النهار

مملكة زوكربيرغ… كيف أسهم "فايسبوك" في تغيير عالمنا؟
سُكينة السمرة
المصدر: "النهار"
مملكة زوكربيرغ… كيف أسهم "فايسبوك" في تغيير عالمنا؟
مارك زوكربيرغ (النهار) / ديما قصاص
A+   A-

من سكن للطلاب قبل 20 عاماً انطلقت فكرة أسهمت في تغيير الثقافة الرقمية للعالم وحياة الكثيرين في ناحية لم يتوقعها أحد حتّى مُطلقها مارك زوكربيرغ، بل يمكن القول إن تلك الفكرة لم تتخطَّ الجغرافيا فحسب بل اجتاحت مختلف القطاعات مُحدثةً في أغلبها تغييرات جذرية، من الاقتصاد والتربية والتجارة والتسويق والإعلان إلى النواحي الإنسانية والاجتماعية وخاصةً السياسية.

 

 

 

A post shared by Mark Zuckerberg (@zuck)

  

بمناسبة الذكرى العشرين على إطلاقه، نشر زوكربيرغ مقطع فيديو يختصرُ الأعوام الـ20 التي مرّت على المنصّة، وكتب: "قبل 20 عاماً أطلقت شيئاً ما. على طول الطريق، انضمّ الكثير من الأشخاص الرائعين، وقمنا ببناء مزيد من الأشياء الرائعة. ما زلنا نعمل على الأمر والأفضل لم يأتِ بعد".

 

 

 

هكذا بدا موقع "فايسبوك" عندما أطلقه مارك زوكربيرغ وحفنة من أصدقائه من سكن طلابهم قبل 20 عاماً. ومنذ ذلك الحين، أعيد تصميم منصّة التواصل الاجتماعي، التي تُعدّ من المنصّات الأكثر شعبية في العالم، العديد من المرات على مر السنوات.

 

تأسس "فايسبوك" في شباط عام 2004 على يد مارك زوكربيرغ وزملائه في جامعة هارفارد، داستن موسكوفيتز، إدواردو سافرين، أندرو ماكولوم، وكريس هيوز.

 

في البداية، كان "فايسبوك" يحمل اسم "The Facebook" وكان مخصّصاً للطلاب الجامعيين للتواصل ومشاركة المعلومات، لكن هدفه ظل كما هو، ألا وهو ربط الأشخاص عبر الإنترنت عالمياً، وكسب المال من الإعلانات. ومع بلوغ المنصة عامها العشرين، إليكم تغييرات أدّى "فايسبوك" دوراً فيها وأسهم بالتأثير على كل شخص منّا: 

 
 
 

 

"فايسبوك" غيَّر شكل التواصل الاجتماعي

 

بحلول عام 2012، تجاوز "فايسبوك" مليار مستخدم شهرياً، باستثناء فترة قصيرة في نهاية عام 2021. ومن خلال التوسع في البلدان النامية وتوفير الإنترنت، حافظت الشركة على عدد المستخدمين وزادته. وفي نهاية عام 2023، أفاد "فايسبوك" أن لديه 2.11 مليار مستخدم يومياً.

 

من المسلّم به أن الموقع الذي كان من الأكثر شعبية حول العالم، أصبح أقل شعبية مما كان عليه من قبل بين فئة الشباب بعد ظهور منصات عدة من "تيك توك" إلى "سناب" و"إنستغرام" وغيرها. ومع ذلك، يبقى "فايسبوك" من المنصات الاجتماعية التي بشّرت بعصر جديد من النشاط الاجتماعي عبر الإنترنت والتي غيّرت شكل التواصل بين الناس.

 

في نهاية المطاف، غيَّر "فايسبوك" شكل التواصل الاجتماعي من خلال تقديم تجارب متعددة الأوجه وتسهيل التواصل الرقمي على نطاق واسع، مما جعل المنصّة واحدةً من أكبر وأكثر منصّات التواصل انتشاراً في العالم إلى اليوم.

 

جلسة في مجلس الشيوخ الأميركي تزامناً مع الذكرى الـ20... وزوكربيرغ يعتذر 

اعتذر زوكربيرغ، الأربعاء، من العائلات التي قالت إن أطفالها تعرّضوا للأذى بسبب وسائل التواصل الاجتماعي، وذلك خلال جلسة استماع حامية في مجلس الشيوخ الأميركي.
 
وتحظى هذه المسألة بإجماع السياسيين على مختلف توجهاتهم وعدد كبير من الجمعيات التي تتهم شبكات التواصل الاجتماعي بعدم توفير الحماية الكافية للشباب، خصوصاً ضد مخاطر الاستغلال الجنسي أو الانتحار. ولمدة أربع ساعات تقريباً، استجوب أعضاء مجلس الشيوخ زوكربيرغ ورؤساء كل من شركات "تيك توك" و"سناب" و"إكس" و"Discord".
 
