باولا عطية
حجزت دولة الإمارات العربية المتحدة مقعداً لها في الصفوف الأمامية في سباق الذكاء الاصطناعي (AI) من خلال إطلاق أحدث نموذج لغويّ كبير – LLM (large language model)، وهو Falcon 2 ، الذي طوره معهد أبوظبي للابتكار التكنولوجي TII)) كمنافس جدّي لـ Meta AIوOpenAI، ويتميّز التطبيق بقدرات متقدّمة وإمكانية وصول مفتوحة المصدر.
يمكن لأداة الذكاء الاصطناعي Falcon 2 كتابة تنسيقات نصيّة إبداعية مختلفة، وترجمة اللغات، وحتى وصف ما هو موجود في الصورة! وهذا يُتيح للأشخاص مثل الكتّاب والمعلّمين الحصول على المساعدة في أعمالهم، كما يمكن أن يجعل الوصول إلى الإنترنت أكثر سهولة للأشخاص الذين لا يستطيعون الرؤية. وعلى عكس بعض أدوات الذكاء الاصطناعي الأخرى، فإن Falcon 2 مفتوح المصدر، لذا يمكن لأيّ شخص استخدامه وتحسينه، ممّا يجعل مستقبل الذكاء الاصطناعي أكثر إشراقًا!
وفي هذا الإطار شرح محمد رشدي، مؤسس فاين تيك بازار Fintech Bazar، والخبير في دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي في الشركات، في حديثه لموقع "النهار" بأنّ "برنامج falcon الإماراتي تميّز عن برنامج chat GPT وGemini بأنّه مصمّم من قبل الدولة الإماراتيّة، على عكس النماذج الأخرى التي تحتكرها شركات خاصّة، كـ"غوغل" و"أوبن أي آي "و"مايكروسوفت". وهو ما دفع بعدد من الدول بأن تحذو حذو الإمارات، نظراً لأهميّة الذكاء الاصطناعي التوليدي، ولضرورة ألا يكون استخدامه لأهداف تجارية فقط. أمّا نظام الأمان في تطبيق Falcon فيكون أكثر تطوّراً، ويلتزم بمعايير سلامة أكثر دقّة من نماذج الشركات الخاصّة، لكون الدولة نفسها تستخدمه في مرافقها العامّة، ممّا يحتّم عليها تطوير نظام الأمان الخاص به، لمنع تعرّضها لأي خرق".
وبحسب معهد الابتكار التكنولوجي (TII) التابع لمجلس أبحاث التكنولوجيا المتطورة في أبو ظبي، والمطور لـ"فالكون"، فإن الإصدار الجديد (Falcon 2 11B) أقوى من أحدث نموذج مفتوح المصدر قابل للمقارنة من شركة "ميتا بلاتفورمز" (مالكة فايسبوك وواتساب)، وهو على قدم المساواة مع "جيميناي" وفقاً لعدد من المقاييس.
ونموذج Falcon يوفّر خدمة وصف الصورة، وهي غير متوفّرة في نماذج chat gpt وGemini، بحسب رشدي، لكنها تكتفي فقط بخلق صورة من وصف وليس العكس. وسيحسّن نموذج falcon عمل الشركات في الإمارات، من ناحية زيادة الإنتاجية، وتقصير مدّة العمل المطلوبة لإنجاز المهام، فضلاً عن مساعدة الموظّفين في تلخيص المعلومات وبناء التحليلات، وإصدار نتائج سريعة".
ويتكوّن Falcon 2 من نموذجين أساسيين:
Falcon 2 11B: يتعامل هذا النص مع مهام مثل كتابة القصائد أو رسائل البريد الإلكتروني، والرموز والنصوص والمقطوعات الموسيقية أو حتى التعليمات البرمجية. ويمكنه ترجمة اللغات بدقة عالية، واقتراح عبارات مختلفة، والتحقق من الأخطاء النحوية، ممّا يجعل الكتابة أمرًا سهلاً، ويعزّز التواصل وتبادل المعلومات.
Falcon 2 11B VLM (نموذج الرؤية واللغة): هذا العبقري يسدّ الفجوة بين الصور والكلمات. بمجرد تحميل أيّ صورة، سيقوم نموذج الرؤية واللغة بوصف ما يراه، وهو مثاليّ لإنشاء محتوى أو تسهيل الوصول إلى الويب. كذلك، يقوم هذا النموذج بتحليل الصور التي تم تحميلها وإنشاء أوصاف نصيّة مفصّلة، ممّا يجعلها ذات قيمة لمهام مثل أدوات الوصول إلى الصور وإنشاء المحتوى. ويمكن تدريبه على تصنيف الصور إلى فئات مختلفة، ممّا يساعد في تنظيم الصور واسترجاعها.
