النهار

أطفالكم في خطر... هل تعلمون ما قد يواجهونه في الألعاب الإلكترونية؟
أحمد البغدادي
المصدر: النهار
أطفالكم في خطر... هل تعلمون ما قد يواجهونه في الألعاب الإلكترونية؟
رويترز
A+   A-
  تُشكّل البرامج الإلكترونيّة عالماً من الألعاب، خصوصاً تلك التي يتمّ تحميلها ‏عبر الهاتف أو الأجهزة اللوحية (Tablets)، والتي تستقطب الفئة الغالبة من الأطفال. ‏

قد تكون هذه الألعاب ذات أهداف تعليميّة أو مجرّد أداة ‏ترفيهية، لا فرق. لكنّها تُشكّل ستارة لعالم واسع، مليء ‏بالخفايا والمخاطر، حيث تتربّص "وحوش غير مرئية" ‏للانقضاض على الأطفال من دون تردّد. وليس ذلك فحسب، إذ ‏تتنكر بعض هذه التطبيقات بقناع الألعاب، ولكنها في الواقع ‏ذات محتوى سلبيّ، يبثّ الرعب حتى في قلوب الراشدين. ‏
وكنّا سابقاً قد تطرّقنا إلى محتوى لعبة "روبلوكس" الشّهيرة ‏للأطفال، من دون أن يتوقّف بحثنا عندها، وبدأنا بخوض غمار ‏البحث في هذا العالم، حتى بدأت تتوضح لنا الصورة الشاملة ‏لحجم المخاطر التي من الممكن أن يتعرّض لها الأطفال بشكلٍ ‏يومي. ولا تقتصر المخاطر على هذه الألعاب فحسب، ففي أغلب الأحيان تكون هذه التطبيقات مجرد سبيل للوصول إلى غاية معيّنة، ‏ويتمّ استدراج الأطفال إلى تطبيقات أخرى.

 

اقراء أيضاً : لعبة الأطفال "Roblox"... إيحاءات جنسية وغرف سرية


 شهادةٌ حيّة: ‏
بعد اطلاعها على المقال المتعلّق بلعبة "روبلوكس"، تواصلت ‏معلّمة في الصفوف الابتدائية في لبنان مع "النهار" لمشاركتنا ‏تجربة إحدى تلميذاتها، وهي الطفلة "م.ش" ذات الـ10 سنوات ‏مع هذه الألعاب. ‏
بدأت "م.ش." حديثها لـ "النهار" بالتشديد على الواقع المعاش ‏من قبل الأطفال في عالمنا العربي خاصةً، ودول العالم عامةً، حيث تُفتقد الرقابة من قبل الأهل، ويبقى الأطفال وحيدين في ‏مواجهة هذا الواقع المظلم. ‏
وقالت: " الطفلة "م.ش" هي إحدى رواد لعبة "روبلوكس"، ‏وتتواجد في هذا العالم الافتراضي بشكل دائم. وتعرّضت ‏الطفلة نتيجة لذلك لمواقف عدة أكدت المخاوف المتواجدة حول ‏خطورتها، لكن ما لم نعرفه هو مدى عمق هذه الفوهة. فهذه ‏الطفلة التي من المفترض أن تعيش طفولة بريئة خالية من ‏المخاطر، قد انفتحت على عالم أكبر منها، إذ تعرّضت ‏لإيحاءات جنسية إن كان من خلال رؤيتها بشكل مباشر في ‏اللعبة حيث يُقدم اللاعبين على محاكات هذه الإيحاءات أو من ‏خلال قراءتها لمواضيع جنسية في قسم الدردشة من اللعبة".
وقامت الطفلة بمشاركة هذه التجربة مع معلّمتها، فبدأنا ‏باكتشاف أن ما يحصل ما هو إلا غيضٌ من فيض، إذ في كثير من الأحيان ‏يتمّ استدراج هؤلاء الأطفال عبر نظام الدردشة في اللعبة إلى تطبيقات أخرى كتطبيق "ديسكورد". ‏