وخلال الجلسة، أراد المشرّعون معرفة ما تفعله الشركات العالمية لحماية الأطفال على الإنترنت. وخلف رؤساء شركات التكنولوجيا الخمس، جلست العائلات التي قالت إن أطفالها قد آذوا أنفسهم أو قتلوا أنفسهم نتيجة لمحتوى وسائل التواصل الاجتماعي.
 
عبّرت العائلات عن مشاعرها طوال الوقت، وتذمّروا عندما دخل الرؤساء التنفيذيون وصفّقوا عندما طرح المشرّعون أسئلة صعبة.
 
زوكربيرغ، الرئيس التنفيذي لشركة "ميتا"، هو الذي تعرّض لأكبر قدر من التدقيق، عندما أدلى بشهادته أمام الكونغرس للمرة الثامنة.
 
وخلال محادثة مع السيناتور الجمهوري جوش هاولي، دُعي زوكربيرغ إلى الاعتذار للعائلات التي تجلس خلفه، فوقف والتفت إلى الجمهور وقال: "أنا آسف على كل ما مررتم به، إنه أمر فظيع".
 
وتابع "لا ينبغي لأحد أن يمر بالأشياء التي عانت منها عائلاتكم، ولهذا السبب نستثمر كثيراً وسنواصل بذل الجهود للتأكد من عدم اضطرار أي شخص إلى المرور بما عانت منه عائلاتكم".
ويذكر أنه بعد انهمار القضايا ضدها، عملت الشركة أخيراً على حماية المراهقين من التواصل غير المرغوب فيه من خلال طرحها عدة تعديلات، مؤكدةً "نريد أن يتمتع المراهقون بتجارب آمنة ومناسبة لأعمارهم على تطبيقاتنا". 
 

 

  

 

جعل "فايسبوك" بيانات المستخدمين ذات قيمة... هل هتك الخصوصية؟

 

في منشور حمل عنوان "ما المعلومات التي يعرفها المعلنون على فايسبوك عني؟" وضّح "فايسبوك" خلاله كل التفاصيل عمّا يجمعه الموقع عن المستخدمين وحاول شرح لماذا يفعل ذلك. وقد تم توضيح الحجم الكامل لتلك البيانات في عام 2018، وتعرّضت الشركة لهجوم واسع بسبب الكمّ الهائل من المعلومات التي تجمعها عن مستخدميها.


وحينها، وعد "فايسبوك" بأنه لا يهدد خصوصية الناس بالطريقة التي يجمع بها بيانات عنهم، وهاجم بشدة الاقتراح الذي قال بأن مستخدمي "فايسبوك" هم عبارة عن منتجات للشركة.

وقد أوضح تطبيق زوكربيرغ أنه يجمع معلومات لاستخدامها للإعلانات بعدة طرق رئيسية:

أولاً، عن طريق مشاهدة كيف يستخدم الناس "فايسبوك"، وما هي تفضيلاتهم.

ثانياً، يمكن للمعلنين تقديم معلومات إلى "فايسبوك"، مما يسمح لهم باستهداف الأشخاص الذين اشتروا بالفعل منتجاتهم.

وأما الأكثر إثارةً للجدل، فهو اعتراف "فايسبوك" بأنه يراقب كيفية استخدام الأشخاص للتطبيقات ومواقع الويب التي يزورونها ثم يستخدمونها لتحديد الإعلانات التي تُعرض لهم.

ويدافع "فايسبوك" بأنه يحتاج لجمع كل هذه المعلومات لجعل تجربة استخدامه أكثر متعة، وذلك يسمح له بعرض "إعلانات أفضل وأكثر ملاءمةً".

 

في هذا الإطار، غُرّمت الشركة الأم لـ"فايسبوك"، "ميتا"، عدة مرات بسبب ما وُصف بأنه سوء تعامل مع البيانات الشخصية. 

 

وكانت القضيّة الأكثر انتشاراً هي فضيحة "كامبريدج أناليتيكا"، إذ وافقت شركة "ميتا" على دفع 725 مليون دولار لإنهاء الدعوى القضائية التي أُطلقت في عام 2018 للمطالبة بتعويضات من الشبكة الاجتماعية المتّهمة بالسماح لأطراف ثالثة، بما في ذلك شركة "كامبريدج أناليتيكا"، بالوصول إلى البيانات.

 

وفي دعوى أُطلقت في 2018، اتهم مستخدمو "فايسبوك" الشبكة الاجتماعية بانتهاك قواعد حماية الخصوصية، عبر مشاركة بياناتهم مع جهات عدة منها "كامبريدج أناليتيكا" المرتبطة بحملة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب الرئاسية في عام 2016.
 
وقامت "كامبريدج أناليتيكا" التي أُغلقت منذ ذلك الحين بجمع واستخدام البيانات الشخصية لـ87 مليون مستخدم على التطبيق، من دون موافقتهم.
  

وفي تموز 2019، غرّمت السلطات الفيديرالية "فايسبوك" بخمسة مليارات دولار بتهمة "تضليل" مستخدميها وفرضت رقابة مستقلّة على تعاملها مع البيانات الشخصية.

