
من المعروف أن الألماس يتكون تحت ضغط وحرارة عاليين، ما يجعل وجوده على كوكب مثل عطارد أمراً مثيراً للاهتمام. عطارد، بسطحه المليء بالحفر ودرجات الحرارة التي تتفاوت تفاوتاً كبيراً بين الليل والنهار، يبدو كأنه بيئة غير محتملة لتشكيل الألماس. ولكن مع تطور التكنولوجيا وتحليل بيانات المهمات الفضائية، بدأ العلماء يلمحون إلى وجود أدلة تشير إلى أن الألماس قد يكون موجوداً بالفعل على سطح هذا الكوكب.
تشير دراسة حديثة نشرها موقع NDTV إلى أن هناك طبقة سميكة من الألماس قد تكون على بعد مئات الأميال تحت سطح كوكب عطارد، وفقاً لتقرير في موقع لايف ساينس. يقول يانهاو لين، عالم في مركز الأبحاث المتقدمة لعلوم وتكنولوجيا الضغط العالي في بكين والمؤلف المشارك في الدراسة: "إن محتوى الكربون العالي جداً في عطارد جعلني أدرك أن شيئاً خاصاً ربما حدث داخل الكوكب". ويتميز عطارد، أول كوكب في نظامنا الشمسي، بوجود مجال مغناطيسي، لكنه أضعف بكثير من مجال الأرض. وكانت مركبة الفضاء مسنجر التابعة لناسا قد اكتشفت مناطق سوداء سواداً غير عادي على سطح عطارد، والتي تعرفت عليها كغرافيت، وهو نوع من الكربون.
يعتقد العلماء أن الكوكب قد تكوّن على الأرجح من تبريد محيط من الحمم البركانية، على غرار كيفية تطور الكواكب الأرضية الأخرى. كان هذا المحيط غنياً بالسيليكات والكربون في حالة عطارد، فتشكلت القشرة الخارجية والغطاء الأوسط للكوكب من تبلور الصهارة المتبقية، فيما تجمعت المعادن أولاً داخله لتشكل نواة مركزية. يقع الألماس تقريباً على عمق 485 كم تحت سطح الكوكب، ما يجعل استخراجه مستحيلاً.
اعتقد العلماء لسنوات عديدة أن درجة الحرارة والضغط في الغطاء كانا مناسبين تماماً لتشكيل الكربون إلى غرافيت الذي يطفو على السطح لأنه أخف وزناً. ومع ذلك، كشفت دراسة أجريت في عام 2019 أن سطح عطارد قد يكون أعمق بـ50 كيلومتراً مما كان يُعتقد سابقاً، ما سيزيد كثيراً من درجة الحرارة والضغط عند حدود الغطاء والنواة، فينتج ظروفاً يمكن أن يتبلور فيها الكربون إلى ألماس.
من الجيولوجيا إلى أيدي البشر
وبهدف لدراسة هذا الاحتمال، أعد فريق من الباحثين البلجيكيين والصينيين خلائط كيميائية باستخدام الكربون والسيليكا والحديد، وهذه الخلائط التي تشبه في تكوينها أنواعاً عدة من النيازك، يُعتقد أنها تشبه محيط الصهارة لكوكب عطارد الوليد، وأضاف الباحثون تركيزات مختلفة من كبريتيد الحديد إلى هذه الخلائط. وبالارتكاز على سطح عطارد الغني بالكبريت اليوم، فهموا أن محيط الصهارة كان غنياً بالكبريت أيضاً، حيث قام العلماء بسحق الخلائط الكيميائية عند ضغط 7 جيغاباسكال، أي 70,000 ضعف ضغط الغلاف الجوي للأرض عند مستوى سطح البحر، باستخدام مكبس متعدد السندان، وهذه الظروف القاسية تحاكي تلك الموجودة في عمق عطارد.
بالإضافة إلى إعادة إنشاء الظروف الفيزيائية التي يكون فيها الغرافيت أو الألماس مستقرين، استخدم الباحثون نماذج حاسوبية للحصول على قياسات أكثر دقة لدرجة الحرارة والضغط بالقرب من حدود لب الغطاء في عطارد. ويزعم لين أن هذه النماذج الحاسوبية توفر معلومات حول التركيبات الأساسية لداخل الكوكب.
ووفقاً للأبحاث، من المحتمل أن معادن مثل الأوليفين قد تطورت على السطح، إلا أن الفريق وجد أيضاً أن الخليط الكيميائي لم يتصلب إلا عند درجات حرارة أعلى بكثير عند إضافة الكبريت، وهذه الظروف مناسبة لتشكيل الألماس. واقترحت نماذج الفريق الحاسوبية أن الألماس قد تكون أثناء تصلب النواة الداخلية لعطارد في ظل هذه الظروف المعدلة، ثم طفا إلى حاجز الغطاء والنواة لأنه كان أقل كثافة من النواة. وترجح التقديرات أنه إذا كان الألماس موجوداً بالفعل، فإنه يشكل طبقة تبلغ سماكتها عادة حوالي 15 كم. ومع ذلك، لا يمكن استخراجه. بالإضافة إلى درجات الحرارة المرتفعة جداً على الكوكب، يقع الألماس تقريباً على عمق 485 كم تحت السطح، ما يجعل استخراجه مستحيلاً.
لا تقتصر أهمية هذا الاكتشاف على الجانب العلمي فقط، بل تفتح أيضاً آفاقاً جديدة للاستكشاف الاقتصادي والفلكي. إذا أمكن استخراج الألماس من عطارد، فقد يصبح مصدراً قيّماً للموارد الطبيعية في المستقبل البعيد. كما أن هذا الاكتشاف يساهم في فهمنا لكيفية تشكل المعادن الثمينة في بيئات مختلفة من النظام الشمسي.