ويعدّ "ديسكورد" تطبيقاً للتواصل الاجتماعيّ الخاص ‏بالألعاب، حيث يُمكن لمستخدميه الدردشة أو القيام باتصالات ‏صوتيّة، بالإضافة إلى قدرتهم على مشاركة الصور. ويُمكن ‏للمستخدمين إنشاء خوادم خاصّة (‏Servers) بألعاب معيّنة، ‏ويُمكن إرسال دعوات للمشاركة بهذه الخوادم عبر منصّات ‏أخرى. ‏
في أغلب الأحيان، تضمّ هذه الخوادم بالغين يسعون للتحرّش بالأطفال. ‏فعندما يتمّ الدخول إلى أحدها، يُمكن أن تُرى الإيحاءات الجنسية ‏طاغية على جميع الأحاديث. وليس ذلك فحسب، بل يقوم ‏البالغون بالادّعاء بأنّهم أطفال بهدف كسب ثقة الأولاد، ثم يتقرّبون إلى المستخدمين الصّغار عبر المراسلة ‏المباشرة. وهنا تبدأ محاولات التقرّب إليهم، فتبدأ المحادثات ‏بطريقة بريئة، وتتطوّر شيئاً فشيئاً. وقد يُطلب إلى الأطفال ‏إرسال صور شخصيّة لهم تمتاز ببعض الجرأة. ففي ‏واقعةٍ معيّنة، طلب أحد المتحرّشين من طفلة إرسال صورة ‏لها تُظهر فيها بطنها. ثم تتطوّر هذه الطلبات لتُصبح ذات محتوى ‏جنسيّ، يصعب على الأطفال رفضه، لأن لمتحرّشين يلجأون حينها إلى إطلاق ‏التهديدات، إمّا بالصور التي تمّ إرسالها سابقاً، أو قد يصل الأمر ‏إلى حدّ التهديد بالقتل. وبالنظر إلى ضعف تجربة الأطفال، يرضخون – في أغلب الأحيان – للابتزازات.

 

"ذا نيويورك تايمز"

 

وكانت صحيفة "نيويورك تايمز" قد أصدرت تقريراً في ‏وقتٍ سابق بعنوان "ألعاب الفيديو والمحادثات عبر الإنترنت ‏هي ساحات صيد للمفترسين الجنسيين"، ذكرت فيه سهولة ‏وصول المتحرّشين الجنسيين إلى الأطفال عبر الإنترنت من خلال ‏ألعاب الفيديو المتعدّدة اللاعبين. ‏

ولفتت "م.ح." إلى تداول صفحات في تطبيق "تيك توك" ‏إيحاءات جنسية عبر نظام الدردشة الخاصّ باللعبة. وقد ذكرت ‏بعض هذه الصفحات مثل "‏Baddiesonl Badboy‏" ‏و"‏Ashley_handal‏"، التي تحتوي مضامين ‏جنسيّة غير مناسبة لطفلة في العاشرة من عمرها. ‏

وختمت "م.ح." حديثها مع "النهار" قائلة: " يمكن اعتبار ‏تلميذتي من الأطفال المحظوظين، إذ كان باستطاعتي تقديم ‏المشورة والمساعدة لها، ولكن ليس جميع الأطفال محظوظين، ‏فالكثير منهم يعانون من غياب الرقابة الأهلية، ومن عدم إدراك ‏الأهل مدى خطورة هذا الأمر على أطفالهم".
 

ماذا يوجد تحت القناع؟ ‏

 

وفي حالةٍ أخرى، تحدّثت إحدى الأمهات لـ"النهار" عن ‏حادثة متعلّقة بابنها ألكسندر ذي السنوات الخمس. فهي عادةً ما ‏تراقب الألعاب التي يقوم بتحميلها على الهاتف. وعند قيامها ‏بذلك لاحظت أن ألكسندر حمّل لعبة جديدة على الهاتف، ‏وكعادتها دخلت لتراقب محتوى اللعبة، فكانت الصدمة. ‏فاللعبة التي تحمل اسم "‏Baby in yellow‏" قد تبدو لعبةً ‏بريئة من الخارج، ولكنّها في الحقيقة لعبة رعب مصمّمة ‏للبالغين، حيث يُحتّم على اللاعب مجالسة طفل، وفي حال عدم ‏الرضوخ لطلباته يتحوّل الطفل إلى وحشٍ ذي ملامح "مخيفة" على ‏أقلّ تقدير.

 

"Baby in Yellow"

 

وقد تطرّقت الأم إلى معاناتها مع تبعات هذا الأمر، إذ ظلّ ‏ابنها يتخيّل الطفل الموجود في اللعبة على الدوام مع تشديده ‏على مدى خوفه من أن يواجهه في الواقع. ولا بدّ من التحذير ‏من مدى تأثير هذا الأمر على طفلٍ في الخامسة من العمر.

