أعلنت "لينوفو" قبل أيام عن مجموعة شاملة من التحديثات المعتمدة على معالجات "إيه إم دي" (AMD) لمحفظة البنية التحتية للذكاء الاصطناعي الخاصة بها، والتي تتضمن أنظمة غنية بوحدات معالجة الرسومات (GPUs) وكفاءة حرارية مصمّمة للأحمال الحسابية المكثفة في مختلف الصناعات، بما في ذلك الخدمات المالية والرعاية الصحية.
تستهدف الابتكارات الجديدة، التي صُمّمت بالتعاون مع "إيه إم دي"، الطلب المتزايد على الأحمال الحسابية المكثّفة عبر الصناعات، ما يوفر المرونة وقابلية التوسّع اللازمتين لنشر الذكاء الاصطناعي. كما أنها تمثل اختبارًا لسيطرة "إنفيديا" في مجال الذكاء الاصطناعي للمؤسسات.
المنافسة الشديدة
ليس ما طرحته "لينوفو" التحدّي الأول من نوعه الذي تواجهه سيطرة "إنفيديا" على الصناعات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، فالشركة الأميركية سبق أن صنفت عملاقة التكنولوجيا الصينية "هواوي" كـ"منافسها الأبرز".
وذكرت "إنفيديا" في تقريرها السنوي السابق أن "هواوي" تعتبر منافسة لها في أربع من أصل خمس فئات رئيسية في أعمالها، بما في ذلك توفير البرامج والأجهزة لوحدات معالجة الرسومات (GPUs) والتي تستخدم على نطاق واسع في الذكاء الاصطناعي التوليدي.
جاء تصنيف "هواوي" كمنافس بعد شهرين فقط من تصريح جينسن هوانغ، الرئيس التنفيذي لشركة "إنفيديا"، لوكالة "رويترز" بأن شركة التكنولوجيا الصينية العملاقة تشكل منافسًا "قويًا" في إنتاج شرائح الذكاء الاصطناعي.
وفاجأت شركة "هواوي" التي تتخذ من شينزن مقراً لها العالم العام الماضي بإطلاق هاتف "Mate 60 Pro"، وهو هاتف متطوّر يعمل بشرائح متقدمة، وأثار ذلك تساؤلات حول كيفية تمكن "هواوي" من تصنيع الهاتف بعد أن أمضت أربع سنوات تحت قيود أميركية تحظر وصولها إلى تقنية الجيل الخامس.
ويعتبر المحللون أن هذا الإنجاز يمثل "علامة فارقة" بالنسبة إلى الصين، حيث يخوض كل من بيجينغ وواشنطن معركة على تكنولوجيا أشباه الموصلات.
إلى جانب "هواوي"، كشفت "إيه إم دي" في ١٦ نيسان الجاري عن معالجات جديدة لتشغيل أجهزة الكمبيوتر المدعومة بالذكاء الاصطناعي، وهي أجهزة كمبيوتر شخصية مزودة بمعالجات مصممة لأداء مهام الذكاء الاصطناعي، مثل الترجمة الفورية للغات والتلخيص، ووصفت الشركة المعالجات الجديدة بأنها أقوى شرائح تمّ ابتكارها حتى الآن لأجهزة الكمبيوتر.
بدورها، كشفت "إنتل" في ٩ نيسان الجاري عن شريحة "غودي ٣" الجديدة، وزعمت أنه يوفر كفاءة في استخدام الطاقة تزيد عن الضعف مقارنة ببطاقة الرسومات "Nvidia H100"، كما أنّه قادر على تشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي بسرعة تزيد مرة ونصف. كذلك يتوفّر "غودي ٣" بتكوينات عدّة، مثل حزمة تضم ثماني شرائح "غودي ٣" على لوحة أو بطاقة يمكن تركيبها في الأنظمة الحالية. قامت "إنتل" باختبار الشريحة على نماذج مثل "لاما" مفتوح المصدر من "ميتا" و"فالكون" المدعوم من أبوظبي.
كيف بسطت "إنفيديا" سيطرتها؟
لعل أبرز ما ساعد "إنفيديا" على بسط سيطرتها في هذا المجال هو وعيها المبكر لأهمية الذكاء الاصطناعي وتوقعاتها الدقيقة حيال اتجاهات السوق. على مدار أكثر من عقد من الزمن، رسخت شركة "إنفيديا"، بقيادة جن-سن هوانغ، موقعها في طليعة تطوير التكنولوجيا، بدءًا من الألعاب ثمّ التعلم الآلي، تلاه تعدين العملات المشفرة ومراكز البيانات والذكاء الاصطناعي. طورت شركة تصنيع الرقائق العملاقة على مدار العقد الماضي مجموعة فريدة من عروض الأجهزة والبرامج لجعل الذكاء الاصطناعي في متناول الجميع، ما وضع الشركة في صدارة الشركات المستفيدة من تبنّي أحمال العمل بالذكاء الاصطناعي.
