جمعت سيول قبل أيام زعماء كوريا الجنوبية والصين واليابان في أول قمة ثلاثية لهم منذ نحو 5 سنوات. وكان ختام القمّة "مسكاً"، إذ تعهّد المجتمعون بأنهم "سيواصلون العمل لضمان تكافؤ الفرص على مستوى العالم لتعزيز بيئة تجارية واستثمارية حرة ومفتوحة وغير تمييزية وشفافة وشاملة".
ورغم التعهدات المثالية الصادرة عن الأطراف الثلاثة، فإن المشهد لا يتعدى كونه ناراً تحت الرماد. وتتكشف أبرز ملامحه بفصلٍ جديد من حرب الرقائق التي يقودها أكبر اقتصادين في العالم، الولايات المتحدة الأميركية والصين.
الجبهة الصينية
أعلنت الصين، تزامناً مع أعمال القمة، إنشاء صندوقها الاستثماري الثالث المدعوم من الدولة لتعزيز صناعة الرقائق الإلكترونية، برأسمال مسجّل قدره 344 مليار يوان (47.5 مليار دولار).
هذا الصندوق سيكون الأكبر من بين الصناديق الثلاثة التي أطلقها صندوق استثمار صناعة الدوائر المتكاملة الصيني، المعروف باسم "الصندوق الكبير". وتعد الوزارة المالية الصينية أكبر مساهم بحصة تبلغ 17 في المئة، وأُدرج سبعة عشر كياناً آخر كمستثمرين، بما في ذلك خمسة بنوك صينية كبرى، حيث يساهم كل منها بنحو 6 في المئة من إجمالي رأس المال.
تأسست المرحلة الأولى للصندوق في عام 2014 برأس مال مسجل قدره 138.7 مليار يوان، وتبعتها المرحلة الثانية في عام 2019 برأس مال مسجل قدره 204 مليارات يوان، وذكرت وكالة "رويترز" في شهر أيلول أن أحد المجالات الرئيسية التي ستركز عليها المرحلة الثالثة من الصندوق هي معدات تصنيع الرقائق.
ومن المتوقع أن يساهم الصندوق الجديد في تعزيز قدرة الصين على المنافسة في هذه الصناعة، وتلبية الطلب المتزايد على الرقائق الإلكترونية في السوق المحلية والعالمية، خاصةً بعد اشتداد المنافسة في مجال الرقائق مع تخصيص القوى الغربية بقيادة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ما يقرب من 81 مليار دولار لإنتاج الجيل المقبل من الرقائق، وفي ظلّ الطلب المتزايد عليها نتيجة طفرة الذكاء الاصطناعي.
كوريا واليابان
قبل أيام، أعلن الرئيس الكوري الجنوبي يون سوك يول خطة دعم جديدة بقيمة 19 مليار دولار لتعزيز صناعة أشباه الموصلات. ووفق بيان من سيول: "وضعنا برنامج دعم شاملاً لصناعة أشباه الموصلات بقيمة 26 ألف مليار وون (حوالى 19 مليار دولار) يشمل التمويل والمنشآت والبحث والتطوير فضلاً عن دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة".
وتبني كوريا الجنوبية "مجمعاً كبيراً لأشباه الموصلات" في ضواحي سيول سيكون بحسب الحكومة الأكبر في العالم وسيوفر ملايين الوظائف. وبحسب يون "تدركون جميعاً أن أشباه الموصلات محور حرب شاملة بين الدول".
وأكد أن "الانتصار سيكون من نصيب الذي يكون أول من يصنع أشباه موصلات متطورة ذات قدرة كبيرة على معالجة البيانات"، وأن "على الدولة دعم قطاع أشباه الموصلات حتى لا يتخلف عن منافسيه".
وفي بداية العام الجاري، شهدت "الجبهة" اليابانية تدشين شركة تايوان لصناعة أشباه الموصلات "تي إس إم سي" أول مصنع لأشباه الموصلات في تلك البلاد ضمن خطتها القائمة للتوسع عالمياً. تؤدي "تي إس إم سي"، وهي أكبر شركة لتصنيع الرقائق في العالم، دوراً محورياً في الصراع الصيني– الأميركي، إذ تراها الولايات المتحدة كأصلٍ استراتيجي نظراً لدورها في مواجهة التأثير الصيني المتنامي في آسيا.
وقد ترتبت على امتثال "تي إس إم سي" للعقوبات الأميركية آثار كبيرة، إذ منع عملاقة التكنولوجيا الصينية "هواوي" مثلاً من الوصول إلى الرقائق المتقدمة التي تنتجها الشركة التايوانية، ما أثر على عمليات "هواوي".
وفي السنوات الأخيرة، وطدت اليابان وكوريا الجنوبية علاقاتهما المشتركة، وعززتا العلاقات مع الولايات المتحدة. ويؤدي البلدان دوراً مركزياً في استراتيجية واشنطن لحرمان الصين من الوصول إلى معدات وتكنولوجيا صناعة الرقائق المتقدمة.
وخلال قمة سيوول، أعربت الصين عن قلقها بشأن انضمام طوكيو وسيول إلى الجهود الأميركية لتشكيل كتلة تهدف إلى احتوائها، فيما أعربت اليابان وكوريا الجنوبية عن مخاوف لها علاقة بأمور تجارية اقتصادية تتخذها الصين وتضرّ بأسواقهما.
بالنتيجة، يبدو أن القلق المتبادل سيّد الموقف، أما التعهدات الثلاثية، على أهميتها، فتدحضها الفصول المتوالية على جبهات حرب الرقائق كافة.