 

تداعيات هذه الألعاب على الأطفال وكيفية حمايتهم:

 

في هذا الإطار، شرحت ميرا مكنّا، مجازة في العلوم ‏الاجتماعية ومختصّة في مجال حماية الأطفال، في مقابلة مع ‏‏"النهار"، مدى تأثير الاعتداء الجنسيّ الذي يحصل عبر هذه ‏الألعاب على الأطفال. ‏
وبحسب مكنّا، فإنّ التطور التكنولوجيّ سهّل عملية وصول ‏مرتكبي الجرائم الجنسية إلى ضحاياهم المُحتملين. فقد يقع ‏الأطفال ضحايا إنتاج وتوزيع واستهلاك موادّ الاعتداء ‏الجنسي، أو قد يتمّ إعدادهم للاستغلال الجنسي، حيث يحاول ‏المعتدون مقابلتهم شخصياً أو حضّهم على مشاركة محتوى ‏فاضح. ‏
‏وذكرت مكنّا أن تعرّض الأطفال للاستغلال الجنسيّ قد ‏يؤدّي بهم إلى العزلة الاجتماعية، أو إلى مشكلات في إطار الصحة النفسية، ‏وصولاً إلى إيذاء النفس، وقد يُقدم بعضهم على الانتحار، بالإضافة إلى ‏زيادة احتمالية ظهور سلوكيّات مسيئة في مرحلة البلوغ. ‏
وفي أغلب الأحيان، يتجنّب الأطفال إخبار أهلهم بالإساءة التي تعرّضوا لها خوفاً من أن تؤدّي تجربتهم لوقوعهم في مشكلات، بالإضافة إلى خوفهم من تفكّك أُسَرهم وفقدانهم حبّ أهلهم. وأحد أكبر أسباب هذه المخاوف تأتي أيضاً من تهديدات المعتدين المتكرّرة.
‏وقد عرضت عدة سلوكيات قد تكون من آثار الاعتداء الجنسيّ ‏على الأطفال نذكر منها: ‏
‏-‏ مشكلات في النوم ‏
‏-‏ الاكتئاب أو الانسحاب من العلاقات مع العائلة و‏الأصدقاء ‏
‏-‏ رفض الذهاب إلى المدرسة ‏
‏-‏ عدوانية غير عادية ‏
‏-‏ الخوف والقلق الشديدين ‏
‏-‏ السلوك الانتحاري ‏

‏ وفي هذا السياق، شدّدت مكنّا على أهمّية دور الأهل في ‏محاربة هذه الظواهر. وقد أعطت بعض النصائح التي يُمكن ‏اتّباعها من قبل الأهل، إمّا لتجنّب تعرّض أطفالهم للتحرّش ‏الجنسيّ أو لمساندتهم في حال كانوا قد تعرّضوا له: ‏

وتتمثّل هذه النصائح بـ:‏
- تشجيع الأطفال على التحدّث على أيّ شيء حتى لو كان ‏الموضوع يُقلقهم، وذلك من خلال توفير مساحة آمنة لهم عبر ‏الاستماع إليهم ورفع مستوى وعيهم بموضوع التحرّش. ‏
- تشجيعهم على طلب المشورة والسعي للحصول على المساعدة ‏من قبل مختصّين عند تعرّضهم لأي شكل من أشكال الإساءة. ‏

- التأكد من مراقبة نشاط الأطفال السيبراني، واستخدام الألعاب ‏والمنصّات الملائمة لأعمارهم وفرض قيود على أجهزتهم ‏الإلكترونية بطريقة تسمح للطفل بالاستمتاع بوقته مع ضمان ‏منصّة آمنة في الوقت عينه. ‏
- الاطلاع أكثر على أعراض الإساءة من أجل اتخاذ الإجراءات ‏اللازمة. ‏
وفي المحصّلة، تقع على عاتق الأهل مسؤوليّة كبيرة في ‏الحفاظ على سلامة أطفالهم من أيّ إساءة قد يتعرّضون لها. ‏وتعتبر الرقابة في زمن التكنولوجيا هي خير وقاية. فلا يمكن ‏نكران أهمية التكنولوجيا في حياتنا اليومية ودورها الفعّال في ‏تنشئة أطفالنا، ولكن يجب تسليط الضوء على الجانب المظلم ‏من هذا التقدّم العلميّ، حيث يعمل البعض على استغلاله ‏لإشباع رغباتٍ مريضة.‏

الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium