عندما تترك طفلك لتطبيق "تيك توك"، فإنك فعلياً كمن وضع طفله في بيت مع مجموعة من الناس الغرباء والذين لا يعرف عنهم شيئاً وتركه لساعات وساعات.
هزت قضية "التيكتوكرز" المجتمع العربي والشارع اللبناني خاصةً، والتي وُصفت بالخطيرة جداً، بعد ما قامت عصابة استخدمت تطبيق "تيك توك" ساحة لاستدراج أطفال وقصّر وابتزازهم وإغرائهم لممارسة الجنس واستغلالهم.
والأكثر سوءاً في هذه القضية، أنّ الفاعلين "المؤثرين" كانوا يستدرجون الأطفال من الجنسيّتين اللبنانيّة والسوريّة إلى إحدى الشاليهات، مقابل مغريات بسيطة جداً، وفقاً لمصادر "النهار".
التطبيق الملياري الذي جذب الكبار والصغار، أصبح اليوم مصدر خوف كبير لجميع الأهالي. وبعد الصدمة التي أحدثتها هذه القضية أمس، يسأل الجميع الآن: "كيف يمكن أن نحمي أطفالنا على تيك توك؟" من المحتوى غير المقيّد وإمكانية الوصول والتواصل مع عدد كبير من الغرباء.
5 خطوات على الأهل القيام بها
أولاً، العمر، أوصت منظمة "Common Sense" باستخدام التطبيق لمن هم أكبر من 15 سنة، أما التطبيق نفسه فيفرض أن يكون عمر الشخص 13 سنة على الأقل لاستخدام ميزاته الأساسية.
ثانياً، "Private account"، جعل حساب الطفل على "تيك توك" خاصاً، عبر الدخول إلى "الإعدادات والخصوصية"، وكذلك تقييد من يمكنه ترك تعليقات أو من يستطيع إرسال رسائل مباشرة.
ثالثاً، "Family Pairing mode"، الذي قدمه التطبيق في عام 2022، والذي يتيح للأهالي ربط حساباتهم بحسابات أطفالهم والتحكم فيها مثل إدارة وقت المشاهدة اليومية.
رابعاً، وضع حساب الطفل بالوضع المقيّد "Restricted Mode" للحدّ من تعرضه للمحتوى الذي قد يكون هناك احتمال كبير أنه غير مناسب لعمره.
خامساً، الإبلاغ عن أي فيديو غير لائق أو تسبب بإزعاج لطفلك، أو أي مستخدم ترك تعليقاً غير مناسب.
هل هذه الإجراءات كافية؟
نفذ هذه الخطوات لكن لا تضع قدميك في مياه باردة، ففي حين أن هذه الإجراءات مهمة، حاوِل تقديم بعض أساليب التحكم من ناحية الإعدادات وغيرها، لكن في الحقيقة هي أساليب موجهة أكثر نحو تقييد وصول الأطفال بدل منح الأهل إمكانيات مراقبة منتظمة. فهل أدوات "الرقابة الأبوية" هذه هي وسيلة كافية لحماية الأطفال؟
إنه من غير المسموح للأطفال استخدام الهواتف الذكية لمن هم دون 13 عاماً، بل يجب منعهم من الوصول إلى وسائل التواصل مثل "تيك توك" و"إنستغرام" و"سناب شات" قبل سن الثامنة عشرة، وفقًا لتقرير أعدّه خبراء بتكليف من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. وأكد التقرير شديد اللهجة أن الأطفال بحاجة إلى الحماية من "استراتيجية صناعة التكنولوجيا".
في هذا السياق، اعتبر الخبراء أن الأطفال أصبحوا "سلعة" في سوق التكنولوجيا الجديدة. ولذلك فإن أدوات التحكم تساعد في هذا المجال، لكنها غير كافية أبداً لحماية الأطفال وردعهم عن أن يكونوا سلعة على هذه المنصات.
أما الحماية الحقيقية فتكمن في التوعية والتوجيه وشرح السلوكيات الآمنة عبر الإنترنت للاطفال قبل أي شيء آخر، وهذا ما أكد عليه الخبير في التحوّل الرقمي وأمن المعلومات رولان أبي نجم لـ"النهار"، الذي حذّر من أن "كل منصات التواصل الاجتماعي خطرة، لكن تيك توك هو أخطرهم، لأن معظم المحتوى على المنصة محتوى مباشر لا يمكن ضبطه أو اخضاعه لرقابة فعلية".
وفي الحقيقة، فإن المخاطر المتوقعة والمحتملة لاستخدام الأطفال المنصات عامةً و"تيك توك" خاصةً كثيرة من المحتوى غير المناسب، التنمر الإلكتروني، الخصوصية المفقودة، إدمان التكنولوجيا، تأثيرات نفسية إلى الابتزاز وغير ذلك. ولكن الأخطر وفق أبي نجم، هو امكانية استدراج الأطفال ليس فقط على المنصات بل حتى على بعض تطبيقات الألعاب المشهورة، والتي صُنفت من الأخطر عالمياً.
وفي رأيه، "الموضوع في غاية الخطورة، رغم وجود أدوات تتيح بعض التحكّم للأهل، لكن الأطفال ببساطة قد يستخدمون أجهزة أخرى، لذلك فإنّ الأهم هنا وبشكل أساسي هو التوعية والمتابعة من قبل الأهل".
في الإطار نفسه، دقّت دراسة ناقوس الخطر، بعد أن استمرت ثلاثة أشهر أجراها علماء وخبراء بقيادة طبيب الأعصاب سيرفان موتون، وأمين بنيامينا، من مستشفى بول بروس، فأكدت أنّ الأطفال دون سن الثالثة يجب ألّا يتعرّضوا للشاشات، بما في ذلك التلفاز. كما لا ينبغي أن يكون لدى أي طفل هاتف قبل سن 11 عاماً. وذكرت أنّ أي هاتف يُمنح لطفل يتراوح عمره بين 11 و13 عاماً يجب أن يكون هاتفاً لا يمكنه الوصول إلى الإنترنت.
من الصعب جداً منع أي طفل عن الهواتف بشكل كليّ، لكن أقله ليكن ذلك ضمن أُطر معينة ومتابعة مكثفة وتوجيه من قبل الأهل، بخاصة من خلال تشجيع الأطفال على مشاركة أي تجارب معهم مهما كانت حساسة.
"تيك توك" واحدة من أحدث صيحات العصر، والمنصات الأكثر شعبية اليوم، إلّا أنّ هذا النجاح يحتوي بين أروقته على الكثير من المخاطر، ولن يكون أطفال القضية الأخيرة آخر ضحاياه.