هل تشكّ في أنّ أساطيل الأقمار الاصطناعية للدول الكبرى والشركات العملاقة تراقبنا على مدار الساعة؟ اترك هذا السؤال. فكّر في أنك تُسهم في هذه الرقابة، وفي أنها ليست مقتصرة على الصور، وأن الشركات صارت محوراً أساسياً فيها، خصوصاً منذ ثورة "كيوب سات" Cube Sat، أي الأقمار المصنوعة بتقنية النانوتكنولوجي، والتي صارت بحجم صندوق صغير للتسوّق، وبوزن يزيد قليلاً عن كيلوغرام واحد (1.5 كيلوغرام).
الأهمّ أن رقابة الفضاء صارت مندمجة مع الإنترنت ومحتوياتها، مما يعني أن الجمهور يبثّ إلى جهات الرقابة صوره وأشرطته المصوّرة وتسجيلاته الصوتيّة (وهي مراقبة تقنيّاً مهما فَعَلْتَ). الرقابة تُطبِقْ عليك. صوتك على الإنترنت يعني إمكانية التعرّف على مواصفاته الخاصة، أي "بصمة الصوت". تكشف أشرطتك ملامح وجهك ومتغيّراتها مع الزمن، ووفق المواقف المختلفة (حفلة، شجار، حوار...)، أي "بصمة الوجه". ويتولّى نظام "جي بي أس" ونظرائه ربط ذلك مع حركتك وتحرّك سيّارتك. وتحمل شبكات الخليويّ تحرّكاتك كلّها، طالما بقي معك الخليويّ وما يشبهه من الأجهزة كالساعات الذكيّة مثلاً.
"ليو" يراقبك؟ ماذا عنك؟
بالطبع، ليس ذلك بحديث عن ليو ميسي، بل تختصر كلمة "ليو"LEO عبارة "المدار الأرضي المنخفض" Low Earth Orbit، الذي يتراوح ما بين 200 كيلومتر و2000 كيلومتر.
كيف تعرف أن أقمار "ليو" تستفيد منك؟ سهلة. اقرأ بتمعّن وتفكير نقديّ الكلمات الترويجية عن تلك الأقمار، وستجدها على المواقع الشبكيّة لشركاتها، إضافة إلى المواقع العلميّة المختلفة. مثلاً، في "ويكيبيديا" أو موقع "تيك تارغت" Tech Target، تُعرَّف أقمار "ليو" بأنها تقدّم خدمات الاتصالات الفضائية، بما في ذلك الخليوي والإنترنت، واعتراض موجات البثّ المتنوّعة (تقصّي مصدرها وما تحمله من معلومات، والتشويش عليها أو السيطرة عليها)، والتصوير من الفضاء والتجسّس (بكلّ وضوح). لاحظ أنّ أوّل الوصف عن الإنترنت، أي عنك، أنت الذي لا تكفّ عن ضخّ الكلمات والأصوات والأشرطة، فيما يضخّ هاتفك المعلومات عنك، بما في ذلك مكالماتك.
ثمة حاجة متنامية في الاتصالات العالمية المتطوّرة لوجود أقمار اصطناعية توضع في مدار منخفض، وتؤمن الاتصال بالإنترنت بسرعة مرتفعة. ومن العمالقة في أقمار ذلك المدار تبرز شركة "ستار لينك"Star Link الأميركية، التي يملكها إيلون ماسك، صاحب منصّة "إكس" التي تتناقل تلك الأقمارُ تدويناتها أيضاً، وكذلك حال المنصّات المشابهة.
أوروبا تركِّب عملاقها
شهد العام 2023 ولادة عملاق في عالم أقمار الإنترنت الاصطناعية بفضل اندماج شركة "يوتلسات" الفرنسية و"وان ويب" البريطانية. سُميَّ المولود "يوتلسات وان ويب" الذي امتلك آنذاك 618 قمراً.
تنتمي معظم أقمار "ليو" إلى فئة الأقمار المصغّرة Miniature Satellites، التي تسمّى أيضاً "الأقمار النانويّة" Nanosatellite، والتي تشارك في إنتاجها شركات "وادي السيليكون"، خصوصاً شركة "غوغل" العملاقة.
الجاسوس الشامل بأرقام يتصدّرها ماسك
إذن، أقمار "ليو" تشبه مارداً أسطورياً عملاقاً يتموضع في الفضاء، حيث يتولّى مراقبتنا بالعين والأذن المزوّدة بالذكاء الاصطناعي، ويتحسّس الخرائط الحرارية لأجسادنا ومدننا ومبانينا وأشيائنا. لكن، اطمئنوا، لن يرى بؤسنا!
إذن، لنصفه بالأرقام والتواريخ التي تُظهر أيضاً أن ماسك يتحكّم بذلك المارد!
* في 2016، وضع "غوغل" قمرين صغيرين تميّزا بأنهما يرسلان أشرطة فيديو عالية الدقة عن الأرض، وكانا لمصلحة الحكومة الأميركية، التي أشرفت أيضاً على إرسال أقمار مصغّرة، مزوّدة برادارات تعمل بأشعة إكس كي تستطيع تصوير الأرض حتى في الأحوال الجويّة السيّئة.
