الأربعاء - 18 أيلول 2024
close menu

إعلان

المادّة المظلمة ربّما دخلت في عتمة المستحيل

أحمد مغربي
المادّة المظلمة من الأشياء المبهمة في الكون (ناسا)
المادّة المظلمة من الأشياء المبهمة في الكون (ناسا)
A+ A-

هل تبدّدت آمال العلماء في العثور على المادّة المظلمةDark Matter ؟ هل "اختفت" في ظلال بحث علميّ جديد وصف العثور عليها بأنّه أقرب إلى  الأمر المستحيل؟ كيف يؤثر ذلك على فهم العلماء للكون؟

الأرجح أن تلك الأسئلة التي يصعب تفاديها تحتاج إلى مقالات وكتب، لكنها تحضر إلى الأذهان مع الإعلان المخيب للآمال الصادر من العلماء الذين يتولون أضخم تجربة علمية عالمية مكرسة للبحث عنها. وخلال الأسبوع الحالي، قدم أولئك العلماء النتائج السلبية لتلك التجربة دراستهم أمام مؤتمرين علميين عُقِدا في شيكاغو الأميركية وساو باولو البرازيلية. ويدور الحديث عن تجربة تسمى "لوكس- زبلين" LUX-ZEPLIN، واختصاراً "إل زد" LZ، تجري بالتعاون بين جامعات عالمية مرموقة بهدف التوصل إلى تلمس وجود المادة المظلمة.

 

المادة المظلمة وحبال شبكاتها الكونية

باختصار، تُعرَّف المادة المظلمة بأنها تلك التي لا تراها العين البشرية ولا أدوات القياس العلمية، لأنها لا تتفاعل مع الضوء (فلا تُرى) ولا تتجاوب مع كل أنواع الطاقة المعروفة في الكون، على غرار الموجات الكهرومغناطيسية. وفي المقابل، يسود شبه إجماع علمي على أنها تملك طاقة جاذبية مؤثرة، وأنها منتشرة في الكون، ربما على هيئة شبكة هائلة الضخامة تمتد عبر الكون كله، وتتقاطع خيوطها وتتشابك في نقاط معينة ربما تحتضن في ظلالها كل المجرات الكونية المعروفة.

وتوضيحاً، تتألف المجرات من ذرات المادة التي تكونت بعد "الانفجار العظيم"، وكانت في البداية على شكل جسيمات ثم تجمعت في ذرات وجزيئات ثم مواد تجمعت لتشكيل النجوم والكواكب والنيازك وغيرها.

من المستطاع التفكير بأن شيئاً مشابهاً حدث في تكوين "المادة المظلمة"، لكنها تجمعت على هيئة شبكات من خيوط كونية هائلة الاتساع، وأن المجرات تكونت في تقاطعات كونية لشبكة "المادة المظلمة". وبالتالي، يُعتقد أيضاً أن تلك الشبكة تشد أرجاء الكون إلى بعضه البعض، فتقرب بين مجراته وفضاءاته.

وفي المقابل، معروف عن الكون أنه يتوسع باطراد، لأسباب متعددة تشمل وجود قوة تسمى "الطاقة المظلمة" Dark Energy تعمل على المباعدة بين أرجاء الكون. وبقول آخر، كأنما هنالك نوع من التوازن الديناميكي (أي أنه غير ثابت) بين المادة المظلمة والطاقة المظلمة، يسهم في ضبط إيقاع ظاهرة التوسع الكوني، مع الإشارة إلى أن سرعة ذلك التوسع ليست شيئاً معروفاً.

 

تجربة "إل زد"

 

ثمة ما لا يحصى من الأشياء المجهولة عن المادة المظلمة. ماذا لو أنها موجودة، مثلاً، في قلب الذرات وتؤدي دوراً معيناً في بقائها؟ ما هي علاقة جاذبية المادة المظلمة، بالجاذبية أو بأشكال الطاقة المتعددة؟

وبصورة تقريبية، يحاول العلماء صنع ظروف تسمح بتقصي وجود المادة المظلمة، عبر أدوات قياس معينة مع إبعاد كل التأثيرات الاخرى عن تلك الأدوات.

