أصبحت الشواطئ الأميركية بمثابة مختبرات تشريح موقتة للحيتان في نيويورك ونيوجيرسي، حيث يجنح عدد مقلق من الحيتان على طول الساحل الشرقي للولايات المتحدة، فيما تبحث فرقٌ من الباحثين والعلماء عن أدلّة تشير إلى أسباب وفاة تلك الكائنات.
بعد جنوح الحوت، يبدأ العلماء بفحص الجزء الخارجيّ من الجسم للتأكّد من وجود آثار أسنان حيوان بحريّ آخر، أو وجود آثار اصطدام بسفينة، إذ يمكن أن تتسبّب مراوح السفن بجروح أو كسور في العظام؛ وهو ما تؤكّده الخبيرة في علم التشريح، جوي ريدنبيرغ، التي قالت لموقع "ذا فيرج" إنّها رأت الكثير من الحيتان التي اصطدمت بسفنٍ ماخرة.
لكن المعارضين لمزارع الرياح البحرية المنتجة للطاقة يستغلّون حوادث وفاة الحيتان أو جنوحها لرفع أصواتهم بالمعارضة، على الرغم من عدم وجود أيّ دليل على أن مزارع الرياح مسؤولة عن وفاة أيّ حوت. ويرى الخبراء أن هذه المعارضة تصرف الانتباه عن المخاطر الحقيقية التي تشكّلها سفن الشحن على الحيتان التي تبحر على مقربة من شواطئ الولايات المتحدة.
في السياق، يقدّم الخبراء أدلّة على خطورة السفن العملاقة على البيئة البحرية، فيؤكّدون أن المياه جرفت أكثر من 30 حوتاً إلى الساحل الشرقي الأميركي منذ 31 كانون الأول، كان الكثير منها في نيوجيرسي ونيويورك. وقد يكون من الصعب للغاية معرفة سبب الوفاة، وهي مهمة غالباً ما يتطوع العلماء للمساعدة على حلها بشكل شخصيّ. وقد ذهبت استنتاجاتهم على الدوام إلى أن موت الحيتان كان بسبب اصطدامات بالسفن.
وذكر "ذا فيرج" أن عمليّة تشريح الحوت قد تتطلّب فريقاً مكوّناً من 12 شخصاً أو أكثر، يلزمهم 12 ساعة للقيام بكلّ هذا العمل الشاق على الشاطئ، نقلاً عن روبرت ديجيوفاني، كبير العلماء في جمعية المحيط الأطلسي للمحافظة على البيئة البحرية.
بعد ذلك كلّه، قد يكون من الصعب للغاية تحديد ما حدث للحوت، إذ تغرق معظم الحيتان في المياه عندما تموت، ثم تطفو على السطح بمجرد أن تبدأ بالتحلّل ممّا يقف حائلاً دون إنجاز تشريح دقيق.
ومع ذلك، ترسل جمعية الحفاظ على البيئة البحرية الأطلسية والمنظمات المماثلة في ولايات أخرى نتائجها إلى الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي (NOAA) التي تتعقب ما يحدث على المستوى الوطني.
معظم الذين جرفتهم المياه منذ 2016 هم من الحيتان الحدباء، فقد مات الكثير من الحيتان الحدباء لدرجة أن الإدارة الوطنية للمحيطات أعلنت عن "حدث وفيات غير عادي" على طول ساحل المحيط الأطلسي، وشهدت هذه الفترة 191 حالة جنوح للحوت الأحدب، نجا 10 منهم فقط.
وبحسب التقرير، تم فحص 91 حوتاً فقط، وظهر سبب وفاة 44 منهم على أنه "غير محدّد"، لكن التهديد الأكثر شيوعاً حتى الآن هو السفن؛ يُرجّح أن السفن قتلت 32 حوتاً جرّاء الاحتكاك بالسفن. وكان السبب التالي على القائمة هو معدّات الصيد، التي أثّرت على تسعة حيتان.
في هذا الإطار، أعلنت الإدارة الوطنية أيضاً عن حالة وفيات أخرى غير عادية منذ عام 2017 لحوت شمال الأطلسي الصائب، وهو أحد أكثر الأنواع المهددة بالانقراض من الحيتان الكبيرة في العالم. تم توثيق 36 حالة وفاة من هذه الحيتان منذ ذلك الحين.
يُعدّ هذا الأمر مثيراً للقلق نظراً لقلة عدد الحيتان التي يُعتقد أنها بقيت، إذ ترجّح الإدارة أن هنالك أقل من 350 حوتاً في البحر.
وكالحيتان الحدباء، كان السبب الرئيسي لوفاة الحيتان الصائبة هو الاحتكاك بالسفن، وهو ما يمثل 12 حالة من أصل 23 حالة تمكّن فيها التشريح من تحديد سبب الوفاة. ومن بين حالتي الوفاة الموثّقتين حتى الآن في عام 2023، كانت الأسباب هي الاحتكاك بالسفن أو وفيات الفترة المحيطة بالولادة (ممّا يعني وفاة الجنين قبل الولادة).
مخاطر توربينات الرياح على الحيتان
عندما يتعلق الأمر بالمخاطر التي تشكلها مزارع طاقة الرياح البحرية، يشير "فيرج" إلى أنه لا توجد أيّ دلائل على موت الحيتان بسببها حتى الآن. وبالرغم من ذلك، عقد المشرّعون الجمهوريون في نيوجيرسي جلسة استماع لمدة ساعتين الأسبوع الماضي للمطالبة بوقف بناء مزارع لتوليد الطاقة بسبب جنوح الحيتان.
في المقابل، يقول معارضو طاقة الرياح البحرية إن المزارع تشكّل خطراً على الحيتان بتعريضها للتشويش، بالنظر إلى أنها تستخدم تحديد الموقع بالصدى للتنقل، فيما تأتي الأصوات غير الطبيعية التي تنتجها التوربينات لتقف حائلاً أمام سيرورة النظام الطبيعي. لكن ريدنبيرغ لا تعتقد أن هذه مشكلة بالنسبة إلى الحيتان الحدباء أو الحيتان الصائبة لسبب واحد بسيط هو أن "الحيتان التي تجنح لا تعتمد على الصدى"، وتشير إلى أن هذا مثال على النظر إلى نصف الحقيقة، وتحيّز الجمهور بشكل غير عادل ضدّ قضيّة ما.