* في 2018، اقتحمت الشركات فضاء الاتصالات ومراقبة الأرض وتصويرها، إذ وضعت شركتا "روكيت لاب" و"سبايس إكس" الأميركيتان عشراتٍ من أقمار "كيوب سات" Cube Sat النانوية، التي لا يزيد وزن أحدها عن 1.3 كيلوغرام، في مدار "ليو" المنخفض، فكانت تلك المرة هي الأولى لاقتحام الشركات السيطرة على الرقابة الفضائية، لتُنهي السيطرة الحصرية للحكومات عليها. آنذاك، قُدِّرت سوق الاستثمار في الفضاء بـ340 بليون دولار، فيما صارت قيمتها الآن تريليونية.
* تكفي 130+ من الأقمار النانوية لتقديم صور فضائيّة عن كامل مساحة اليابسة في الكرة الأرضيّة كل 24 ساعة.
* 7000+ من أقمار "ليو" تراقبنا الآن. في العام 2019، كان العدد 3000 قمر، ويُتوقع أن يصل العدد إلى 28 ألف قمر في العام 2030. وبأرقام تقريبية، تشمل الأطراف التي تملك تلك الأقمار:
- 3400 لشركة "سبايس إكس" Space X، التي يملكها إيلون ماسك، وتمتلك الأسطول الأضخم من الأقمار الاصطناعية الحديثة في الفضاء الذي يساند عمل شبكة "ستارلينك" StarLink للاتصالات الشبكية الفضائية.
- 500 لشركة "يوتلسات وان ويب" Eutelsat One Web.
- 370 للصين التي تملك مشروعاً لنشر 13 ألف قمر.
- 310 للقطاع الحكومي الأميركي.
- 200 لشركة "بلانيت لاب" Planet Lab.
- 140 للاتحاد الفيديرالي الروسي.
- 130 لشركة "سباير غلوب" Spire Globe.
- 90 لشركة "سوارم تيك" Swarm Tech.
- 90 لمجموعة "إيريديوم" Iridium.
- 1500+ قمر تتوزعها أطراف عدّة، أبرزها شركة "أمازون"، التي تخوض منافسة شرسة ضد ماسك، ولديها "مشروع كيبور"، الذي أطلق العشرات من أقمار "ليو"، مع توقع وصول الرقم إلى نحو 3300 قمر في العام 2030.
وثمة مواقع متخصّصة تحتسب حصة "الاتحاد الأوروبي" (250 قمراً) ضمن أسطول "يوتلسات وان ويب"، إذ يتفاوض الطرفان بعمق على هذا الأمر.
سوق الصور الفضائية وكشف أقمارها
في الوقت الذي يرتفع العويل والنحيب على صور الأقمار الاصطناعيّة عن انفجار مرفأ بيروت، ربما يفيد التذكير ببعض المعطيات عن سوق الصور الفضائية.
ولا داعي للتذكير مثلاً بأن محطات التلفزة الكبرى تشتري صور الأقمار الاصطناعية وأشرطتها، كي تبثّها في نشراتها الإخبارية!
وقد لا يصعب الوصول إلى المصدر.
منذ العام 2018، تمتلك شركتان كبيرتان أسطولاً صغيراً من الأقمار الاصطناعيّة المخصّصة للتصوير الفضائي، هما "ديجيتال غلوب"Digital Globe، و"إيرباص ديفانس أند سبايس" Airbus Defense & Space. وتأتي أرباحهما من بيع صور الأقمار الاصطناعيّة وأشرطتها للأفراد والمؤسسات. وعلى الرغم من أنهما تمتلكان أقماراً اصطناعيّة ضخمة مجهّزة بكاميرات متقدّمة، فإن أسطولهما الفضائيّ لا يغطّي سوى 5 في المئة من مساحة اليابسة يوميّاً. وبالتالي، فإنها تعود إلى تصوير المنطقة عينها مرّتين كل 24 ساعة.
ومنذ العقد الثاني من القرن الـ21، هنالك تطبيقات للهواتف خاصة بالكشف عن مواقع الأقمار الاصطناعية التي تراقب المستخدم من فوق رأسه. وتشمل تلك البرامج:
- "سباي مي سات" SpymeSat. صنعت هذا التطبيق شركة "أوربت لوجيك إنكوربوريتد" Orbit Logic Incorporated. يعتبر الأبرز في مجاله، ويخبر عن القمر الاصطناعي الذي يمر فوق موقع الخليويّ الذي يطلب خدمة ذلك البرنامج. يقدم أيضاً صوراً وأشرطة ملتقطة من الأقمار الاصطناعية. تتراوح تكلفته ما بين 10 و800 دولار، بحسب الخدمات التي يطلبها المستخدم.
- "سباير" Spire يُعتبر من أبرز بدائل "سباي مي سات".
- "آبهير.سبيس" uphere.space.
- "تيرا باترن" Terrapattern الذي يصلح أيضاً للحصول على صور وأشرطة فضائية.
- "غلوبال إكسبلورر" GlobalXplorer.
- "هيو إنسبكت" Heo Inspect المخصص للمؤسسات الحكومية المعنيّة والمؤسّسات المشابهة لها. يقدّم موادّ بصريّة عن الأقمار الاصطناعية والأجسام الفضائية الأخرى.
- "كلاود ليس" Cloudless الذي يطبّق تقنية التعلُّم العميق Deep Learning للآلات كي يزيل تأثيرات السحب والغبش عن الصور الفضائية.