يعرب عالم النبات فرنسيسكو فاروني عن خشيته من انقراض الأنواع قبل أن تصبح معروفة نتيجة إزالة الأشجار في غابة الأمازون، ويؤكد أنّ "تدمير الطبيعة يسير أسرع من تطوّر المعرفة".
ويتولى العالم المتحدر من البيرو الذي يعمل لصالح المعهد الوطني للبحوث الخاصة بالأمازون (INPA) دراسة التنوّع الحيوي محاولاً تحديد أنواع جديدة في منطقة محمية تقع على أطراف أكبر غابة استوائية في العالم.
ويقطع فاروني بالمنجل قطعة من لحاء شجرة ضخمة ثم يقترب من جذعها ليشم رائحتها.
وتتعرض غابة الأمازون لتهديد متزايد من الزراعة غير القانونية والتنقيب عن الذهب والاتجار بالأخشاب. ولا يزال تنوعها البيولوجي الغني محاطاً بغموض كبير يحاول العلماء إزالته بكل ما في وسعهم.
ويؤكد عالم النبات أنّ ما يحصل هو بمثابة "سباق مع الزمن".
ويجري فاروني رحلته العلمية التي تولت تنظيمها منظمة "غرينبيس" إلى جانب نحو خمسة عشر عالماً في إحدى أكثر المناطق المحمية في غابة الأمازون جنوب ولاية أمازوناس الواقعة شمال البرازيل.
ويحتاج الوصول إلى هذا المكان إجراء رحلة عبر طائرة صغيرة تقلع من ماناوس، وهي أكبر مدينة في الأمازون، وتمر فوق مئات الكيلومترات من مساحات الغابة متجهةً صوب مانيكوري.
اما المسافة المتبقية من الرحلة، فتُجتاز عبر قارب ذي محرّك ينبغي أن يسير لخمس ساعات في المياه المظلمة لنهر مانيكوري.
وتهدف مهمة فرانسيسكو فاروناي وزملائه إلى إجراء عملية جرد للحيوانات والنباتات الموجودة في المكان ثم تصنيف الموقع كمنطقة للتنمية المستدامة (RDS)، وهو نوع من المحميات الطبيعية تلقى حماية السلطات.
وعلى مدى أسابيع عدة، تولى علماء نبات وعلماء أحياء متخصصون في الثدييات والطيور والزواحف والأسماك والبرمائيات استكشاف الغابة لأخذ عينات من النباتات أو تثبيت كاميرات وتركيب أجهزة تنصّت بهدف دراسة سلوك الحيوانات.
ومن المفارقة أنّ إحدى صفحات جريدة استخدمها عالم النبات للضغط على زهرة تظهر مقالاً بعنوان "قطع الأشجار يزداد في الأمازون" مرفقاً بصور لشاحنات محملة بجذوع أشجار ضخمة.
ويقول ألبيرتو فيسينتيني، وهو باحث في المعهد الوطني للبحوث الخاصة بالأمازون، إنّ "معظم أنواع النباتات في الأمازون لا تنمو إلا في مناطق معيّنة. ولا نعرف سوى 60% فقط من أنواع الأشجار، إذاً عندما تُقطع الأشجار من أي منطقة في الغابة يتم القضاء على جزء من التنوع البيولوجي ما يمنع من اكتشاف أنواع جديدة إلى الأبد".
وتشير دراسة أجراها تجمّع "ماب بايوماس" إلى أنّ غابة الأمازون أزيل منها 74 مليون هكتار من الغطاء النباتي الأساسي بين سنتي 1985 و2020، وهو ما يعادل مساحة تشيلي.
وزادت عملية إزالة الأشجار من الغابة في ظل حكومة الرئيس اليميني المتطرف جاير بولسونارو الذي يتهمه المدافعون عن البيئة بتشجيع إفلات عمال مناجم الذهب وتجار الأخشاب من العقاب وتخفيض الميزانية الخاصة بالهيئات المسؤولة عن معاقبتهم.
ومنذ وصول بولسونارو إلى سدة الرئاسة في كانون الثاني 2019، زاد قطع الأشجار السنوي بنسبة 75% في المتوسط مقارنةً بالعقد الفائت.
ويشدد ألبيرتو فيسينتيني على أننا "نعيش في مرحلة من الظلامية وإنكار العلم، على غرار ما شهدنا خلال جائحة كوفيد-19"، مشيراً إلى "أنّ الميزانية الخاصة بالأعمال البحثية خُفّضت" كذلك.
وتشهد الأموال العامة المخصصة للبحوث انخفاضاً منذ عشر سنوات. وتشير الأكاديمية البرازيلية للعلوم والجمعية البرازيلية لتطوّر العلوم إلى أنّ هذا الاقتطاع من الميزانية قد يصل إلى 3 مليارات ريال برازيلي (نحو 542,18 مليون دولار) هذه السنة.
وبعد ساعة من الإبحار في نهر مانيكوري، يدخل الزورق في منطقة تمثل مجرى مائي صغير يمر وسط غطاء نباتي فيما ينعكس ظل أوراق الأشجار فوق المياه النقية.
ويلقي ثلاثة علماء أحياء متخصصون في الأسماك كانوا على متن الزورق شباكاً في المياه بهدف معرفة ما إذا كانت الأنواع في المجرى هي نفسها الموجودة في النهر الرئيسي.
وتشير لوسيا راب بي- دانيال، الحائزة دكتوراه في علم البيئة وعلم الأحياء التطوري إلى "وجود مناطق لم يزرها أحد سابقاً"، مضيفةً "لن نستطيع إن لم نملك الوسائل اللازمة لإجراء بحوث من الحصول على المعلومات الضرورية لشرح أسباب أهمية الحفاظ على هذه الأماكن".
وتتابع "ينبغي جعل وتيرة البحث أسرع للتوصل إلى نتائج قبل أن يسيطر التدمير على الغابة، لكن بدل اتخاذ هذه الخطوة نتراجع خطوات إلى الوراء".