النهار

استقالة سوتسكيفر من "Open AI" تفتح أسئلة الذكاء التوليديّ على المجهول
المصدر: "النهار"
استقالة سوتسكيفر من "Open AI" تفتح أسئلة الذكاء التوليديّ على المجهول
صورة مركّبة لسام ألتمان وإيليا سوتسكيفر. (ديما قصاص)
A+   A-
باولا عطيّة
 
بالتزامن مع إطلاق شركة "أوبن إيه آي" (OpenAI) الشركة الناشطة في الذكاء الاصطناعيّ، نموذجاً جديداً وإصداراً لسطح المكتب من "شات جي بي تي" (ChatGPT)، وهي أحدث جهود الشركة لتوسيع استخدام برنامج تطبيق الدردشة الشهير، غادر إيليا سوتسكيفر، كبير العلماء والمؤسس المشارك في "OpenAI"، الشركة، بعد ما يقارب عقداً من الزمن ناشراً تغريدة، قال فيها: "أنا واثق من أنّ "OpenAI" ستبني الذكاء الاصطناعي العام الآمن والمفيد تحت قيادة سام ألتمان، وغريك بروكمان، وميرا موراتي، وتحت القيادة البحثية الممتازة لجاكوب باشوكي".
 
استقالة سوتسكيفر وليكه
وتغريدة سوتسكيفر، وعلى الرغم من أنها وضعت حداً لشهور من التكهنات في وادي السيليكون حول مستقبل أحد كبار باحثي هذا المجال، والذي لعب دوراً بارزاً في الإطاحة بسام ألتمان لفترة وجيزة السنة الماضية، إلّا أنّها أعادت الأسئلة والمخاوف إلى الواجهة من جديد، حول الطريق الذي ستسلكه "أوبن أي آي" في تطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي الخاصة بها، وبمدى وملاءمتها قواعد الأمان، وإذا ما كانت ستجنح نحو الأرباح التجارية على حساب المصلحة الاجتماعية!
بدوره، غادر جان ليكه، قائد فريق المخاطر طويلة الأمد للذكاء الاصطناعي في شركة "أوبن إي آي"، منصبه، معتبراً في تغريدة نشرها على حسابه عبر منصّة "إكس" أن "صنع آلات أكثر ذكاء من البشر مسعى محفوف بالمخاطر بطبيعته"، وحمّل شركة أوبن إيه آي "مسؤولية هائلة نيابة عن البشرية بأسرها"، مشيراً إلى أنّه "على مدى السنوات الماضية، تراجعت ثقافة السلامة وعملياتها على حساب المنتجات البرّاقة".
 
وبالإضافة إلى تغريدة ليكه، رفع قرار شركة "أوبن إيه آي" بحلّ الفريق الذي يركّز على المخاطر طويلة الأمد للذكاء الاصطناعي، المخاوف بشأن السياسات المستقبلية التي ستنتهجها الشركة، وفقا لما أكّده شخص مطّلع على الوضع لشبكة "سي إن بي سي".
 
في هذا الإطار، أِشار خبير التحوّل الرقمي رامز القرا في حديثه لـ"النهار" إلى أنّ "هناك تغيّراً في النهج الذي بدأت تعتمده شركة "أوبن آي أي"، والذي يعطي الأولويّة للأرباح التجارية والتقدّم التكنولوجي على حساب الرسالة التي تأسست وفقها الشركة، وهو ما يدفع بالأشخاص المؤمنين بضرورة التقيّد بقواعد الأمان، إلى الخروج من الشركة"، لافتاً إلى أنّ "اجبار الشركة موظفيها التوقيع على عقد يلزمهم عدم الافصاح بأيّ معلومات حول ما يحصل داخل الشركة، يثير الشكوك والريبة حول حقيقة ما يجري".
 
القصّة من البداية
تأسست "أوبن إي أي" في كانون الأول (ديسمبر) من العام 2015، بوصفها منظمة "غير ربحية" لأبحاث الذكاء الاصطناعيّ، تهدف إلى تعزيز وتطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي بحيث تكون "آمنة من المخاطر"، عبر "التعاون بحرّية" مع المؤسسات والباحثين الآخرين من خلال جعل براءات الاختراع والبحوث مفتوحة المصدر للجمهور، فضلاً عن معالجة المخاطر الوجودية من الذكاء الاصطناعي العام. وكان من مؤسسيها الرئيسيّين إيلون ماسك، وسام ألتمان، وجريج بروكمان، وإيمرسون تشو.
 
إلّّا أنّ هدف الشركة سرعان ما تبدّل، لتتخلى عن مهمتها التأسيسية، فتجنح إلى تحقيق الأرباح التجارية، بحسب مزاعم ماسك، الذي استقال من مجلس إدارة الشركة في عام 2018، رافعًا سلسلة دعاوى قضائية على الشركة ورئيسها التنفيذي سام ألتمان، وآخرين. وهو ما فتح قضية مخاطر الذكاء الاصطناعي على البشرية، وإذا ما كان الإنسان ستُستبدل بالآلة. ويعتقد بعض العلماء، مثل ستيفن هوكينج وستيوارت راسل، أنه في حال اكتسبت أنظمة الذكاء الاصطناعي المتقدمة القدرة على إعادة تصميم نفسها بمعدل متزايد، فسيحدث ما يسمّى بـ"انفجار الذكاء" الذي لا يمكن إيقافه ويمكن أن يؤدّي إلى انقراض الإنسان، فيما يعتبر إيلون ماسك أنّ الذكاء الاصطناعي أكبر تهديد وجودي للبشرية.
 
