راغب ملّي
تترقب صناعة الذكاء الاصطناعيّ التوليديّ ظهور روبوت الدردشة "شات جي بي تي- 5" ChatGPT-5 الذي يفترض أنّه النسخة المقبلة من "شات جي بي تي-4". ويشوب شيء من التوتر ذلك الترقّب لأسباب تشمل التساؤل عن مدى التزام "أوبن إيه آي" بتطوير تكنولوجيا الذكاء الاصطناعيّ مع معالجة سلبياته السابقة.
ووفقاً لتقارير عدّة، من المتوقّع ظهور "شات جي بي تي 5" في وقت مبكر من هذا الصيف، وهذا ما أكّدته الشركة على مدوّنتها في 28 أيار (مايو) الجاري. وتحسّباً لإطلاقه، يُزعم أنّ عدداً من الشركات قام بتجربة نسخة تجريبيّة من روبوت الدردشة المتوقّع، بهدف استكشاف ميزاته المُحسّنة. ويتوقّع المتابعون تحديثات هامّة لقدرات ذلك النظام من الذكاء التوليديّ، في الكلام والصور والفيديو. وكذلك يُنتظَر أن يتميّز بقدرات متقدّمة في الوسائط المتعدّدة "ميلتي ميديا"، إضافة إلى توسّع في استقلاليته في العمل قد تقرّبه من مواصفات الوكيل الاصطناعيّة.
بالنتيجة، ينتظر أن تُحدث تلك المواصفات ثورة في طرق تفاعل الذكاء الاصطناعيّ التوليديّ، مع العوالم الرقميّة والجمهور العامّ على حدّ سواء.
ماذا يعني التطوّر في أنظمة الذكاء التوليديّ؟
تصف "أوبن إيه آي" الإصدار المُرتقب بأنّه سيكون نموذجاً لغوياً كبيراً ومتطوّراً يجعلك تشعر وكأنّك تتواصل مع شخص بدلاً من آلة.
وكذلك تدّعي "أوبن إيه آي" أنّ تلك النسخة تمثّل تقدماً كبيراً في قدرات معالجة اللغة الطبيعية، بفضل تزويده بقدرات تتشابه مع الإنسان في فهم النص وإنتاجه. وقد يغيِّر GPT-5 طرق تواصلنا مع الآلات، خصوصاً مع أتمتة عددٍ متصاعدٍ من الوظائف المُتعلّقة باللغة.
ووفق، سام ألتمان، رئيس "أوبن إيه آي"، فمن المنتظر أن يتفوّق البرنامج المقبل على GPT-4 الذي لا "يفكّر" إلّا بطرق محدودة للغاية، وموثوقيّته محدودة أيضاً.
وتذكيراً، يختصر مصطلح "جي بي تي" GPT عبارة Generative Pre-trained Transformer، وترجمتها حرفيّاً: المبدِّل التحويليّ المُسبَق التدريب، وهي التقنية التي تحلّ في قلب روبوتات الدردشة وتدخل في صلب تسميته. ويُبيّن ذلك أيضاً أنّ "جي بي تي" نموذج لغويّ قائم على التعلّم العميق، مصمّم لإنتاج نصّ يشبه الكتابة البشرية، يتميّز بمهارات معالجة اللغة الطبيعية.
وللحصول على فكرة كيفية التطوّر في روبوتات الدردشة، يمكن تذكّر "شات جي بي تي- 4 أو" ChatGPT-4o الذي أصدر في 13 أيّار (مايو) 2024. ويتفوّق GPT-4o في إنشاء النص والتلخيص والأسئلة والأجوبة القائمة على المعرفة وغيرها.
في ذلك الصدد، يشدّد ألتمان على أنّ التطوّرات الرئيسية المتوقّعة في GPT-5 ستشمل قدرته على استخدام البيانات الشخصية، بما في ذلك فهم رسائل البريد الإلكترونيّ، وتفاصيل التقويم، وتفضيلات جدولة المواعيد، والتكامل مع مصادر البيانات الخارجية.
