في تطوّر بيئي "يُسجَّل للمرة الأولى في فرنسا"، اختارت ست سلاحف بحرية من نوع "كاريتا كاريتا" المحمية، الشواطئ الفرنسية لتكوين أعشاشها، ما قد يتسبب بزيادة في وضع البيض بسبب ارتفاع درجة حرارة مياه البحر الأبيض المتوسط.
وفي حديث إلى وكالة فرانس برس، تقول سيلين فيرلا من مركز دراسة السلاحف في البحر الأبيض المتوسط وحمايتها إننا "نطرح على أنفسنا عدداً كبيراً من الأسئلة".
ويعود آخر رصد لسلحفاة على الشاطئ إلى نهاية الأسبوع الفائت، إذ اكتُشف وجود سلحفاة من نوع "كاريتا كاريتا" على شاطئ فريجو الذي أتت إليه لتضع بيضها. وبسرعة كبيرة، توجّه متخصصون من المكتب الفرنسي للتنوع البيولوجي والشبكة الفرنسية للسلاحف في البحر الأبيض المتوسط إلى المكان لتوفير حماية للعش.
وقبل أيام قليلة، لاحظ أحد المشاة في ليدو دو تو في سيت (إيرو) آثار مرور سلحفاة، على قول فيرلا التي زارت المنطقة وأكدت وجود بيض لهذا النوع المهدد بالانقراض.
وركّبت حواجز حمائية، فيما أصدرت البلدية قراراً بحظر الدخول إلى المنطقة المحيطة خلال فترة الحضانة التي تستمر 55 يوماً في المتوسط وتنتهي إذا سارت الأمور بصورة جيدة ونجح صغار السلحفاة في الوصول إلى مياه البحر.
وقالت سلطات إيرو "ستوضع أدوات لمراقبة درجة الحرارة بهدف جمع البيانات العلمية اللازمة لفهم هذه الظاهرة بصورة أفضل".
وفي منطقة البحر الأبيض المتوسط تُعدّ اليونان وتركيا وليبيا وقبرص مناطق التكاثر التقليدية لسلاحف "كاريتا كاريتا" البحرية، وهي حيوانات مهاجرة يبلغ طولها 90 سنتيمتراً ووزنها 150 كيلوغراماً في مرحلة البلوغ، ولا تخرج من المياه سوى لتضع بيضها على أحد الشواطئ الرملية داخل حفرة تحفرها وتغطيها بزعانفها.
وتقول فيرلا، "نلاحظ منذ 10 سنوات زيادة في وضع بيض هذه السلاحف في إيطاليا وإسبانيا. وفي فرنسا حيث كنا نشهد عملية وضع بيض واحدة كل عام أو عامين، أتت الزيادة ملحوظة هذه السنة".
وتضيف "إنه أمر مشجع لناحية رفع أعداد هذه السلاحف، لكن يبقى أن نرى كيف ستنمو صغارها وتتطوّر".
وتقول سلطات إيرو إنّ "هذا الاتجاه يثير تساؤلات كثيرة لدى العلماء: هل الأعشاش التي تضعها السلاحف في غرب البحر الأبيض المتوسط قابلة للحياة؟ هل درجة حرارة الرمال مناسبة؟ هل بعض السلاحف البحرية تعتمد موائل جديدة لوضع البيض؟".
وترى سيدوني كاتّو، وهي منسقة في المكتب الفرنسي للتنوع البيولوجي والشبكة الفرنسية للسلاحف في البحر الأبيض المتوسط ومديرة مشروع "السلاحف البحرية" لدى جمعية "مارينلاند"، أنّ ثمة "فرضيتين" تفسران الوجود المتزايد للسلاحف على الشواطئ، الأولى هي "الاحترار المناخي الذي يتسبب بارتفاع درجة حرارة مياه سطح البحار وبالتالي تغيرات في التيارات المائية"، والثانية هي "التطور الطبيعي لمواقع وضع البيض مع اختفاء بعضها وظهور أخرى".
إضافة إلى السلاحف، لاحظ العلماء وجوداً "متفرقاً" لأنواع أخرى غير شائعة كثيراً في المنطقة مثل حوت بيلوغا الذي رُصد في نهر السين عام 2022 وبطريق أبو موس الذي رُصد خلال الشتاء الفائت في كوت دازور وكورسيكا.
وتوضح مديرة البحوث والحفظ لدى "مارينلاند" في أنتيب، إيزابيل براسور التي شاركت في عملية إنقاذ البيلوغا أن "بطريق أبو موس يعيش في شمال أوروبا وشتاءً في جنوب حوض البحر الأبيض المتوسط".
ويُفسَّر الوجود "المتفرق" لبطريق أبو موس بالعواصف التي طالت شمال أوروبا ودفعت الحيوانات إلى مغادرة المناطق التي تعيش فيها، وفق براسور.
وقبل أن تصبح أي ظاهرة "ملحوظة" ينبغي "تكرار الأحداث على مدار سنوات عدة متتالية، لكن راهناً لم يُسجّل تكرار كافٍ للأحداث المرتبطة بمختلف الأنواع حتى يتم التحدث عن تغيير في توزيع أعدادها"، على قول الباحثة.
وعندما تصل درجة حرارة البحر الأبيض المتوسط إلى مستويات قياسية، "تكون أكثر الحيوانات تأثراً بالتغيير الحاصل في درجة حرارة المياه هي الأنواع خارجية الحرارة كالسلاحف التي تساوي درجة حرارتها درجة حرارة بيئتها".
ولهذا السبب، عندما تصل السلحفاة أمام فيرجو "تعتقد أنها في اليونان"، أحد الأماكن الشائعة التي تضع بيوضها فيها.