استثمارات مايكروسوفت
أمّا في عام 2019 استثمرت شركة "مايكروسوفت" (إحدى أبرز شركات التكنولوجيا في العالم) مليار دولار، في شركة "أوبن إي آي"، لينطلق بعدها روبوت الدردشة ChatGPT للجمهور في أواخر عام 2022، (التطبيق الذي عرّف العالم على الذكاء الاصطناعي) فتصبح "OpenAI" واحدة من أهم الشركات الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي في العالم، بقيمة سوقية تزيد عن 80 مليار دولار.
إلّا أنّ التطوّر الضخم الذي طال شركة "أوبن أي آي" لم يخلُ من مشاكل وانقسامات حادّة داخل مجلس إدارة الشركة، كاد يهدد مستقبلها بالضياع.
وفي التفاصيل، بدأت الخلافات بعد مشاركة عضو مجلس الإدارة السابقة، ومديرة المركز البحثي للأمن والتقنيات الناشئة بجامعة "جورج تاون"، هيلين تونر، في نشر ورقة بحثية تتناول أساليب السلامة التي تتبعها شركة "أنثروبيك"، المنافسة البارزة لـ"OpenAI"، ليضع ألتمان نصب عينيه مهمّة الإطاحة بتونر، باعتبار أنّ ورقتها البحثية ستؤثّر على صورة "OpenAI"، خاصّة أنّ الشركة كانت تحت مجهر تحقيق موسّع تجريه هيئة التجارة الفيدرالية، ما سيجعل موقفها سيّئاً مع وجود انتقادات لها من أحد أعضاء مجلس إدارتها.
من جهّة أخرى، أشارت "بلومبرغ" إلى أنّ ألتمان اتّبع أسلوب التلاعب في الحقائق، ونقل روايات مغلوطة عن أشخاص لخدمة مصالحه، ولم يمارس أسلوبه هذا فقط مع الموظفين الأدنى منه في الهرم الوظيفي، وإنّما اتّبع هذا الأسلوب كذلك مع مجلس إدارة شركته.
كما ارتفعت حدّة الانقسامات داخل الشركة، بعد رفع شركة "مايكروسوفت" استثماراتها في "أوبن أي آي" حيث استثمرت 10 مليارات دولار، في 23 كانون الثاني (يناير) 2023، ما زاد المخاوف حول مستقبل استقلالية الشركة.
 
إقالة ألتمان فعودته
وإلى ذلك، أدّى هيكل "الأرباح المحدّدة" المعقّد للشركة إلى إقالة ألتمان لفترة وجيزة من قبل مجلس الإدارة في أواخر العام الماضي. وكان سوتسكيفر هو من أبلغ ألتمان بقرار طرده لأنّه لم يكن "صريحاً باستمرار في اتصالاته مع مجلس الإدارة". وعليه تمّ تعيين ميرا موراتي، المديرة التقنية لـ"أوبن إيه آي"، والتي تعمل فيها منذ خمس سنوات، رئيسة موقّتة للشركة ريثما تنتهي عملية البحث عن رئيس دائم. وعرضت "مايكروسوفت" خطّة بديلة تشمل تعيين ألتمان في إدارة شركة جديدة للذكاء الاصطناعيّ وتقديم معمل أبحاث "مايكروسوفت" له مع غريغ بروكمان. إلّا أنّ ضجّة المستثمرين والموظفين أدّت إلى إعادة ألتمان بسرعة إلى منصبه الإداري، حيث وقّع أكثر من 700 من موظّفي الشركة البالغ عددهم 770 موظفاً بمن فيهم سوتسكيفر، عريضة تطالب بعودة ألتمان إلى الشركة واستقالة أعضاء مجلس الإدارة.
 
ولكنّ تضامن الموظفين مع ألتمان، كان سببه منح إدارة ألتمان جميع الموظفين فرصة لبيع أسهمهم بتقييم لقيمة الشركة يصل إلى 90 مليار دولار، وذلك يفوق 3 أضعاف قيمتها في نيسان، عندما كانت تبلغ 28 مليار دولار. وتلك الفرصة كان من شأنها الذهاب سُدى في حال لم يعُد ألتمان إلى "OpenAI".
وعقب عودته أقال ألتمان كلّاً من تونر ومكاولي من المجلس، ليبقى لديه مهمّة أخيرة، وهي إقالة سوتسكيفر، الذي وظّفه إيلون ماسك، في الشركة، في العام 2015، كمدير وحدة البحوث في "أوبن أي آي"، (في تلك المرحلة، كان سوتسكيفر معروفاً فعلاً وسط هذا المجال ببحوثه حول الشبكات العصبية لدى جامعة تورنتو وعمله في مختبر "غوغل برين". وبعد خروج سوتسكيفر، قطع ألتمان آخر ذراع لإيلون ماسك في شركة "أوبن أي آي"، وعدداً من المدافعين عن وجوب تطوير الذكاء الاصطناعي بشرط ضمان الاستخدام الآمن له. فهل تكون مغادرة سوتسكيفر، وليكه بداية لعصر جديد من الذكاء الاصطناعي لا تحكمه أيّ قواعد وضوابط؟
 
قد لا يكون الجواب على هذا السؤال مؤكّداً بعد، ولعلّ الوقت كفيل بتأكيد هذه الفرضية أو دحضها! إلّا أنَّ ما لا شكّ فيه، أنّ المسار الذي سلكته شركة "أوبن أي آي" حتّى الآن، اعترضته عقبات عديدة، جاء في مقدّمتها مبدأ اعتماد الشركة الاستخدام الآمن للذكاء الاصطناعي من عدمه، وهو ما أشعل في الأساس شرارة الحرب والانقسامات بين أعضاء مجلس الإدارة الواحد.
  وتبقى فرضية الاستخدام غير الآمن للذكاء الاصطناعيّ مطروحة إلى أن تُثبت "أوبن آي أي" عدم صحّة المخاوف.
الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium