تحاول مهمة "دارت" التابعة لوكالة وكالة الفضاء الأميركية "ناسا" ليل اليوم الاثنين، الإثنين القيام بإنجاز لم تشهد البشرية مثيلاً له من قبل، وهو صدم مركبة فضائية عمداً بكويكب لتحويل مساره، في اختبار رئيسي لقدرة البشرية على منع الأجسام الكونية من تدمير الحياة على الأرض.
وأطلقت المركبة الفضائية "دابل أسترويد ريدايركشن تست" (دارت) من كاليفورنيا في تشرين الثاني الماضي وهي تقترب بسرعة من هدفها الذي ستضربه بسرعة 23 ألف كيلومتر. أما حجمها فأصغر من حجم سيارة فيما يبلغ قطرها نحو 160 متراً.
المهمة تقضي بتحويل مسار كويكب من خلال الاصطدام عمداً بديمورفوس، وهو قمر صغير يدور حول كويكب ديديموس الأكبر حجماً والذي يبعد 11 مليون كيلومتر عن الأرض.
وتشكل الكويكبات عوالم جيولوجية صغيرة ومتنوعة تروي الكثير عن طريقة تشكّل المجموعة الشمسية، إلا أن المعلومات عنها لا تزال حتى اليوم محدودة... وسيُطلَق مسبار "هيرا" لاكتشاف هذه "العوالم المجهولة" بعد مهمة مركبة "دارت" الفضائية اليوم.
وقال المسؤول عن مهمة "هيرا" في وكالة الفضاء الأوروبية إيان كارنيلي إنّ "نظاماً مماثلاً من كويكبين يمثل اختباراً مثالياً لتجربةٍ تهدف إلى الدفاع عن الحياة على الأرض، ويشكل كذلك بيئة جديدة كلياً".
ومن المقرر إطلاق مسبار "هيرا" الأوروبي الذي حصل على هذه التسمية تيمناً بإلهة الزواج اليونانية هيرا، في تشرين الأول 2024 ليصل إلى ديمورفوس سنة 2026. ويهدف عمل هذا المسبار إلى معاينة النتائج التي ستخلّفها مهمة "دارت".
وسيُوَثّق اختبار تحويل مسار الكويكب بشكل كامل بفضل المعلومات التي ستجمعها أدوات "هيرا" (كاميرات، ليزر، أجهزة تصوير عالية الدقة، رادار...). ومن شأن هذه المعطيات أن تتيح لخبراء الدفاع عن الأرض تعزيز نماذج استقراء سيناريوهات الارتطام بصورة موثوقة.
وقالت المديرة المعاونة لدى "ناسا" بافيا لال خلال المؤتمر الدولي للملاحة الفضائية في باريس "نحتاج إلى معرفة طبيعة الكويكبات ومكوّناتها لأن درجة الخطورة تختلف لدى كلّ منها باختلاف أنواع الصخور فيها".
ويتوقّع العلماء أن يتفاجأوا بنتائج الاختبار. ويُرجع الباحث الرئيس في مهمة "هيرا" باتريك ميشال سبب ذلك إلى "الجهل المحيط بكل ما يتعلق" بهذه الأجرام السماوية. ويقول "إنه عالم جديد سنكتشفه".
ويعتبر عالم الفيزياء الفلكية أنّ الكويكبات "ليست مجرد صخور لا فائدة منها في الفضاء، بل هي عوالم جيولوجية صغيرة مذهلة ومعقدة، تحوي فوهات وحقول صخرية وقذائف من الجسيمات".
إلا أن المجتمع العلمي يجد صعوبة في فهم هذه الأماكن لأن الجاذبية على سطحها ضعيفة جداً مقارنة بجاذبية الأرض، وبذلك يكون تفاعل المادة فيها "غير بديهي أبداً، ولا يمكننا الاستناد على الصور لمعرفة كيف تتفاعل الكويكبات، فينبغي الوصول إليها أيضاً"، على ما يشرح باتريك ميشال.
وعلى سبيل المثال، تسبب انفجار صغير قرب سطح كويكب ريوغو (اكتُشف عام 1999) في تكوين فوهة عمقها 15 متراً، وهي أكبر بكثير مما سبق أن توقعته عمليات محاكاة. وبينما كان يُتوقّع أن تكون الصخور صلبة "تفاعل السطح كسائل عند الانفجار، أليس هذا مفاجئاً؟"، بحسب ميشال.
وتمثّل الأنظمة الثنائية على غرار "ديديموس" وقمره "ديمورفوس" نحو 15% من الكويكبات المعروفة التي لم تُكتشف حتى اليوم بعد.
وسيكون ديمورفوس الذي يبلغ قطره 160 متراً (حجم أكبر هرم بين أهرامات الجيزة)، أصغر كويكب يخضغ لدراسة على الإطلاق.
ويُفترض أن تكشف أدوات مسبار "هيرا" عن الأسرار المحيطة بديمورفوس بدءاً من شكله وحجمه وتركيبه الكيميائي وصولاً إلى بنيته الداخلية ودرجة مقاومته الصدمات وشكل الفوهة التي ستحدثها مركبة "دارت" الفضائية. وفي نهاية المهمة، سيهبط قمر اصطناعي صغير على سطحه لرصد كيفية عودته إلى حالته الطبيعية.