 

أما في عام 2022، فدفع التطبيق أيضاً غرامة قدرها 265 مليون يورو، 228 مليون جنيه إسترليني، فرضها الاتحاد الأوروبي. وفي العام الماضي، فرضت لجنة حماية البيانات الأيرلندية غرامة قياسية على الشركة بقيمة 1.2 مليار يورو، بسبب اتهامات بنقل بيانات المستخدمين الأوروبيين.

 

 

"فايسبوك" يجتاح حياة المستخدمين من مختلف النواحي... ماذا عن السياسة؟

 

ما ذُكر كان أحد الأشكال التي اجتاح فيها التطبيق العالمي قطاع التسويق والإعلانات من خلال بيانات المستخدمين. ففي هذه الأيام، أصبحت "ميتا" شركة إعلانية عملاقة تحصل، جنباً إلى جنب مع أمثالها من الشركات مثل "غوغل" و"إكس" وغيرها، على نصيب الأسد من أموال الإعلانات العالمية.

 

يوم الخميس الماضي، أعلنت الشركة عن إيرادات تزيد عن 40 مليار دولار (32 مليار جنيه إسترليني)، للربع الأخير من عام 2023، معظمها من تقديم خدمات إعلانية شديدة الاستهداف للمعلنين وتم الإعلان عن ربح قدره 14 مليار دولار. 

 

وعندما دخل التطبيق حياة مختلف الفئات الاجتماعية والأعمار، أدّى دوره بكونه منصّة شرعت أبوابها للجمعيات والمساعدات الاجتماعية والأعمال التجارية.

 

ويشار إلى أنه في الأزمات والكوارث الطبيعية أوجد التطبيق أيضاً ميزات لتوجيه المستخدمين لطمأنة بعضهم بعضاً في هذه الحالات، خاصةً عند وجودهم في بلدان مختلفة. 

 

ومن جهة أخرى، أحدث تغييرات ثقافية، مسهماً في تبادل العادات بين البلدان وتعزيز التواصل وتعظيم قضايا وإخفاء أخرى، مؤدّياً دوراً بالغ الأهمية في تشكيل الرأي العام وكذلك الحياة السياسية. وأفسح التطبيق مكاناً للحوار العام وتبادل الآراء حول القضايا الاجتماعية والسياسية. وأدّت منصّة التواصل هذه دوراً في الأحداث العامة في مختلف البلدان.

 

في هذا السياق، وعن طريق الوسوم خصيصاً أتاح تطبيق "ميتا" وسيلة لتلسيط الضوء على قضايا معينة وإثارتها حول العالم.

 

ولكن نستذكر هنا قضية فلسطين أخيراً، إذ اتهم التطبيق بفرض رقابة مشدَّدة على المنشورات الداعمة لفلسطين منذ بدء الهجوم الإسرائيلي على غزة.
 
واستجابةً لـ"توبيخات" من الاتحاد الأوروبي، حذفت "ميتا" أكثر من 795 ألف منشور باللغتين العربية والعبرية، وصفتها بأنها "مزعجة أو غير قانونية" في ما يتعلق بالحرب. وطالت تلك التوبيخات كذلك كلاً من منصّة "تيك توك" الصينية وشركة "ألفابيت" المالكة لمنصّتي "غوغل" و"يوتيوب".

 

سياسياً، ومن خلال تقديم إعلانات مستهدفة، أصبح "فايسبوك" منصّة رئيسية للحملات الانتخابية في جميع أنحاء العالم.

 

على الصعيد الأميركي مثلاً، أنفق فريق دونالد ترامب ملايين الدولارات على إعلانات "فايسبوك" من أجل الانتخابات. فعلى سبيل المثال، في الأشهر الخمسة التي سبقت الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2020، أنفق فريق ترامب أكثر من 40 مليون دولار على إعلانات "فايسبوك"، وفقاً لأبحاث "Statista".

 

لقد كان لـ"فايسبوك" يد في الحركات السياسة الشعبية من خلال تمكين مجموعات متباينة من المستخدمين من التجمّع وتنظيم الحملات والتخطيط للعمل على نطاق عالمي.

 

ولطالما قيل إن "فايسبوك" و"تويتر"، "إكس" حالياً، كان لهما دور حاسم خلال الربيع العربي أيضاً في المساعدة على تنسيق الاحتجاجات ونشر الأخبار حول ما كان يحدث على الأرض.

 
 
 
  

يُعدّ صعود تطبيق زوكربيرغ وهيمنته المستمرة بمثابة شهادة على قدرة مارك على إبقاء الموقع ملائماً ومتماشياً مع التطور. وفي الذكرى العشرين لتأسيسه، نتساءل: هل سيبقى "فايسبوك" من بين المنصّات الأكثر انتشاراً رغم كل المنصّات الحديثة والصاعدة؟ هذا سيشكل تحدّياً كبيراً لزوكربيرغ، خاصةً مع اهتمام "ميتا" بأعمالها في العالم الرقمي البديل "الميتافيرس"، وبالذكاء الاصطناعي أيضاً الذي يُشكل حالياً أولوية لشركة "ميتا".

 

اقرأ في النهار Premium