لكن نقطة التحول الحقيقية كانت عام 2017، عندما بدأت "إنفيديا" في تعديل وحدات معالجة الرسومات (GPUs) للتعامل مع حسابات الذكاء الاصطناعي المحددة. وفي العام نفسه، بدأت "إنفيديا"، التي كانت تبيع عادةً شرائح أو لوحات دوائر لنظم شركات أخرى، في بيع أجهزة كمبيوتر كاملة لإنجاز مهام الذكاء الاصطناعي بكفاءة أكبر.
يصل حجم بعض أنظمتها الآن إلى حجم الحواسيب العملاقة، والتي تقوم بتجميعها وتشغيلها باستخدام تقنية شبكات خاصة وآلاف من وحدات معالجة الرسومات. وقد تعمل هذه الأجهزة الصلبة لأسابيع لتدريب أحدث نماذج الذكاء الاصطناعي. بالنسبة لبعض المنافسين، كان من الصعب منافسة شركة تبيع أجهزة الكمبيوتر والبرامج والخدمات السحابية ونماذج الذكاء الاصطناعي المدربة والمعالجات.
في حلول عام 2017، كانت شركات التكنولوجيا العملاقة مثل "غوغل" و"مايكروسوفت" و"فيسبوك" و"أمازون" تشتري بالفعل المزيد من شرائح "إنفيديا" لمراكز بياناتها. تستخدم مؤسسات مثل مستشفى ماساتشوستس العام شرائح "إنفيديا" لرصد الشذوذ في الصور الطبية مثل فحوصات التصوير المقطعي المحوسب (CT).
وفي حلول ذلك الوقت، أعلنت "تسلا" أنها ستثبت وحدات معالجة الرسومات من "إنفيديا" في جميع سياراتها لتمكين القيادة الذاتية. توفر شرائح "إنفيديا" القوة الكامنة وراء سماعات الواقع الافتراضي مثل تلك التي طرحتها في السوق شركتا "فيسبوك" و"إتش تي سي". اكتسبت "إنفيديا" سمعة طيبة لتقديم شرائح أسرع باستمرار كل عامين.
بالنظر إلى الوراء، يمكن القول إن "إنفيديا" على مدار أكثر من عشر سنوات بنت ريادة يصعب اختراقها تقريبًا في إنتاج شرائح قادرة على أداء مهام الذكاء الاصطناعي المعقدة مثل التعرف على الصور والوجوه والكلام، بالإضافة إلى إنشاء نصوص للدردشات الآلية مثل "تشات جي بي تي".
تحدّيات أخرى
ليست المنافسة التهديد الوحيد، إذ يتطلب التعقيد المتزايد باستمرار لنماذج الذكاء الاصطناعي حلولًا جديدة للأجهزة، حيث تستدعي بنيات مثل الشبكات العصبية النبضية والحوسبة الكمومية الابتعاد عن وحدات معالجة الرسومات (GPUs) التقليدية. يجب على "إنفيديا" أن تكيّف تقنيتها لتتماشى مع هذه الاحتياجات المتطورة وإلّا فإنها تخاطر بالتخلّف عن الركب.
بالإضافة إلى ذلك، يهدّد صعود أنظمة البرامج مفتوحة المصدر مثل "TensorFlow" و "PyTorch" سيطرة "إنفيديا" على الجانب البرمجي من الذكاء الاصطناعي. إن ضمان التوافق والأداء مع هذه الأطر أمر ضروري للاحتفاظ بالمطورين الذين قد يضطرّون للانتقال إلى منصّات أكثر انفتاحًا.
كذلك تشكّل الاعتبارات الأخلاقية المحيطة باستخدام الذكاء الاصطناعي تحديًا كبيرًا. مع تزايد انتشار الذكاء الاصطناعي، يجب معالجة المخاوف المتعلقة بالتحيز والخصوصية والمساءلة. يجب على "إنفيديا" إيجاد طريقة لتحقيق التوازن بين الابتكار وتطوير الذكاء الاصطناعي المسؤول. يمكن أن يؤدّي الفشل في معالجة هذه المخاوف إلى قيود تنظيمية من شأنها أن تعيق تقدّم الشركة في نهاية المطاف.
باختصار، موقع شركة "إنفيديا" الريادي في مجال الذكاء الاصطناعي ليس مضمونًا. إن الحفاظ على الريادة يتطلب ٣ أمورٍ أساسية هي الابتكار المستمر، والشراكات الاستراتيجية، ومعالجة التحديات الناشئة.