بعد الهجمات الأخيرة التي استهدفت "حزب الله" في لبنان، بدأت تظهر مصطلحات تقنية بين المحللين والخبراء مثل اختراق سلاسل التوريد Supply Chain Hacking لتفسير الأساليب المستخدمة في تنفيذ هذه العمليات. في التزامن، أصدرت لجنة استشارية تابعة للأمم المتحدة تقريراً جديداً يدعو إلى إنشاء لجنة علمية دولية تهدف إلى تعزيز الفهم المشترك عالمياً لإمكانات الذكاء الاصطناعي ومخاطره.
من جهته، حذر الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، في تصريحات سابقة، من أن التكنولوجيا، إذا لم تُنظم تنظيماً مناسباً، قد تصبح "شيطاناً منفلتاً من عقاله"، مشدداً على ضرورة العمل الجماعي الدولي للسيطرة على هذا "الشيطان" قبل أن يخرج عن السيطرة ويهدد العالم بمخاطر لا يمكن التنبؤ بها. هذا يثير تساؤلاً هاماً: هل يمكن أن يلعب الذكاء الاصطناعي دوراً في تسهيل اختراقات أو هجمات على سلاسل التوريد؟
اختراقات سلاسل التوريد في العصر الرقمي
في العصر الرقمي الحالي، أصبحت سلاسل التوريد هدفاً بارزاً للهجمات السيبرانية، خاصة مع تزايد استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحسين فعالية هذه الهجمات. يمكن للذكاء الاصطناعي، بقدراته التحليلية المتقدمة، تسريع وتيرة الهجمات وتعقيدها، ما يجعل اكتشاف الثغرات واستغلالها أكثر فعالية ودقة. على سبيل المثال، تستخدم تقنيات التعلّم الآلي لتحليل البرمجيات والتحديثات تحليلاً أسرع وأكثر كفاءة من التحليل البشري التقليدي، ما يسهم في الكشف عن ثغرات أمنية قد لا تكون مرئية بالطرق التقليدية. هذا النوع من التحليل يمكنه تحديد أنماط معقدة وغير متوقعة، ما يزيد من تعرض الأنظمة لهجمات متقدمة.
الهجمات المؤتمتة والهندسة الاجتماعية بالذكاء الاصطناعي
يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُستخدم لتسهيل تنفيذ هجمات تستهدف مكونات محددة في سلاسل التوريد، مثل البرمجيات الوسيطة أو نقاط التوزيع. هذه الهجمات المؤتمتة، التي تُنفذ تلقائياً دون تدخل بشري، قد تتضمن نشر برمجيات خبيثة بسرعة وعلى نطاق واسع، ما يجعل اكتشافها أو التصدي لها أمراً صعباً.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يعزّز فعالية هجمات الهندسة الاجتماعية، وهي تقنية يستخدمها المهاجمون لخداع الأفراد عبر استغلال الثقة أو الاستعطاف لجعلهم يكشفون عن معلومات حساسة أو ينفذون إجراءات غير آمنة. يقوم الذكاء الاصطناعي بتحليل كميات ضخمة من البيانات المتعلقة بالموظفين في سلاسل التوريد، مما يساعد في تصميم رسائل تصيد احتيالي مخصصة، وهي رسائل مزيفة تهدف لخداع المستلمين للكشف عن معلومات حساسة مثل كلمات المرور أو أرقام البطاقات الائتمانية. هذه الرسائل المخصصة تكون أكثر إقناعاً، ما يزيد من فرص نجاح الهجمات.
التحليل التنبّئي والتأثير على البنية التحتية المادية
الهجمات على سلاسل التوريد لم تعد مقتصرة فقط على البرمجيات، إذ إن الذكاء الاصطناعي يلعب دوراً متزايداً في تمكين المهاجمين من استهداف البنية التحتية المادية والتنبؤ بالتغيرات المستقبلية في سلاسل التوريد. يمكن استخدام تقنيات التحليل التنبؤي القائمة على الذكاء الاصطناعي لتوقّع التحديثات أو التغييرات التي ستطرأ على سلاسل التوريد، ما يتيح للمهاجمين الاستفادة من هذه التغيرات لإطلاق هجمات معقدة في توقيتات حساسة. على سبيل المثال، يمكن للمهاجمين استغلال تحديث برمجي أو استبدال جهاز معين لتنفيذ هجوم سيبراني منسق.
إلى جانب ذلك، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُستخدم لشن هجمات على البنية التحتية المادية نفسها. من خلال السيطرة على الروبوتات أو الأنظمة المؤتمتة في المستودعات أو مراكز التوزيع، يمكن للمهاجمين تعطيل العمليات أو تنفيذ أعمال تخريبية، ما يزيد من صعوبة اكتشاف هذه الهجمات والتصدي لها في الوقت المناسب. هذه الأساليب المتقدمة تهدد سلاسل التوريد تهديداً كبيراً وتجعلها عرضة لأخطار جسيمة، حيث تستغل الثغرات التقنية والبشرية لتحقيق أهدافها.
إن توظيف الذكاء الاصطناعي في الهجمات السيبرانية ضد سلاسل التوريد يمثل تهديداً متزايداً ومعقداً يصعب اكتشافه والحد منه. باستخدام تقنيات تعلم الآلة والتحليل التنبئي، يمكن للمهاجمين تحديد واستغلال الثغرات الأمنية بسرعة وكفاءة غير مسبوقة. هذا التصعيد في القدرة الهجومية يتطلب من الشركات والمؤسسات تعزيز استراتيجيات الأمن السيبراني الخاصة بها باستمرار، والاعتماد على الحلول التقنية المتقدمة للحد من المخاطر المتطورة التي تهدد سلاسل التوريد تهديداً متزايداً.