هناك طريقتان رئيسيتان لاستخدام نموذج Falcon AI، اعتمادًا على خبرتك الفنية:
من جهّته ذكّر خبير التحول والحوكمة الرقمية، رودي شوشاني، في حديثه لموقع "النهار" بأنّ "الإمارات هي الدولة الأولى في العالم، التي عيّنت وزيراً للذكاء الاصطناعي في العام 2017، في خطوة رياديّة تدلّ على مدى فهم الدولة لأهميّة الذكاء الاصطناعي على المدى الطويل، وكيف سيقود استثمارات المستقبل".
وعن حجم الاستثمارات في هذا المجال أشار إلى أن "الإمارات أعادت إطلاق خطّة استثماريّة جديدة، تتخطى قيمتها الـ30 مليار دولار، لتحفيز الشركات والاستثمارات، وخلق شركة MCX التي ستنضوي تحتها شركتا مبادلة ( شركة استثمار عالمية تتمثل مهمتها في تحقيق عوائد مالية مستدامة لأبوظبي) وG42 (مجموعة شركات التكنولوجيا الرائدة في دولة الإمارات).
وشرح شوشاني بأنّ "الإمارات كانت الدولة الأولى التي أطلقت أوّل نموذج عالمي ذكاء اصطناعي مفتوح المصدر، عام 2023. وهو ما يؤكّد أنّ الإمارات تسعى لأن تكون بوابة للذكاء الاصطناعي في الشرق والعالم".
أمّا ميزة الوصول مفتوح المصدر التي يوفّرها تطبيق الذكاء الاصطناعي الإماراتي، فتسمح لأي شخص بالوصول إلى الكود واستخدامه مجانًا. ويؤدي هذا إلى كسر الحواجز، ويتيح لعدد أكبر من الأشخاص اللعب بالذكاء الاصطناعي وتطويره لخدمته. ومن خلال الوصول المفتوح، يمكن للباحثين في جميع أنحاء العالم العمل معًا لتحسين Falcon 2 وبناء أدوات أفضل للذكاء الاصطناعي. ومن خلال مشاركة التعليمات البرمجية، يمكن للجميع المساهمة بالأفكار والتعليمات البرمجية، مما يؤدي إلى تسريع تطوير تقنية الذكاء الاصطناعي ككل.
وهذه الخطوة ستسمح للإمارات، برأي خبير التحوّل الرقمي، "بريادة قسم من سوق الذكاء الاصطناعي العالمي، كما سيسمح لها بتزويد العالم بمحتوى دسم عن الحضارة العربية، صادر عن لسان الراوي، وليس عن مصادر غربية، وهو ما يحمي الإرث والحضارات العربية من عمليّة التزوير. ويدفع باللغة العربية لأن تكون جزءاً رئيسياً من التطوّر التكنولوجي العالمي".
ولا تزال تطبيقات نموذج Falcon 2 AI قيد الاستكشاف.
وفي ما يلي بعض الاستخدامات المحتملة:
إنشاء المحتوى: يمكن لـ Falcon 2 مساعدة الكتّاب وإنشاء نسخة تسويقيّة وإنشاء نصوص برمجية للوسائط المختلفة.
التعليم: يمكنه تخصيص تجارب التعلّم وترجمة المواد التعليمية والإجابة بشكل شامل عن أسئلة الطلاب.
خدمة العملاء: يمكن لـ Falcon 2 تشغيل روبوتات الدردشة، التي توفر دعمًا للعملاء على مدار الساعة، طوال أيام الأسبوع، والإجابة عن الاستفسارات بلغة طبيعية.
إمكانية الوصول: يمكن أن تساعد إمكانات وصف الصورة المستخدمين الذين يعانون من ضعف البصر، من خلال توفير أوصاف صوتية للصور.
وعلى الرغم من أنّه لم يمضِ على اكتشاف فالكون سوى عام واحد فقط، فإنّ النسخة الأولى من نموذج "فالكون" تمّ تحميلها أكثر من 43 مليون مرة حتى الربع الأول من هذا العام، بحسب ما صرح به مسؤول في معهد الابتكار التكنولوجي. أما جهود تسويق نموذج "فالكون" تجارياً فقد بدأت بالفعل، حيث أعلن مجلس أبحاث التكنولوجيا المتطورة، في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، عن تأسيس شركة "إيه آي 71" (AI71)، وهي شركة جديدة تركّز على تسويق نموذج "فالكون" تجارياً، فيما يعمل فريق من 60 باحثاً على تطوير العديد من خدمات الذكاء الاصطناعي في معهد الابتكار التكنولوجي.