يشهد العالم ازدياداً في الهجرة نحو المدن، حيث تتوقع الأمم المتحدة أن يتكاثر سكان المدن في العالم إلى ما يقرب من 70 في المئة بحلول عام 2050، ما يضع بلا شك ضغطاً هائلاً على البنية التحتية.
أمام هذا الواقع، تلجأ الحكومات في جميع أنحاء العالم إلى تكنولوجيا التوأمة الرقمية لإعادة بناء وتشكيل مدن المستقبل على هيئة مدن ذكية قادرة على دعم حياة شعوبها بطريقة مستدامة وصديقة للبيئة.
والتوأمة الرقمية هي من أحدث مفاهيم التقنية الحديثة والتي تعتمد على دمج قطاعات مختلفة معاً في نظام تقني واحد يتم من خلاله تبادل المعلومات المختلفة.
ظهور مفهوم "التوأمة"... تجربة "أبولو 13"
تعد تجربة وكالة "ناسا" مع المركبة "أبولو 13" إحدى التجارب المبكرة للتوأمة الرقمية، حيث كاد انفجار خزانات الأكسجين في مركبة أبولو 13 الفضائية التي أطلقت في نيسان 1970 أن يسبب كارثة، لو لم تكن وكالة ناسا قد أنشأت توأماً مماثلاً لهذه المركبة في المحطة الأرضية، ما سمح للمهندسين باختبار أفضل الحلول الممكنة وهم على بعد يزيد على 300 ألف كيلومتر من المركبة الفضائية.
ورغم أن النسخة لم تكن رقمية، إلا أنها خلقت فكرة إنشاء نسخة رقمية عالية الدقة للمركبات الفضائية، لتسهيل استكشاف المشكلات وإصلاحها.
ولم تتبلور هذه الفكرة بشكل واضح سوى في تقرير خارطة الطريق لعام 2010، الذي أصدره الباحث في وكالة ناسا جون فيكرز، معتمداً فيها اسم "التوأم الرقمي" (Digital Twin) الذي كان قد بدأ تداوله قبل 8 سنوات على يد الأكاديمي الأميركي مايكل جريفز.
وبدأ الاهتمام بالتوأم الرقمي يتزايد بعد أن وضعته مؤسسة غارتنر للأبحاث (Gartner) عام 2017 ضمن قائمة أهم 10 توجهات تكنولوجية مستقبلية، وقد لعب انتشار شبكات الجيل الخامس (5G) الأسرع بمئة مرة من الجيل الرابع، وانتشار أجهزة إنترنت الأشياء (IoT) دوراً أساسياً في التطور السريع لمشاريع التوأمة الرقمية.
في أي مجالات يمكن استخدام تكنولوجيا التوأمة الرقمية؟
باستخدام التكنولوجيا الحديثة، بات من الممكن إنشاء توأم رقمي لأي جسم أو نظام مادي أو خدمي، فيمكن إنشاء توأم رقمي لسيارة أو أي جهاز أو مصنع متكامل أو شركة أو مدينة أو حكومة أو عائلة أو فرد أو عضو من أعضاء الإنسان.
التوأمة الرقمية في الإمارات
الإمارات العربية المتحدة بدورها أطلقت خلال مؤتمر "غيتكس 2022" مشروع التوأمة الرقمية لإمارة أبوظبي.
ويمثل مشروع التوأمة الرقمية لإمارة أبوظبي نقلة نوعية لتسهيل ودعم عمليات اتخاذ القرارات عبر استخدام تقنية الواقع المعزز - ثلاثية الأبعاد، ضمن مسيرة الإمارة في مجال تطوير نظم المعلومات الجغرافية والرقمية، باستخدام أحدث التقنيات مثل التصوير الجوي و"المسح باللايدار"، واستخدام محركات الألعاب الرقمية، والتي تدعم مبادئ ومفهوم المدن الذكية وتستهدف تفعيل الواقع الرقمي المعزز والميتافيرس للإمارة وفق أحدث المعايير العالمية.
