النهار

إلى أين يتّجه هدف تصفير الانبعاثات في زمن الذكاء الاصطناعيّ؟
المصدر: النهار
إلى أين يتّجه هدف تصفير الانبعاثات في زمن الذكاء الاصطناعيّ؟
النهار - تصميم ديما قصاص
A+   A-
قبل أيام، وقّعت "مايكروسوفت" اتفاقًا مع شركة إدارة الأصول "بروكفيلد أسيت مانجمنت" (Brookfield Asset Management) لاستثمار أكثر من 10 مليارات دولار في تطوير القدرة على إنتاج الطاقة المتجددة، لتلبية الطلب المتزايد على الذكاء الاصطناعي ومراكز البيانات.
 
ووفقًا للاتفاق الذي أعلنته الشركتان في بيان مشترك الأربعاء، فإن "بروكفيلد" ستسلم "مايكروسوفت" 10.5 غيغاواط من القدرة الإنتاجية للطاقة المتجددة بين عامي 2026 و2030 في الولايات المتحدة وأوروبا بموجب الاتفاقية. وصفت الشركتان الصفقة بأنها أكبر اتفاقية منفردة لشراء الكهرباء توقّعها شركتان، وقال متحدث باسم "بروكفيلد" إن الصفقة ستؤدّي إلى استثمار أكثر من 10 مليارات دولار في الطاقة المتجدّدة.
 
هذا الحدث على أهميته، يفتح النقاش مجدداً حول معضلة تقدم الذكاء الاصطناعي واستهلاكه الهائل للطاقة، وحول جهود الحدّ من التغير المناخي والانبعاثات في ظلّ هذا التقدّم.
 
كم يستهلك الذكاء الاصطناعيّ؟
 
يتراوح حجم استهلاك مراكز البيانات التي تشغل الذكاء الاصطناعي بين 1 و 1.5 في المئة من إجمالي استخدام الكهرباء على مستوى العالم.
 
تشير دراسة جديدة إلى أنه إذا استمرت الاتجاهات الحالية في اعتماد الذكاء الاصطناعي، فمن الممكن أن تقوم شركة "إنفيديا" وحدها بشحن 1.5 مليون وحدة خادم ذكاء اصطناعي سنويًا في حلول عام 2027. ستستهلك هذه الخوادم 85.4 تيراواط ساعة من الكهرباء سنويًا، وهو ما يفوق استهلاك الطاقة السنوي للعديد من الدول الصغيرة.
 
يشدّد أليكس دي فريس، مؤلف الدراسة، على أهمية أخذ الاستدامة بعين الاعتبار عند تطوير ونشر الذكاء الاصطناعي. يجادل بأنّه إلى جانب المخاطر مثل الأخطاء والتحيّز والافتقار إلى الشفافية، يجب أن تكون التكلفة البيئية للذكاء الاصطناعي عاملاً رئيسيًا.
 
كذلك، يدعو دي فريس إلى نهج أكثر تفكيرًا في تطوير الذكاء الاصطناعي، ويحثنا على التساؤل حول ما إذا كانت هذه التكنولوجيا ضرورية حقًا وعن إمكانية تنفيذها بطريقة مسؤولة بيئيًا.
 
ماذا سيحصل في حلول ٢٠٣٠؟
 
لم يتضح بعد مقدار الكهرباء المطلوب لتشغيل الذكاء الاصطناعي بشكل كامل، لكن يتوقع الخبراء أن يؤدي إلى زيادة كبيرة في استهلاك الطاقة. على الصعيد العالمي، من المحتمل أن يستهلك الذكاء الاصطناعي ما بين 3% إلى 4% من إجمالي الطلب على الكهرباء في حلول عام 2030.
 
على صعيد عملاقة التكنولوجيا الأميركية "غوغل" مثلاً، يستهلك الذكاء الاصطناعي حوالي 10% إلى 15% من طاقة الشركة، أي ما يعادل 2.3 تيراواط ساعة سنويًا.
 
وتقترح دراسة حديثة ارتفاعًا كبيرًا في استهلاك الطاقة إذا تم استخدام الذكاء الاصطناعي المتطور مثل برنامج "تشات جي بي تي" في كل عملية بحث على "غوغل". سيتطلب هذا السيناريو كمية هائلة من الأجهزة، وسيؤدي إلى رفع استهلاك جوجل السنوي للطاقة إلى 29.2 تيراواط ساعة.
 
ماذا عن الأثر البيئيّ؟
 
يمكن للبصمة الكربونية للذكاء الاصطناعي أن تكون أسوأ من تعدين عملة "بيتكوين"، الذي يولد حاليا غازات دفيئة أكثر من بلدان بأكملها، وفقاً لتقرير لصحيفة "الغارديان" البريطانية. يتطلب تعدين بيتكوين، وهي العملة المشفرة الأكثر شيوعاً في العالم، حوالي 1150 كيلوواط ساعة من الكهرباء، مما دفع عدّة دول لحظره.
 
تماماً كتعدين العملات المشفرة، يعتمد الذكاء الاصطناعي على وحدات معالجة الرسومات عالية القدرة، لاختراق البيانات. يتم تشغيل برنامج الذكاء الاصطناعي التوليدي "تشات جي بي تي"، بواسطة مراكز بيانات عملاقة تستخدم عشرات الآلاف من رقائق الكمبيوتر "المتعطشة للطاقة"، وفق تقرير لوكالة "بلومبرغ".
 
كذلك، يمكن أن يتسبب تدريب "نموذج ذكاء اصطناعي واحد فقط"، في انبعاث كميات كبيرة من "ثاني أكسيد الكربون"، بما يعادل خمسة أضعاف الانبعاثات الصادرة عن سيارة أميركية، طوال عمرها الافتراضي، حسب "معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا".
 
أهداف متضاربة
 
إن الوعود الوردية التي يحملها قادة الذكاء الاصطناعي للإنسانية مع تقدم الذكاء الاصطناعي تتضارب مع كثير من الأهداف الإنسانية الأخرى، من بينها التحول الطاقي وتخفيض الانبعاثات على ما يبدو.
 
وعلى غرار ما فعلته "مايكروسوفت" في اتفاقيتها الجديدة، يتوجب على شركات التكنولوجيا الأخرى أن تفكر بمشاريع لتوليد الطاقة النظيفة توازياً مع تطويرها لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، حتى لا تصبح الإنسانية أمام سيناريو تسير فيه خطوةً واحدةً قدماً، لتعود في المقابل خطوتين إلى الوراء.

اقرأ في النهار Premium