النهار

روبوت يرصد جزيئات عضويّة بسيطة: المريخ شهد مناخاً دوريّاً مواتياً للحياة
المصدر: "النهار"
روبوت يرصد جزيئات عضويّة بسيطة: المريخ شهد مناخاً دوريّاً مواتياً للحياة
صورة مركّبة التقطها الروبوت "كوريوسيتي" تُظهر رواسب أملاح سداسيّة الشكل في صخور رسوبيّة في حفرة على المريخ (9 آب 2023 - أ ف ب).
A+   A-
في دليل جديد على أنّ الحياة على المريخ كانت مُمكنة في الماضي البعيد، اكتشف الروبوت الجوّال "كوريوسيتي" متحجّرةً تشكّل دليلاً على أنّ الكوكب الأحمر شهد مناخاً دوريّاً يتناوب فيه موسما جفاف ورطوبة، وهي بيئة شبيهة ببيئة الأرض ومواتية تالياً لظهور الكائنات الحيّة، على ما أفادت دراسة الأربعاء الماضي.
 
كان المريخ، ذو المناخ الجاف جدّاً راهناً، يضمّ أنهاراً وبحيرات كثيرة قبل مليارات السنين لكنّها تبخّرت حاليّاً. وعلى عكس كوكب الأرض، لم يتجدّد سطحه عبر الصفائح التكتونيّة، فيما حُفظت آثار هذه الأراضي القديمة بشكل جيّد.
 
منذ العام 2012، يتولّى الروبوت "كوريوسيتي" التابع لوكالة الفضاء الأميركية "ناسا" استكشاف إحدى هذه الأراضي، وهي عبارة عن فوهة "غايل" الضخمة وجبلها الذي يبلغ ارتفاعه ستّة كيلومترات ومكوّن من طبقات رسوبيّة.
 
في حديث إلى وكالة "فرانس برس"، يقول وليام رابان، وهو باحث في المركز الوطنيّ الفرنسيّ للبحث العلميّ، والمُعِدّ الرئيسيّ للدراسة التي نُشرت في مجلة "نيتشر": "أدركنا سريعاً أنّنا نتعامل مع رواسب بحيرات وأنهر، لكنّنا ما كنّا نعرف أيّ نوع من المناخ ساهم في تكوينها".
 
من المحتمل أنّ المريخ كان كوكباً متجمّداً مثلاً أو أنّ انفجاراً بركانيّاً جعل مناخه دافئاً وأدّى إلى تكوين الماء السائل، على قول عالم الكواكب في معهد بحوث الفيزياء الفلكية وعلم الكواكب (جامعة تولوز 3 - بول ساباتييه- المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي) CNES الذي أجرى الدراسة مع مختبر ليون للجيولوجيا وزملاء له أميركيّين وكنديّين.
 
عندما كان "كوريوسيتي" يتسلّق منحدر الجبل ببطء، صادف رواسب أملاح متشكّلة ضمن قطع على شكل سداسيّ في تربة يعود تاريخها إلى فترة تراوح بين 3,6 و3,8 مليارات سنة. وبيّن تحليل أُجري للرواسب من خلال أداتَي "ماست كام" الأميركيّة و"شيم كام" الفرنسيّة الأميركيّة التابعتَين للروبوت، أنّ هذه الصخور عبارة عن شقوق من الطين الجاف.
 
"عندما تجف البحيرة يصبح الوحل متشققاً"، يقول رابان، "لكنّه يعود إلى طبيعته بمجرّد أن يخضع للرطوبة مرة جديدة".
 
في حال تكرّرت هذه العملية باستمرار، تتجمّع الشقوق لتشكّل قطعاً على شكل سداسيّ، على غرار ما يُرصد في أحواض تربة قديمة خلال الجفاف الموسميّ. وقد أظهرت عمليّة محاكاة استُخدمت فيها كمّية من الطين متأتّية من الأرض عُرّضت لدورات جافّة ورطبة هذا الشكل السداسيّ "من الناحية الحسابيّة".
 
يؤكّد الباحث أنّ هذه التشكيلات السداسية تُمثّل "أول دليل ملموس على أنّ المريخ شهد مناخاً دوريّاً". وعلى غرار ما تشهده الأرض، كانت المواسم الجافة والرطبة تتعاقب ضمن فترات منتظمة في المريخ، قبل أكثر من ثلاثة مليارات سنة، وعلى مدى فترة طويلة بما يكفي، أي ملايين عدّة من السنين، لكي تتطوّر الحياة عليه.
 
يُعدّ مناخ مماثل من بين الشروط التي تجعل من الممكن أنّ تنتقل المادة العضويّة من الجمود إلى الحياة. وأوضح المركز الوطني الفرنسيّ للبحث العلميّ في بيان، أنّ "روبوت كوريوسيتي كان رصد وجود جزيئات عضوية بسيطة قد تكون تشكّلت من خلال عمليات جيولوجية أو بيولوجيّة".
 
من بين هذه الجزيئات الأحماض الأمينيّة التي تتّحد أحياناً لتشكّل جزيئات أكثر تعقيداً وتكويناً للكائنات الحيّة مثل الحمض النوويّ الريبوزيّ (RNA) والحمض النوويّ الريبوزيّ منقوص الأوكسجين (DNA). مع العلم أنّ عملية مماثلة تحتاج إلى حلقات لكي تتشكّل، على غرار ما
أظهرت تجارب مستقلة أُجريت في مختبرات، وفق المركز الوطني الفرنسيّ للبحث العلميّ.
 
وأضاف عالم الكواكب: "في عالم شديد الجفاف، لا فرصة أمام تشكّل هذه الجزيئات، ولا حتى في عالم شديد الرطوبة".
 
وكان الكوكب الأحمر يحوي إذاً التوازن الضروريّ لتطوّر أشكال الحياة. لكن من أيّ نوع؟ يضع
العلماء هنا احتمالاً يتمثل بالكائنات الحية الدقيقة وحيدة الخلية البدائية مثل العتائق أو البكتيريا التي تمثّل أقدم كائنات على الأرض.
 
إلّا أنّ الشكل التي ظهرت فيه هذه الكائنات على الأرض لا يزال لغزاً لأنّ تكتونية الصفائح محت أثر أقدم المتحجرات. ويقول رابان "إنّ ما ينقصنا على الأرض هو قصة أصل الحياة على المستوى الجزيئي".
 
لكنّ المتحجّرات على المريخ رُصدت وقد تُتيح للبشر أن يفهموا على نطاق صغير ما حصل على الأرض عند تكوّنها، فيما تحاول مهمّات علميّة على غرار تلك التي يجريها "كوريوسيتي" أو "برسيفيرنس" اكتشاف ما إذا كانت أشكال الحياة ظهرت فعلاً على المريخ أو تبدّدت.
 

اقرأ في النهار Premium