ويعد المشروع الأول من نوعه في أبوظبي ويهدف إلى توفير التفاصيل والأبعاد الكاملة للإمارة، كما يشمل إضافة الشكل الخارجي للمباني والمنشآت، ما يساعد على تمثيل الإمارة بشكل أقرب إلى الواقع، بالإضافة الى توفير التفاصيل الداخلية للمباني وذلك لإبراز المعالم الكاملة لإمارة أبوظبي، ويساهم المشروع في دعم الملاحة الداخلية في المباني عن طريق توفير التفاصيل الداخلية لها من أجل دعم السوق العقاري وكذلك دعم سرعة الاستجابة في حالات الطوارئ ودعم عمليات التخطيط واتخاذ القرارات.
وستحاكي البيئة الافتراضية الأحداث والمواقع الواقعية، وقد أعطت دولة الإمارات العربية المتحدة الأولوية لإدراج قطاعي التعليم والرعاية الصحية، حيث ستركز جهودها على معالجة القيود الزمنية والمكانية في العالم الواقعي.
وتعد تكنولوجيا التوأمة الرقمية حجر الأساس في هذا المشروع، كونها تؤمن التحويل الرقمي الشامل للشبكات اللاسلكية، ما يضمن فعالية التكلفة والمرونة والكفاءة في تحسين تجربة "ميتافيرس".
ما خصائص المدن الذكية القائمة على التوأمة الرقمية؟
تتفوق المدن الذكية القائمة على التوأمة الرقمية على المدن التقليدية بعدة عوامل، فهي أولا تمتلك مزايا التخطيط الدقيق، عبر نماذج رقمية شاملة للطرق الحضرية والجسور وأغطية المصابيح والمباني والبنى التحتية الأخرى من خلال ترتيب أجهزة استشعار على مستويات الهواء والأرض وتحت الأرض والأنهار، وذلك من أجل المراقبة الديناميكية حال تشغيل المدينة، ويشكل تعبيراً دقيقاً عن المعلومات ورسم خرائط للمدينة الافتراضية للمدينة العادية في أبعاد المعلومات.
إلى ذلك، يمكن لهذه المدن الاستفادة من التفاعل الواقعي الافتراضي أن جميع أنواع الآثار، مثل آثار الأشخاص والخدمات اللوجستية والمركبات التي يمكن ملاحظتها في المدينة الفعلية، يمكن البحث عنها في المدينة الافتراضية بمجرد إنشائها.
أما الأمر الأكثر أهمية، فهو قدرة هذه المدن على محاكاة الأخطار والكوارث على مستوىً رقمي، ما يجعل قدرتها على الاستجابة للأزمات والمصاعب أكثر فعالية.
ويقدم التوأم الرقمي للمدن نظيرًا ماديًا يمكنهم التفاعل معه، الأمر الذي يجعل من الممكن توقع أي مشكلة محتملة.
وباستخدام التوأم الرقمي لمحاكاة البنية التحتية للمدينة سيتمكن المسؤولون من إنشاء عمليات المحاكاة التي توجه خططهم المستقبلية، حيث يساعد المدن على تحقيق المراقبة عن بعد في الوقت الفعلي، ويسمح باتخاذ قرارات أكثر فعالية، كما يمكن أن تساعد التوائم الرقمية المخصصة بالبيانات المدن على تصميم بيئات حضرية أفضل وتشغيلها بكفاءة أكبر، وتحسين خدمات المدينة وتجارب المواطنين.
إلى ذلك، تتمتع المدن الذكية القائمة على التوائم الرقمية بآفاق واسعة للتحول الاقتصادي والإدارة الذكية الحضرية والخدمات الذكية العامة، حتى يتمكن الإنسان من التطور بشكل أكثر تنسيقاً، يتطلب تحقيق المدن الذكية إنشاء بنية تحتية للمعلومات المكانية أكثر اكتمالاً لضمان إمكانية استخدام تطبيقات المدن الذكية المختلفة بشكل جيد وبأسعار مناسبة.