النهار

الميتافيرس ومستقبل العمل
ميتافيرس "النهار" / ديما قصاص
A+   A-

أنيس حجّار

 

يرتبط الميتافيرس بمفهوم الواقع الافتراضي المتكامل، حيث يمكن للمستخدمين الدخول إلى عوالم افتراضية تتصل بالإنترنت والتفاعل مع بيئات افتراضية ثلاثية الأبعاد، حيث يمكن استخدام هذه التقنية في العديد من المجالات، بما في ذلك العمل، التجارة الإلكترونية، والتفاعل الاجتماعي. 

يشهد الميتافيرس توسعاً كبيراً من ناحية الاستثمارات حيث تجاوزت قيمة الاستثمارات في هذا المجال اليوم ثلاثة أضعاف قيمة استثمارات الذكاء الاصطناعي عندما كان في المرحلة نفسها من مسار نموّه وتطويره في العام 2016، حين بلغ حجم الاستثمار في الذكاء الاصطناعي آنذاك ما يقارب الـ 39 مليار دولار.

 

بشكل تفصيلي يمكن تحديد ثلاثة استخدامات رئيسية للميتافيرس التي يتمّ العمل عليها في الوقت الحالي، وهي الميتافيرس للألعاب، الميتافيرس ومستقبل العمل، والميتافيرس لتجربة العلامات التجارية. ويتميّز كلّ نوع بخصائصه واستخداماته المختلفة.

 

أمّا في ما يخصّ الميتافيرس ومستقبل العمل، من الضروريّ التركيز على تطبيقاته العملية في بيئة العمل والاقتصاد الرقميّ.

 

التطبيقات العملية للميتافيرس في بيئة العمل: 

بدأ الميتافيرس يلعب دوراً رئيسيّاً في مجالات عدّة مرتبطة ببيئة العمل، حيث من الممكن تقسيم هذه التطبيقات إلى ثلاثة أقسام رئيسية:

 

-القسم الاول: الميتافيرس والتدريب:

 

يعتبر هذا الجزء من التطبيقات واحداً من أهمّ استخدامات الميتافيرس في بيئة العمل. حيث يمكن للشركات والمؤسسات تدريب موظّفيها على مختلف المهارات وبالأخصّ المهارات الفنية من خلال محاكاة أجواء العمل الحقيقية في بيئة افتراضية. يساعد استخدام الميتافيرس في هذا النوع من التدريبات في توصيل الفكرة وتمكينها لدى المتلقّي. أيضاً يساهم في الحدّ من مخاطر التدريب البشريّ المباشر في مجالات الصناعة وغيرها. على سبيل المثال، يمكن لشركات صناعة السيارات استخدام الميتافيرس لتدريب الموظفين على كيفية تجميع وإصلاح المركبة بدقّة وفعالية، وبدأت بذلك على سبيل المثال شركة "دايملر" للشاحنات في أميركا الشمالية. 

  

 

  

القسم الثاني: استخدام الميتافيرس في الفعاليات التوظيفية وتعزيز عملية اندماج الموظفين

 

باشرت عدد من الشركات في استخدام الميتافيرس في تنظيم فعاليات توظيفية افتراضية، حيث يمكن للمرشّحين التفاعل مع ممثلي الشركة، وطرح الأسئلة والاستفسارات حول الوظائف المتاحة، وحتى إجراء مقابلات عمل في بيئة افتراضية. على سبيل المثال، قامت شركة "Carrefour"  بتنظيم مؤتمر توظيفي لها في الميتافيرس كما سنرى في الصورة أدناه.  

  

 

  

أيضاً قامت بعض الشركات باللجوء الى الميتافيرس لتسهيل عملية اندماج الموظفين الجدد، وتدريبهم على القواعد والمتطلبات والأساليب الداخلية للشركة. على سبيل المثال، قامت شركة “Accenture” بخلق تجربة لها في الميتافيرس وسمّتها الطابق نون، للمساهمة في تسهيل اندماج الموظفين كما سنرى في الصورة أدناه.

 

 

-القسم الثالث: استخدام الميتافيرس في العمل الدقيق:

 

يمكن استخدام الميتافيرس في بيئة العمل الدقيق، بما يشمل الأعمال التي تتطلب تركيزاً مستمراً وعالياً، لفترات طويلة من الوقت والأعمال التي تتطلب معالجة معلومات معقّدة وتفاعل مع أدوات وبرامج متعدّدة. ويمكن للميتافيرس أن يوفّر بيئة مثالية لهذا النوع من الأعمال، من خلال توفير مساحة افتراضية للمستخدم يمكنه الدخول إليها والتفاعل مع المحتوى الموجود بها بطريقة مريحة وسهلة.