وتقدم تجربة "إل زد" نموذجاً عن ذلك، لأنها تتضمن مؤشرين منفصلين، اجتهد العلماء في كل منهما عن تأثيرات كل أشكال الطاقة، ووضعوهما تحت المراقبة الدقيقة. ويفترض أن يتأثر المؤشران كلاهما بطاقة شكل مفترض من المادة المظلمة يسمّى "ويمب" WIMP ، اختصاراً لعبارة "الجسيمات الكثيفة الضعيفة التفاعل" Weakly Interacting Massive Particles، أي أنها جسيمات ثقيلة وتملك جاذبية لكنها لا تتفاعل مع أشكال الطاقة المعروفة إلا قليلاً. ومثلاً، تصل كتلة جسيم "ويمب" إلى أكثر من تسعة بلايين إلكترون فولت، وهو مقياس معتمد في قياس الجزيئات الذرية. ومثلاً، تصل كتلة جسيم البروتون في نواة الذرة إلى بليون إلكترون فولت. ويعني ذلك أن ذرة الهيدروجين التي تحتوي بروتون واحد، يكون "نظيرها" من المادة المظلمة أثقل منه بتسعة أضعاف.

لا تتجاوب جسيمات "ويمب" مع أشكال الطاقة المعروفة إلا بمقدار ضئيل، مع الإشارة إلى أن جسيمات المادة المظلمة يفترض أن "تظهر"، بمعنى أن يظهر دليل على وجودها، حينما يختفي ذلك المقدار الضئيل،  وبالتالي، يُدرج العلماء جسيمات "ويمب" ضمن الأنواع التي تفسر المادة المظلمة.

وفي تفصيل مهم آخر، يتعرف العلماء إلى جسيمات "ويمب" بصورة غير مباشرة عبر قياس المساحة التي تتمدد فيها، أو يفترض أنها كذلك.

وفي تجربة "لوكس زبلين"، اقترب العلماء من جسيمات "ويمب" بمقدار خمسة أضعاف التجارب السابقة، لكنهم لم يعثروا عليها. وفي وصف آخر، قلص العلماء إلى الخُمس المساحة التي تناولتها تجارب سابقة بافتراض أن جسيم "ويمب" متمدد فيها، لكن من دون حدوث أي تفاعل يوحي بوجود ذلك الجسيم. وتختصر كلمة "لوكس" LUX التسمية العلمية لمؤشر  Large Underground Xenon experiment، "تجربة كبرى تحت الأرض لغاز زينون". وتشارك فيه ثلاثون مؤسسة علمية من أميركا وبريطانيا والبرتغال وكوريا الجنوبية. وكلف عشرة ملايين دولار لبناء مختبر معزول عن تأثيرات الطاقة، ما عدا تلك التي وجهها العلماء إلى 370 كيلوغراماً من غاز زينون المسال، ويقع تحت الأرض بـ1510 أمتار بولاية داكوتا الجنوبية.

وتختصر كلمة "زبلين" إسماً معقداً لمخزن محصن بجدران معدنية متشابكة وكثيفة، ويحتوي 12 كيلوغراماً من غاز الزينون المسال المستهدف بحقل كهربائي مدروس.

وقد حدث ذلك الاقتراب اللصيق في مؤشري "لوكس" و"زبلين"، ضمن تجربة استمرت 280 يوماً. وعُرِضت نتائج التجربة في مؤتمر متخصص استضافته شيكاغو عن الجسيمات في الفيزياء الكونية، وكذلك في لقاء متخصص عن استعمال الضوء في بحوث المواد ذات الخصائص المتميزة، في ساو باولو بالبرازيل.

وعلى رغم خيبة الأمل، يعتزم العلماء الاستمرار في التجربة إلى أن تستكمل ألف يوم سوياً. وبعدها، سيصبح الموقف العلمي من المادة المظلمة أكثر وضوحاً وحسماً.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم