في ظل الظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة التي يعيشها السوريون بسبب الحرب الحاصلة، يلجأ عدد من هؤلاء إلى "التسوّل أونلاين" على مواقع التواصل الاجتماعي، وخصوصاً عبر منصّة "تيك توك"، إلّا أن تحقيقاً صحافياً بيّن حصول منصّة التواصل المذكورة 69 في المئة من التبرعات المقدمة إلى مئات الأسر المشردة التي تعيش في المخيمات السورية.
التسوّل الإلكتروني عبر "تيك توك"
ووفق تحقيق أجرته شبكة "بي بي سي" البريطانية، تظهر منى علي الكريم وبناتها الست يومياً في بث مباشر على "تيك توك"، يتسولن المشاهدين لمنحهن هدايا افتراضية. وتجلس الأسرة على أرض خيمتها لساعات، تكرّر العبارات الإنكليزية القليلة التي تعرفها: "إعجاب رجاءً، مشاركة رجاءً، هدية رجاءً".
ولجأت منى إلى بث "تيك توك" المباشر للحصول على مال لإجراء عملية جراحية لشريفة، ابنتها الضريرة.
ويُذكر أن الهدايا التي يطلبونها افتراضية، ولكنها تكلف أموالاً حقيقية ويمكن سحبها نقداً من التطبيق.
ويمكن لمستخدمي البث المباشر إرسال هدايا يُرمز إليها برسوم، كمكافأة أو "بقشيش" لصانعي المحتوى. وتتنوع هذه الهدايا بين ورود رقمية بقيمة بضع سنتات، وأسود وأكوان افتراضية تصل قيمتها إلى 500 دولار.
وكلما ظهرت هدايا على الشاشة، تقفز بنات منى، وتصيح هي: "شكراً، أحبك"!
أسرة منى هي واحدة من مئات تتسول على هذه المنصة. وفي وقت سابق من هذا العام، بدأت أشرطة فيديو مشابهة تظهر لمستخدمي "تيك توك" حول العالم. وبينما يعتبرها البعض احتيالاً، فقد دعمها البعض الآخر.
تبرع كيث ميسون، وهو لاعب رغبي محترف سابق ومؤثر على "تيك توك"، بهدايا قيمتها 300 جنيه إسترليني إلى إحدى الأسر. كما شجع متابعيه، الذين يقرب عددهم من المليون، على أن يحذو حذوه.
يقول كيث: "هؤلاء الأطفال يبدون سعداء للغاية. ورغم أن الرجل فقد ساقيه وذراعه في انفجار، فإنه أكثر شخص إيجابي يمكن أن تلتقي به أو تتحدث معه".
خلف الكاميرا... كيف يؤمّن السوريون الهواتف والإنترنت؟
ثمّة سؤال حول كيفية من فقدوا بيوتهم في الحرب الأهلية السورية أن يمتكلوا فجأة هواتف خلوية وإنترنت وحسابات "تيك توك" لإجراء بث مباشر كل يوم، وفق تحقيق "بي بي سي".
وفق الصحافي السوري محمد عبدالله، فإن حميد الذي يُعرف في المخيمات بأنه "وسيط تيك توك"، قال إنه باع غنمه، وهو كل ما يملك، لدفع ثمن هاتف نقال وشريحة واتصال عبر الـ"واي فاي"، وبدأ يعمل مع الأسر على "تيك توك".
ويشرح حميد، وهو وسيط، تفاصيل عمله ويقول: "نقوم ببث مباشر على "تيك توك" ونتلقى هدايا. كل 100 وردة تعود علي بدولار".
تابع فريق "بي بي سي" أكثر من 300 حساب يقوم ببث مباشر من المخيمات السورية، ووجد أن الكثير منها حقق أكثر من ألف دولار في الساعة كجوائز، لكن الأسر التي تقيم في المخيمات تقول إنها لا تحصل سوى على جزء يسير جداً من أموال المتبرعين إليها، في ظل وجود وسطاء.
إلى أين تذهب هذه الأموال؟
في سياق التحقيق، تم تنظيم بثٍ مباشر من حساب تم فتحه على "تيك توك" في سوريا، وإرسال ما قيمته 106 دولارات من الهدايا من حساب آخر في لندن.
بعد انتهاء البث المباشر، كان رصيد الحسب السوري الاختباري 33 دولاراً. لقد خصمت "تيك توك" 69 في المئة من قيمة الهدايا.
وبعد تلك التجربة، وأثناء محاولة سحب الـ33 دولاراً من مكتب محلي للتحويلات المالية، تم خصم 10 في المئة أخرى لقاء خدماته. بعدها، يتقاضى وسطاء "تيك توك"، مثل حميد، 35 في المئة مما تبقى من المال.
وهذا يعني أن المبلغ النهائي كان 19 دولاراً فقط من الـ106 دولارات التي تم التبرع بها. وقد أبلغت العديد من الأسر أنها حصلت على أقل من هذا بكثير.