 

من الأمثلة على استخدام الميتافيرس في العمل الدقيق، يمكن الإشارة إلى استعمالاته المختلفة في المهام الإدارية المعقدة، حيث يمكن للموظفين تنظيم مهامهم وإدارة المشاريع بطريقة أكثر فعالية وتفاعلية. يمكن كذلك استخدام الميتافيرس في مجالات الأبحاث والتطوير والتصميم، حيث يمكن للمستخدمين العمل في بيئة افتراضية تتيح لهم التفاعل مع النماذج الثلاثية الأبعاد وتحريكها وتعديلها بطريقة مريحة ومرنة.

 

الميتافيرس والاقتصاد الرقميّ:

 

تظهر أهمية الميتافيرس وتأثيره على الاقتصاد الرقمي جلياً، بالنظر إلى بعض المؤشّرات:

 

- حجم تدفّق أموال الاستثمارات الى الميتافيّرس في سنة 2022 تخطى الـ 120 مليار دولار. 

- 79 في المئة من المستخدمين الفعليين للميتافيرس قاموا بعملية شراء.   

- توقّع 25 في المئة من المسؤولين في الشركات أنّ 15 في المئة من عائدات الشركات ستكون حصيلة الميتايفرس في السنوات الخمس القادمة، بحسب تقرير لشركة ماكينزي للاستشارات.

 

لا يقتصر دور الميتافيرس على كونه تقنية وأداة لتسهيل العمل فحسب، ولكن يتخطى ذلك ليصبح تكنولوجيا صانعة لفرص وأدوار جديدة مساهمة في نموّ الاقتصاد الرقميّ. يمكن تقسيم هذه الفرص والأدوار الجديدة على فرعين رئيسيّين:

 

-الفرع الأوّل: استحداث أدوار جديدة داخل الشركات الكبيرة: 

لا يخفى على أحد أنّ الميتافيرس أصبح نقطة أساسية على أجندة المدراء التنفيذيين. في هذا السياق، استحدثت شركة "L’Oréal" في هيكلها التنظيمي دوراً جديداً، وهو الرئيس التنفيذي للميتافيرس، وتحدّثت عن ذلك مسؤولة العلاقات الإنسانية في الشركة إيزابيل ميناسي في لقاء بعنوان "الميتافيرس ومستقبل العمل"، ينظّمه خريجو جامعة HEC في باريس. فقد أكّدت بأنهم استحدثوا هذا الدور الجديد في الشركة لأهمية هذه التقنية الجديدة في مختلف المجالات، وكان من السهل على المدير التنفيذيّ للميتافيرس تكوين فريقه من داخل الشركة، لكون غالبية الموظفين مهتمّين بهذه التقنية، وبالاخصّ محبّو ألعاب الفيديو.

 

-الفرع الثاني: ظهور شركات جديدة لبناء الميتافيرس نفسه: 

مع ظهور الميتافيرس، ظهر نوع جديد من الشركات التي تهتمّ ببناء أجزاء مختلفة منه. على سبيل المثال، ظهرت الشركات المختصّة بالفنّ، التي تهتمّ بصناعة صورة مماثلة للأمكنة التراثية في الميتافيرس كتجربة كاتدرائية "نوتردام" في باريس.

 

أيضا"، ظهرت الشركات التي تلعب دور الوسيط بين الميتافيرس والزبائن المهتمّين بحجز وانشاء مكان لهم في هذا العالم. فعلى سبيل المثال، تقوم شركة "SPACEEZ"  بمواكبة الزبائن من الخطوة الأولى من هذه التجربة، للوصول الى عالم اقتراضيّ جاهز، للعمل به باستقلالية تامّة.  

 

في الختام، لا بدّ من القول أنّ الميتافيرس وُجد ليبقى، وسيكون له دور أساسيّ في النمو الاقتصاديّ في المستقبل. بينما يبقى السؤال إن كان في إمكان الميتافيرس تلبية رغبات المستثمرين وإعطاؤهم العائدات المرادة. أيضاً يجب الانتظار لمعرفة هل الميتافيرس سيلعب دور الدافع لظهور تقنيات جديدة تساهم في تعزيز تجربة العالم الاقتراضيّ؟

 

لننتظر ونرى. 

 

الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium