حدث أخيراً في ولاية فلوريدا الأميركية، أن ممرضة مكلّفة باختبار أداة جديدة مدعومة من "غوغل" تستخدم الذكاء الاصطناعي لتحليل السجلات الطبية للمرضى، لاحظت أمراً خطيراً قد يهدّد حياتهم. ووفق موقع "بلومبرغ"، يتمثل ذلك الخطر بفشل البرنامج في ملاحظة وجود حساسية على أنواع من الأدوية لدى المريض. إذ يمكن أن يساعد تاريخ حساسية المريض في تجنّب كوارث مميتة، مثل حدوث ردّ فعل مناعي في حال إعطاء المريض دواءً لديه حساسية عليه.
وفي المقابل، يعتبر الخبراء اليوم الذكاء الاصطناعي اختراقاً تكنولوجياً يحدث مرّة واحدة في الجيل، مثل السيارة أو الإنترنت، ولديه القدرة على تبديل مسار الأشياء كلها. هل هذا صحيح؟ وكيف يجب إدارته وكيف يُعمل اليوم على دمج الذكاء الاصطناعي في القطاع الصحي؟
تنافس تكنولوجي يرافقه قلق مقدمي الرعاية الصحية
وفق موقع "بلومبرغ"، اجتهدت شركة "ألفابيت"، الشركة المالكة لـ"غوغل"، خلال السنتين الماضيتين، في وضع الذكاء الاصطناعي التوليدي في أيدي الجمهور. وكذلك سعت إلى أحد أهدافها الأكثر مراوغة، أي تحقيق تقدّم في مجال الرعاية الصحية باستخدام ذكاء الآلات. ولنتذكر أن تحقيق اختراق علمي في صناعة الرعاية الصحية الأميركية التي تبلغ قيمتها 4 تريليونات دولار، قد يمنح "ألفابيت"، ميزة ضدّ منافسيها في سباق الذكاء الاصطناعي.
وقد باتت الشركة بحاجة إلى تحقيق فوز ما، بعد سنوات من التحولات الاستراتيجية، ومليارات الدولارات من الاستثمارات وقائمة طويلة من مشاريع كبرى وفاشلة في مجال الرعاية الصحية، كالعدسات اللاصقة التي تستشعر الجلوكوز، وحبوب الكشف عن السرطان وغيرها.
وفي هذا السياق، تندرج أداة "غوغل" المشار إليها آنفاً، ضمن تقنيات عدة في الرعاية الصحية، تسعى إلى تقديم مزايا الذكاء الاصطناعي عبر تقليص المهمّات المملة والكتابية، مع إتاحة مزيد من الوقت للعاملين الصحيين للتعامل مع مرضاهم.
وكذلك ترى "ألفابيت"، أن الذكاء الاصطناعي قد يتدرَّب يومًا ما على كل المعرفة الطبية للبشرية، ما يمكنه من تقديم رؤى صحية تتلاءم مع حالة كل مريض على حدة.
لكن، في الوقت الحالي، لم تصل التكنولوجيا إلى المستوى المطلوب من الجودة. ولا تزال هناك تساؤلات بشأن قدرة الذكاء الاصطناعي على تقديم معلومات صحية عالية الجودة باستمرار، بحسب "بلومبرغ".
وعلى مدار الأشهر القليلة الماضية، احتج ممرضون وبعض مقدّمي الرعاية على استخدام الذكاء الاصطناعي في المستشفيات، مشيرين إلى مخاوف بشأن إمكانية إلحاق التكنولوجيا الضرر بالمرضى واستبدال الوظائف البشرية. ووفقًا لمسح أجراه "مركز بيو للأبحاث" العام الماضي، فإن حوالى 60 في المئة من الأميركيين يشعرون بعدم الارتياح لاعتماد مقدّمي الخدمات الطبية على الذكاء الاصطناعي لتقديم الرعاية الصحية.
"غوغل" ليست لوحدها
"غوغل" ليست الشركة التكنولوجية العملاقة الوحيدة التي تعثرت في طريقها. فقد تخلّت شركة "أبل" أو أرجأت عدداً لا يُحصى من المبادرات، بما في ذلك جهاز مراقبة الجلوكوز. وأغلقت شركة "أمازون" خدمة للرعاية الصحية مِن بُعد، ومشروعاً يهدف إلى خفض تكاليف التأمين الصحي لصاحب العمل.
وكذلك أوقفت شركة "مايكروسوفت" جهوداً استمرت 12 عاماً لتحسين إدارة السجلات الطبية. لقد ضخت جميع الشركات مليارات الدولارات في إعطاء الرعاية الصحية تحولّاً مثيراً، وحتى الآن لم تفلح أي منها في تقديم الكثير من النتائج الفعّالة.
ثورة الذكاء الاصطناعي
بدأ حلم "غوغل" في إحداث ثورة صحية تعتمد على التكنولوجيا قبل قرابة عقدين من الزمن. ففي عام 2008، وبعد عام ونصف من التطوير، أطلقت الشركة منصة مجانية للسجلات الصحية الشخصية، أُطلق عليها اسم Google Health التي جذبت شركاء بارزين. والآن، يعد الذكاء الاصطناعي بتقديم فرص جديدة لـ"ألفابيت" في مجال الصحة.
ويجري تطوير الذكاء الاصطناعي التوليدي من خلال تدريبه على كميات هائلة من البيانات والتعلّم منها، كي يتمكن مثلاً، من أتمتة مهام مثل تلخيص سجل صحي أو تفسير الأشعة السينية. وتعتقد "غوغل" أنه في يوم من الأيام، قد تتمكن أنظمة الذكاء الاصطناعي في الصحة من إنشاء خطط لرعاية للمرضى، والاستجابة لصحة الناس مع تقدّمهم في السن أو حتى توقع المرض.
ومن الناحية النظرية، يستطيع نظام الذكاء الاصطناعي، الذي يمكنه تذكّر تفاصيل كل المعارف الطبية، بما يفوق طاقة البشر. ومن المستطاع نشر ذلك الذكاء ووضعه قيد الاستخدام حتى في الأمكنة التي يندر فيها الأطباء أو الممرضات.
وقد أشار متحدث باسم "غوغل"، إلى أن تقنيات الذكاء التوليدي التي تختبرها الشركة في المستشفيات لا تهدف لاستبدال البشر بها.
وبصورة عامة، تبذل "ألفابيت" جهوداً كبيرة لصنع أدوات ذكية متطورة في الرعاية الصحية. وقد صرّح مدير أبحاث الذكاء الاصطناعي في "غوغل" أن هنالك جهوداً تُبذل لوضع ميزات الذكاء التوليدي في خدمة الأطباء والممرضات وأنظمة الرعاية، خصوصاً في التوثيق وإدارة المعلومات والأعمال التي يعتبرها كثيرون بمثابة جدار هائل من العمل الشاق. ولكن، يبقى الاحتمال موجوداً بأن تُخطئ أدوات الذكاء الاصطناعي، ما يوجب استمرارية تدخّل العنصر البشري.