أعاد فريق من علماء الآثار من جامعة كامبريدج تشكيل وجه امرأة من النياندرتال (الإنسان البدائي)، عمرها 75 ألف عام، بعد أن قاموا بالتنقيب عن جثتها في عام 2018.
جاء الاكتشاف النادر لجمجمة المرأة في كهف عراقيّ، حيث كان من المعروف أن إنسان هذه الحقبة التاريخية يدفن موتاه. ويُمكن أن يُشير الموقع إلى أن إنسان النياندرتال كان أكثر اهتمامًا وذكاءً عاطفيًا ممّا كان يُعتقد سابقًا.
وعَثَر الفريق على إنسان النياندرتال المسمّى شانيدار زاد في داخل كهف في كردستان العراق، ذات التضاريس الجبليّة في شمال البلاد. وعادت أنواع النياندرتال مراراً وتكراراً إلى كردستان العراق لدفن موتاها، وفقاً للنتائج التي توصلت إليها جامعة كامبريدج، ونشرتها "يو أس توداي".
وسرعان ما نال الكهف شهرة واسعة في إنكلترا بسبب اكتشاف العديد من إنسان النياندرتال هناك في أواخر الخمسينيات بعد أن بدا أن جثثهم دفنت على التوالي.
بقايا اكتشافات
ويُعتقد بأن إنسان النياندرتال قد انقرض منذ أكثر من 40 ألف عام، ممّا يجعل اكتشافات بقايا جديدة "قليلة ومتباعدة"، وفقًا لما ذكرته كامبريدج.
تقول إيما بوميروي، عالمة الأنثروبولوجيا القديمة في قسم الآثار بجامعة كامبريدج: "إن جماجم إنسان النياندرتال والبشر تبدو مختلفة تمامًا".
وأوضحت: "تحتوي جماجم إنسان نياندرتال على نتوءات جبين ضخمة، وتفتقر إلى الذقن، مع وجه وسط بارز يؤدي إلى أنوف أكثر بروزًا. لكن الوجه المُعاد تشكيله يشير إلى أن هذه الاختلافات لم تكن صارخة في الحياة".
وعن التهجين، قالت: "إن اختلاف جماجم إنسان النياندرتال عن جماجم البشر يمكن أن يشير إلى أن التهجين حدث بين جنسنا البشري منذ آلاف السنين"، مما يعني أنّه "إذا كان هذا صحيحًا، فإن كلّ شخص على قيد الحياة اليوم تقريبًا لا يزال لديه الحمض النووي للنياندرتال".
شانيدار
وكانت شانيدار زاد امرأة طولها 5 أقدام في منتصف الأربعينات من عمرها. وحدّد الفريق جنسها وعمرها من خلال مراقبة مينا أسنانها وجسدها.
وعثر فريق كامبريدج على بقايا شانيدار، والنصف العلويّ من جسدها، وهم يعتقدون بأنه تمّ التنقيب عن النصف السفليّ في عام 1960.
ويحتمل الباحثون أن يكون رأس المرأة قد سُحق بعد وقت قصير نسبيًّا من وفاتها. وقال بيان كامبريدج: "عندما عثر عليها علماء الآثار، كانت الجمجمة مسطّحة، وسماكتها تبلغ نحو سنتيمترين".
وقام الفريق بإزالة الجمجمة بوساطة "عشرات الكتل الصغيرة المغلّفة بالرقائق من تحت سبعة أمتار ونصف من التربة والصخور في قلب الكهف"، وفقًا لما ذكرته كامبريدج.
وفي مختبر كامبريدج، أجرى الباحثون "أشعة مقطعيّة دقيقة لكلّ كتلة قبل تخفيف الصّمغ تدريجيّا، واستخداموا عمليات المسح لتوجيه استخراج شظايا العظام".
وتمّ تجميع أكثر من 200 قطعة من جمجمة شانيدار زاد من قبل مسؤولة الترميم الرئيسية، لوسيا لوبيز بولين، لإعادتها إلى شكلها الأصليّ، وفقًا لكامبريدج.
إعادة الجمع
توضح مسؤولة في كامبريدج: "يتمّ تنظيف كلّ جزء من الجمجمة بلطفٍ في الوقت الذي تتمّ فيه إضافة الغراء والموادّ المتماسكة لتثبيت العظام، والتي يمكن أن تكون ناعمة جدًا، وتشبه اتساق البسكويت المغمّس في الشاي. إنّها مثل أحجية الصور المقطوعة ثلاثية الأبعاد وعالية المخاطر. ويمكن أن تستغرق معالجة كتلة واحدة نحو أسبوعين".
وقالت كامبريدج إنه بمجرّد إعادة بنائها، تمّ مسح سطح جمجمة شانيدار وطباعتها بأبعادها الثلاثية، ممّا شكّل "أساس الرأس المُعاد بناؤه"، الذي أنشأه فنّانَا الحفريات أدري وألفونس كينيس. ووفقاً للجامعة، قام التوأمان المتماثلان ببناء طبقات من العضلات والجلد ليكشفا عن الوجه.
وأوضحت الجامعة أنه أثناء وجودهما في داخل الكهف، حيث تمّ التنقيب عن شانيدار، لاحظ الفريق وجود "صخرة عمودية ضخمة"، يعتقدون أنّها كانت بمثابة علامة فارقة لإنسان النياندرتال لتحديد موقع معيّن للدفن المتكرّر.
ووفق مجموعات البحث، فإن الطريقة التي تظهر بها البقايا في الكهف "تظهر علامات على نوع من التعاطف" حيث كانت شانيدار زاد تتكئ على جانبها، وكانت يدها اليسرى ملتوية تحت رأسها، وكانت الصخرة خلف الرأس بمثابة وسادة صغيرة. ويعتقد علماء الآثار بأن الصخرة ربما وُضعت هناك.