شهدت السنوات الماضية تطورًا ملحوظًا في تقنية البلوكتشاين التي باتت تستخدم في العديد من المجالات، من بينها التمويل والبيانات والخدمات اللوجستية والأمن، ويبدو أنّ الوقت حان لتعزيز استخدام هذه التكنولوجيا في المستندات الرسمية الخاصّة بالمواطنين، إذ أعلنت كوريا الجنوبية مؤخّرًا أنّها في صدد منح مواطنيها بطاقات هوية رقميّة مدعومة بتقنية البلوكتشاين.
وبحسب تقرير لـ"بلومبيرغ"، تخطّط كوريا الجنوبية لتقديم هوية رقميّة مؤمّنة بواسطة "بلوكتشاين" للمواطنين باستخدام الهواتف الذكية، حيث تعدّ بطاقات الهوية الرقمية المزروعة بالهواتف الذكية من بين أحدث التقنيات الناشئة الداعمة للاقتصاد الرقميّ الذي توسع مع عمل المزيد من الأشخاص من المنزل، وإجراء مدفوعات غير نقدية واستكشاف عالم "الميتافيرس".
ما هي البلوكتشاين؟
البلوكتشاين هي قاعدة بيانات مشتركة بين شبكة من أجهزة الكمبيوتر، تقوم بتخزين المعلومات إلكترونيًا بتنسيق رقمي، وهي تلعب دورًا أساسيًا في عدة مجالات منها أنظمة العملات المشفرة، مثل "بيتكوين"، حيث تستخدم للحفاظ على سجل آمن ولامركزي للمعاملات.
تجمع البلوكتشاين المعلومات معًا في مجموعات، تُعرف باسم الكتل (بلوك)، تحتوي على مجموعات من المعلومات. تتمتع الكتل بقدرات تخزين معينة، وعند تمتلئ، يتم إغلاقها وربطها بالكتلة المملوءة مسبقًا، مما يشكل سلسلة من البيانات تُعرف باسم "سلسلة الكتل" أي (بلوكتشاين).
ما حسنات استخدام هذه التكنولوجيا في بطاقات الهوية؟
تساهم بطاقة الهوية الرقمية بتبسيط عمليات التحقّق من الهوية على الويب، مما يلغي الحاجة إلى تصوير الشهادات والمستندات أو تسجيل الدخول عبر رموز المصادقة، وبدلاً من ذلك، فإنّ الأنشطة مثل التقدّم للحصول على الخدمات الحكومية أو تحويل الأموال أو حتّى الإدلاء بصوت تصبح أسهل بكثير وتتمّ بكبسة زرّ ليس إلّا.
ويرى مؤيدو التحوّل الى بطاقات الهوية الرقمية أنّ لهذا التحول مزايا عدّة تشمل: تسهيل الخدمات الطبية عبر الإنترنت دون زيارة الأطباء شخصيًا، الدخول إلى غرف الفنادق بمجرد مسح الهواتف الذكية عبر الأكشاك، منع تزوير وسرقة الهوية، اعتماد العقود عن بعد دون الحاجة إلى التوقيع عليها، وغيرها من المهام اليومية التي ستتمّ بسلاسة أكبر.
كيف تساهم بتحسين الاقتصاد؟
تختلف فوائد بطاقات الهوية الرقمية باختلاف مستويات نضج الاقتصاد، ويقول الخبير الاقتصادي في معهد سياسات العلوم والتكنولوجيا الكوري هوانج سيوجون: "يمكن أن تحقّق بطاقات الهوية الرقمية فوائد اقتصادية ضخمة في مجالات التمويل والرعاية الصحية والضرائب والنقل وغيرها من المجالات، وقد تنتشر بسرعة بين السكان الكوريين، ولكن يجب أن يكون هناك المزيد من عمليات تقييم المخاطر من الناحية التكنولوجية للتأكّد من أنّ الخطر لا يفوق الفوائد".
وبدوره، يرى البنك الدوليّ أنّ استخدام بطاقات الهوية الرقمية هذه قد "تغيّر قواعد اللعبة" فيما ترى شركة ماكنزي للاستشارات المالية أنّها قادرة على زيادة الناتج المحلي الإجمالي لدولة ما بنسبة تصل إلى 13 في المئة وخفض تكاليف الأعمال بتريليونات الدولارات.
ما هي العوائق التي قد تواجه الهوية الرقميّة؟
على الرغم من فوائدها الكثيرة على مستوى سلاسة إتمام المهام عبر الإنترنت وأثرها الإيجابيّ على الاقتصاد، هناك عدّة عوائق قد تواجه هذا التحوّل أبرزها غياب المعرفة في صفوف المواطنين، إضافة إلى غياب التشريعات المنظمة لهذا التحوّل.
ما هي أفق نجاح التجربة في كوريا؟
تعوّل كوريا بشكل أساسيّ في تجربتها هذه على رأسمالها البشري، إذ وبحسب مركز أبحاث "بورتولانز" – واشنطن، يحتلّ الكوريون المرتبة الأولى في العالم عندما يتعلّق الأمر بالحماس والقدرة على تطبيق التكنولوجيا في الحياة اليومية والشركات والحكومة.
ويعتمد الكوريون حاليًّا على بطاقات تسجيل المقيمين، على غرار بطاقة الضمان الاجتماعي الأميركية - لتعريف أنفسهم، وبموجب الاقتراح سيقوم التطبيق بتضمين هذه المعلومات الشخصية في الأجهزة المحمولة.
وستطلق كوريا الهويات الرقميّة في عام 2024 وتسعى إلى ضمان تبنّيها من قبل 45 مليون مواطن في غضون عامين، ولن يكون لدى الحكومة إمكانية الوصول إلى المعلومات المخزّنة على الهواتف الفردية، بما في ذلك تفاصيل هوياتهم الرقمية، وكيفية وأماكن استخدامها، لأنّ النظام سيعتمد كليًّا على الهوية اللامركزية، وهي شريحة متقدّمة من تكنولوجيا بلوكتشاين، فهل تنجح رهانات كوريا الجنوبية على هذه التكنولوجيا؟