أصبح هدف حصر احترار المناخ بـ1,5 درجة مئوية الذي أكد خبراء الأمم المتحدة مجدداً أهميته خلال اجتماع أمس الإثنين في سويسرا، مرجعاً للمفاوضين الدوليين والحكومات والشركات، بعدما بدا عند طرحه قبل 15 عاماً مجرد فكرة مجنونة وعديمة الجدوى.
ثم دافع عنه عدد قليل من الدول الجزرية التي كانت قلقة من ارتفاع مستوى سطح البحر الذي يهدد وجودها. لكن هذه العتبة بدت غير واقعية بالنسبة إلى معظم العلماء فيما فضّل معظمهم عتبة درجتين مئويتين.
وقد حذّر خبراء الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ في تقريرهم الجديد الذي نُشر أمس الإثنين، من أن السنوات الأكثر حراً التي شهدها العالم أخيرا ستكون من أبرد الأعوام خلال جيل، بغض النظر عن مستويات انبعاثات غازات الدفيئة الناجمة عن النشاط البشري.
وقال العالم في خدمة الأحوال الجوية البريطانية وأحد المؤلفين الرئيسيين للتقرير كريس جونز إن "العالم اليوم أكثر برودة من عالم الغد، على الأقل لعقود مقبلة".
وأفاد التقرير أن تأثيرات مناخية قصوى تحدث بسرعة أكبر مما كان متوقعاً. وسيصل الاحترار العالمي الناجم عن النشاط البشري إلى 1,5 درجة مئوية مقارنة بعصر ما قبل الثورة الصناعية اعتبارا من السنوات 2030-2035، وفق ما حذر الخبراء في تقريرهم الجديد.
وهذا التوقع صالح في كل السيناريوهات تقريبا لانبعاثات غازات الدفيئة الناجمة عن النشاط البشري على المدى القصير، مع اعتبار تراكمها خلال القرن ونصف القرن الماضي. لكنّ "تخفيضات عميقة وسريعة للانبعاثات ... من شأنها أن تؤدي إلى تباطؤ واضح في ظاهرة احترار المناخ في حوالى عقدين"، وفق ما جاء في التقرير.
وكان بدأ خبراء من مجموعة عمل تابعة للأمم المتحدة التحذير قبل مؤتمر الأطراف للمناخ (كوب21) في باريس عام 2015، مؤكدين الآثار الكارثية لهذا الاحترار على الكوكب والحاجة إلى هدف أكثر طموحاً.
وقالوا وقتها "حتى لو كان العلم أقل صلابة في ما يتعلق بعتبة 1,5 درجة مئوية، يجب بذل جهود لخفض الخط الدفاعي إلى أدنى مستوى ممكن".
وهي فكرة شقت طريقها في نهاية المطاف بدعم من الدول النامية وانضم إليها الاتحاد الأوروبي ثم الولايات المتحدة. لكن الدول الناشئة الأخرى والدول المصدّرة للنفط عارضت هذا الهدف الجديد، خوفاً من تقييد اقتصاداتها.
وقال مدير المركز الدولي لتغير المناخ والتنمية في دكا سليم الحق، والمدافع عن الدول الأكثر عرضة للخطر إن "الصين والهند كانتا معارضتين، والسعودية حاربتنا حتى النهاية".
لكن في نهاية العام 2015، اعتمدت حوالى 200 دولة اتفاق باريس الذي تمثّل هدفه في الحفاظ على "ارتفاع متوسط درجة الحرارة العالمية بأقل من درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية" ومتابعة الجهود "للحد من زيادة درجة الحرارة إلى 1,5 درجة مئوية".
ومنذ ذلك الحين، أصبح هذا الرقم مرجعا مطلقاً، سواء في مفاوضات المناخ أو حتى في الوعود المثبتة إلى حد ما للشركات المتعددة الجنسيات.
وهذا نجاح غير محتمل ما زال يثير تساؤلات. وقالت عالمة الاجتماع في المركز الفرنسي الوطني للبحث العلمي بياتريس كوانت، "كيف انتهى بالهدف الشبه المستحيل معياراً للعمل المناخي؟".
فهذا الأمر هو إحدى مفارقات هذه القصة: في حين أن درجة حرارة العالم ارتفعت بحوالى 1,2 درجة مئوية مع تداعيات وخيمة، يبدو أن الحد الأقصى البالغ 1,5 درجة مئوية على وشك أن يتم بلوغه.
وقالت كوانت في مقال نشرته "وايرز كلايمت تشاينج" بالتعاون مع مؤرخة العلوم هيلين غيّومو "يبدو أن هذا الهدف يصبح بعيد المنال في شكل متزايد".
وكتبت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ التي نشرت أحدث تقرير لها أمس الاثنين، أن العالم يخاطر بتجربة عامه الأول مع احترار يبلغ 1,5 درجة مئوية أو أكثر في غضون 10 سنوات، حتى في سيناريو الانخفاض المستمر في انبعاثات غازات الدفيئة.
لكن من الضروري احترام هذا الحد الأقصى رغم صعوبة ذلك. ففي تقرير يعود إلى العام 2018، أظهر خبراء الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ كيف يمكن لنصف درجة أن تحدث فرقاً كبيراً. وجاء في التقرير أن عالماً مع احترار يبلغ 1,5 درجة مئوية سيتحّول لكن سيبقى صالحا للعيش، في حين أن احترار الكوكب بدرجتين مئويتين سيترك هامشاً ضيقا للبشرية للتكيف.
ووصف بيرس فورستر، المؤلف المشارك لتقارير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ والباحث في جامعة ليدز، حد 1,5 درجة مئوية بأنه "مهمة هائلة لكنها ليست مستحيلة".