وفي ملمح متصل، يعرّف عن أنظمة الذكاء الاصطناعيّ التوليديّ المتطوّرة أنّها تتعامل مباشرة مع المواد المتعدّدة الوسائط، بما في ذلك استعمالها كي تتعلم الآلات الذكيّة من محتويات متنوّعة على غرار الصور وأشرطة الصوت والفيديو والبيانات الرقمية وغيرها.
وتذكيراً، استطاع "شات جي بي 4" التعامل مع موادَّ متنوعة الوسائط بوصفها مُدخلات، لكنّ مخرجاته اقتصرت على توليد النصوص.
الاستجابة لتوقّعات الجمهور
علاوة على كونها جديرة بالثقة، يُشير ألتمان إلى أنّ "جي بي تي- 5" سيمتلك "قابلية التخصيص التي هي في غاية الأهمية. إذ يريد الناس أشياء مختلفة تماماً عمّا تضمّنه GPT-4، ولديهم توقعات واسعة حياله. وسنجعل كلّ ذلك ممكناً". ويعني التخصيص إعطاء المستخدم على تركيز عمل نظام الذكاء التوليديّ ضمن حقل معرفيّ محدّد كالترجمة أو صنع صور أو توليد أشرطة مرئية- مسموعة وغيرها.
وفي منحى مختلف نوعياً، تطمح الشركة إلى أن تتمكّن من تطوير التطبيق بحيث تكون أهمّ مجالات التقدّم فيه متمثلة بالقدرة على التفكير المنطقيّ. وفي حديثه خلال القمّة العالمية للحكومات (WGS) في دبي في شباط (فبراير) الماضي، أكّد ألتمان أنّ ChatGPT-5 "سيكون أكثر ذكاءً".
سام ألتمان، الرئيس التنفيذي والمؤسس المشارك لشركة "أوبن إيه أي" (بريتانيكا)
هل سيكون ChatGPT-5 مجانيّاً؟
على الرغم من وجود نسخة مجانية من "شات جي بي تي" فمن غير الواضح إذا كان ChatGPT-5 سيتطلّب اشتراكاً مثل سابقيه. تبلغ تكلفة خطّة الاشتراك في "شات جي بي تي" Plus 20 دولاراً شهرياً، ما يوفّر للمشتركين مزايا حصرية والقدرة على استخدام ميزات إضافية تشمل الوصول إلى نموذج الذكاء الاصطناعيّ عن الصور الموجودة في نظام "دال.إي" DALL·E المتخصّص في المواد البصرية.
ومن المهمّ أيضاً ملاحظة أنّ نماذج اللغة الحالية مُكلفة بالفعل للتدريب والصيانة، وهذا يعني أنّه عندما سيصدر GPT-5، فمن المحتمل أن يتطلّب الوصول إليه الاشتراك في ChatGPT Plus أو Copilot Pro.
تخطّط "أوبن إيه آي" لإثراء GPT-5 بمجموعة واسعة من بيانات التدريب، بما في ذلك مجموعات البيانات الخاصة التي يمكن أن تغطّي مجالات المعرفة الأكثر تخصّصاً والسيناريوهات المعقدة. يمكن لهذا النهج أن يزيد من دقّة وفائدة الذكاء الاصطناعيّ التوليديّ في البيئات المهنية حيث تكون المعرفة المتخصّصة أمراً بالغ الأهمية.
وإذا كانت النتائج كطموحات "أوبن إيه آي" فمن المتوقّع أن يساهم هذا الأمر في المسيرة البطيئة والثابتة لجعل "الذكاء العامّ الاصطناعيّ"، حينما يغدو الذكاء التوليديّ موجوداً في التفاصيل كلّها حقيقة واقعة. وفي المقابل، ثمّة أصوات كثيرة تستبعد حدوث تلك القفزة العملاقة التي ستجعل الذكاء الاصطناعيّ متفوّقاً بما لا يقاس عن الإنسان.