النهار

الائتمان الكربوني وسيلة جدلية لمكافحة إزالة الغابات... يُخفي احتمالات واسعة للتضليل
المصدر: "النهار"
الائتمان الكربوني وسيلة جدلية لمكافحة إزالة الغابات... يُخفي احتمالات واسعة للتضليل
تعبيرية.
A+   A-
من زرع الأشجار إلى حماية غابات استوائية أو حتى إنشائها، تبدو الشركات مستعدة لكل شيء لتعويض انبعاثاتها والظهور في مظهر الجهات "المحايدة كربونياً"... غير أن فضائح كثيرة اندلعت حديثاً تظهر أن الائتمان الكربوني يبقى مجالاً متفلتاً من الضوابط يخفي احتمالات واسعة للتضليل.

ومن أبرز الأمثلة في هذا المجال: شركة وولت ديزني ومصرف جي بي مورغان، اللذان اشتريا ائتمانات كربونية مرتبطة بمشاريع لحماية غابات غير مهددة.

كما أن شركة مكلفة استغلال 600 ألف هكتار (ما يوازي نصف مساحة منطقة باريس وضواحيها)، في الولايات المتحدة دفعت 53 مليون دولار في سنتين لقاء ائتمانات كربونية لم تفض في الواقع إلى أي تغيير في طريقة استغلال الغابات.

وفي الحالتين، أعطت الائتمانات الكربونية المباعة انطباعاً غير واقعي بأن الشركات المعنية تحمي الأشجار التي تساعد في امتصاص انبعاثات الكربون من خلال عملية التركيب الضوئي، وهي لا تواجه في الواقع خطر القطع. ولم يتم امتصاص أي كميات إضافية من الكربون، فيما الشركات الكبرى ستخصم هذه الكميات من حصيلتها الكربونية لتعويض الانبعاثات المتأتية من أنشطتها.

وفي قمة "وان فورست" "الغابة الواحدة" التي تنظمها الغابون في ليبرفيل يومي الأول والثاني من آذار المقبل وتشارك في رئاستها فرنسا، سيدرس المشاركون طرق تحسين هذه الأدوات المالية.

وتُستخدم الائتمانات الكربونية على نطاق واسع، ووفق تقديرات مختلفة، فإن عدد الأطنان الموازية لها من ثاني أوكسيد الكربون (وحدة ائتمان كربونية تساوي طناً واحداً)، قد يرتفع عشر مرات بحلول سنة 2030، إلى ما يقرب من ملياري طن.

ويوضح سيزار دوغاست من شركة "كربون 4"، لوكالة فرانس برس أن "هذه السوق تحمل جانباً ينطوي على مجازفة ترتبط بغياب القدرة على الضبط الذاتي"، مضيفاً أن "الجميع لديه مصلحة في زيادة كمية وحدات الائتمان الكربوني إلى الحد الأقصى. القائمون على المشروع سيتمكنون بذلك من تذويب الكلفة الإجمالية في أقصى عدد ممكن من وحدات الائتمان، والشراة الذين يرغبون في الحصول على وحدات ائتمان بسعر منخفض، وأيضاً القائمون على إصدار الشهادات الذين لديهم مصلحة في أن تزداد هذه المشاريع".

وفي منتصف كانون الثاني الماضي، كشفت صحيفتا "ذي غارديان" و"دي تسايت" ومنظمة غير حكومية، أن أكثر من 90% من وحدات ائتمان الكربون المصادق عليها من شركة "فيرا" الرائدة في توثيق هذه الشهادات، لمشاريع تحظى بدعم من الأمم المتحدة لخفض الانبعاثات الناتجة عن إزالة الغابات وتدهورها في البلدان النامية (REDD+)، ترتبط بـ"وحدات ائتمان وهمية" لا تعكس أي "تقليص فعلي" لانبعاثات غازات الدفيئة.

غير أن هذه الخلاصات ينفيها المدير العام لـ"فيرا" دافيد أنتونيولي الذي يؤكد أن "مشاريع REDD+ ليست مفاهيم مجردة، بل تعطي منافع حقيقية ميدانياً".

في هذا الوقت، تراجع سعر طن الكربون لوحدات الائتمان المرتبطة بحماية الطبيعة، وفق المسؤولة عن انبعاثات الكربون لدى "اس اند بي غلوبال" بولا فانلانينغهام. وتقول لوكالة فرانس برس، "أبعد من الشكوك بشأن المنهجية المعتمدة في مشاريع REDD+، فتحت هذه المعلومات نقاشاً بشأن ائتمانات الكربون. هل تشكل الوسيلة المالية الصالحة للدفع في اتجاه عملية انتقال (بيئي) أكثر عدلاً؟ هذا صحيح وغير صحيح".

ودافعت وكالات مستقلة عدة في هذا المجال عن منهجيتها، متحدثة عن الحاجة الضرورية للحصول على أموال لمشاريعهم.

وتقول دونا لي المشاركة في تأسيس وكالة "كاليكس غلوبال"، "في بادئ الأمر، ننظر إلى القيمة المضافة للمشروع: هل كان ليرى النور من دون تمويل الكربون؟ ثم ننظر إلى المسار الذي يسلكه، ونضع فرضية عما كان ليحصل لولا هذا المشروع".

وتكمن المشكلة المركزية للمشاريع الرامية إلى الحؤول دون قطع الأشجار، في أنه من حيث المبدأ، يستحيل إثبات أن قطع الأشجار حاصل لا محالة من دون التمويل.

وتقول دونا لي لوكالة فرانس برس، "لكن يمكن أن ننظر إلى سيناريوات لإزالة الغابات في المنطقة ... تظهر الدراسات العلمية أن بعض العوامل، مثل القرب من طريق، ومن السكان أو المسافة الفاصلة عن حافة الغابة ترتبط بعمليات قطع الأشجار"، مقرّة في الوقت عينه في إمكان القيام بتحسينات.

لكنّها تدعو إلى "شفافية أكبر" من الشركات التي تشتري لاحقاً وحدات الائتمان الكربوني هذه، من خلال تحديد مصدرها بوضوح وطريقة بلوغ هدف تقليص الانبعاثات الخاصة بها.



اقرأ في النهار Premium