انتشرت في الفترة الأخيرة منصّات البثّ التلفزيوني، التي كان وجودها نتيجة التطوّر التكنولوجي وتطوّر منصّات التواصل الاجتماعي، فأصبح لكلّ شركة كبرى منصّة خاصّة بها، تريد بوِساطتها أن تكون الأولى في عالم الإنتاج والبثّ عبر الإنترنت، حيث تنتشر منصّات "ديزني +"، "نتفليكس"،"أبل تي في +"، "Paramount"، "Peacock"، وغيرها من خدمات البثّ الجديدة في جميع أنحاء العالم.
وفي وقت تحاول هذه المنصّات الحصول على أكبر عدد من المشتركين، دخلت "نتفليكس" في حالة اضطراب، بعد أن كشفت عن أوّل انخفاض في عدد مشتركيها منذ أكثر من عقد، وحذّرت من أن خسائر المشتركين ستستمرّ على المدى القريب، ممّا أدّى إلى تشكّك المستثمرين في قيمة الاستثمار في شركات الإنتاج المماثلة، بعد أن كان بثّ البرامج عبر الإنترنت يُعتبر هو المستقبل، بفضل اعتياد المستهلكين على المرونة التي تُتيحها هذه الخدمات. وقد يكون أكبر المتضرّرين من الوضع الجديد شركات البثّ والترفيه الكبرى في العالم، التي تصرف عشرات المليارات من الدولارات كلّ عام على إنتاج المحتوى.
أسهم شركات البثّ تتراجع
كانت القيمة السوقيّة لـ"نتفليكس" تبلغ أكثر من 300 مليار دولار العام الماضي، بحسب "Market Watch"، إلّا أنّها خسرت 67% من قيمتها منذ بداية هذا العام. ووصلت قيمة "ديزني" إلى 290 مليار دولار، فعانت من انخفاض بنحو 30٪، بالرّغم من إضافة 20 مليون مشترك في الرّبعين الماضيين.
كذلك، أضافت خدمات "HBO" 12.8 مليون مشترك خلال العام الماضي، ليصل إجمالي عدد المشتركين إلى 76.8 مليون مشترك على مستوى العالم، من دون أن يمنع ذلك من انخفاض الأسهم بأكثر من 20٪ منذ أن بدأ تداول أسهم الشركة في نيسان.
سقوط "نتفليكس" أجبر المديرين التنفيذيين على إعادة التفكير في تحرّكاتهم اللاحقة
قال المحلّل الإعلامي مايكل ناثانسون إنّ "الوباء أحدث طفرة، حيث ظلّ كل المشتركين الجدد عالقين في منازلهم، ولكن الحال لم يعد كذلك الآن". وأضاف: "الآن كل هذه الشركات بحاجة إلى اتخاذ قرارات لإعادة أرباحها".
أوّلاً: الانتظار
ذكرت شبكة "سي أن بي سي" أنّ أبسط مسار للشركات قد يكون الانتظار ومعرفة ما إذا كانت رهاناتهم المالية الكبيرة على محتوى البثّ الحصري "ستؤتي ثمارها مع تجدّد حماس المستثمرين"، فيما قالت "ديزني" في أواخر العام الماضي إنّها ستُنفق 33 مليار دولار على المحتوى في العام 2022، في حين تعهّد الرئيس التنفيذي لشركة "Comcast"، بريان روبرتس، بتقديم 3 مليارات دولار لمنصّة "Peacock" هذا العام، و5 مليارات دولار لخدمة البث في العام 2023.
وبعد مرور خمسة أشهر من العام الجديد، لا تبدو الاستثمارات مربحة حتى الآن، والخسائر تتراكم، إذ أعلنت "ديزني" عن خسارة قدرها 887 مليون دولار تتعلّق بخدمات البثّ في الرّبع الأخير. وقدّرت "كومكاست" أنّ منصّة "Peacock" ستخسر 2.5 مليار دولار هذا العام؛ وهو الأمر الذي جعل المسؤولين التنفيذيّين يُدركون أنّ خدمات البثّ ستستغرق وقتاً لبدء جني الأموال، إذ قدّرت "ديزني" أن خدمتها ستُصبح مربحة في العام 2024، وتوقّعت "HBO" تحقيق الأرباح خلال نفس الفترة.
ويطرح هذا الموضوع تساؤلاً رئيسيّاً على المديرين التنفيذيين إن كان من المنطقيّ الاستمرار في ضخّ الأموال في خدمات البث، أم أنّ من الذكاء التراجع وخفض التكاليف؟
فقد قال الرئيس التنفيذي لشركة "وارنر براذرز" ديفيد زاسلاف خلال مكالمة الأرباح في شباط: "سنقوم بإنفاق المزيد من الأموال على المحتوى، لكنّنا سنكون أذكياء وحذرين"؛ ووضع استراتيجيّة بثّ تجمع بين منصّات "HBO Max" و"Discovery +"، مع إضافة البثّ المباشر لأخبار "سي أن أن" و"Turner sports" للرياضة، ممّا يُشير إلى التوقّف عن اتّباع استراتيجيّة "نتفليكس"، التي تقتضي بعرض المسلسلات والأفلام والعروض الكوميديّة.
ثانياً: المزيد من الصفقات
يظهر في الأفق احتمال آخر هو الدّمج بين الشركات، نظراً للعدد المتزايد من المتنافسين. ويتّفق المسؤولون التنفيذيّون إلى حدّ كبير على أن بعض هذه الخدمات ستحتاج إلى الجمع في ما بينها، ويتجادلون فقط حول عدد تلك الخدمات التي ستبقى في السّوق، بحسب "سي أن بي سي".
وأفاد المستثمر كريس مارانجي بأنّ عمليّات الاستحواذ يُمكن أن تغيّر الطريقة التي ينظر بها المستثمرون إلى هذا القطاع؛ وهو يأمل في أن "تؤدّي عمليّات الدمج والاستحواذ إلى النموّ".
ثالثاً: الاعتماد على الإعلانات
تخطّط "ديزني" لإطلاق "ديزني+" الجديد المليء بالإعلانات أواخر هذا العام، في الوقت الذي صدمت فيه "نتفليكس" الجميع بإعلانها أنّها تخطّط لإطلاق خدمة مدعومة بالإعلانات بعد سنوات من رفضها فكرة الإعلانات التجارية على منصّتها.
وفي وقت قد تؤدّي فيه خدمة "نتفليكس" الأرخص ثمناً إلى دفع بعض عملائها الحاليين أقلّ من اشتراكاتهم السابقة، فإن الخدمة المدعومة بالإعلانات يمكن أن تساعد بالفعل على تحقيق الربح، وقد تساعد الخدمة في إعادة زيادة عدد المشتركين.