منذ انتشار الإنترنت والتطور في التقنيات الافتراضية وجائحة كورونا وغيرها، برز القلق بشأن الحضور المباشر للجمهور إلى صالات السينما. في هذه الأجواء، يبرز بشكل مدهش أن منصة اشتهرت بالصور السريعة الزوال، باتت في طليعة المهتمين بالترويج للأفلام وحث الجمهور على مشاهدتها مباشرة في الصالات.
كيف يمكن قراءة هذا المسار الذي يربط بين الأشرطة التي تُلِح على تكرار المشاهدة لأطول زمن ممكن، بل تصارع من أجل البقاء، وبين موقع بنى كل شهرته على أن صوره وأشرطته، تكاد لا تستقر على شاشات الجمهور؟
إبحث عن جمهور الشباب
منذ بداياتها المبكرة، شكَّل الترويج للأفلام جزءاً أصيلاً في الفن السابع، وقد تطور مع تقنياتها وأساليبها وثقافتها والمتغيرات في علاقتها بالجمهور وغيرها.
ومع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، شهد فن الترويج للأفلام تحولاً جذرياً، ولم يعد ممكناً التغافل عن تأثيرات وسائل التواصل الاجتماعي على ذلك الفن. وتتفاوت نسبة التأثير التسويقي لكل منصة بحسب روادها واهتمامات مستخدميها.
ويعتبر تطبيق "سناب شات" Snapchat من الأدوات الرقمية التي تؤدي دوراً في الترويج للأفلام وعالم السينما، خصوصاً أن المنصة تتيح للمستخدمين، من محبي الأفلام وهواة عالم السينما، فرصة التفاعل في هذا المجال.
وتذكيراً، يمثِّل "سناب شات" أو "سناب" وفق تسمية متعارف عليها بين مستخدميه الشباب، تطبيقاً رقمياً لللمراسلة يتيح للمستخدمين تبادل الصور ومقاطع الفيديو (التي تسمى اللقطات) يفترض أن تختفي بعد مشاهدتها. ويجري الإعلان عن تلك المحتويات البصرية بوصفها "نوع جديد من الكاميرات" لأن وظيفتها الأساسية تتمثّل بالتقاط صورة أو مقطع فيديو وإضافة مرشحات أو عدسات أو تأثيرات أخرى ومشاركتها مع الأصدقاء. ويُعد التطبيق من تطبيقات السوشيال ميديا الشائعة بين المراهقين.
وأخيراً، شارك تطبيق "سناب شات" بعض البيانات الجديدة في قوة نظام الذكاء الاصطناعي الذي يستخدمه في الترويج للأفلام. وأشار إلى تزايد احتمالية مشاهدة مستخدميه للأفلام في دور السينما، والتأثّر بحملاته.
واعتمدت البيانات على قراءات جاءت من شركتي "سامبا تي في" Samba TV و"كانتار"Kantar ، إضافة إلى معلومات عن المبيعات على شباك التذاكر من شركة "فاندانغو" Fandango.
اهتمام صناعة الأفلام وتسويقها
وتكمن النقطة الرئيسية الملفتة في البيانات الآنفة الذكر، أنها جاءت عبر تقييم تأثير إعلانات "سناب شات" على مبيعات تذاكر الصالات من خلال مقارنة الجماهير المعرضة للإعلانات مع مجموعة للمقارنة لم تكن عرضة لذلك التأثير. وتبيّن أن إعلانات ذلك الموقع أحدث زيادة بنسبة 91% في مبيعات التذاكر. وبلغ التأثير ذروته في الفئات العمرية الأصغر سناً.
وقد يؤدي ذلك إلى حصول ذلك الموقع على اهتمام عدد من الشركات الكبرى في صناعة الأفلام، وكذلك الحال بالنسبة إلى جهات تسويقها.
وتشير البيانات أيضًا أن مستخدمي الموقع المشار إليه آنفاً يرجح أنهم يعتبرون أنفسهم من هواة الأفلام أكثر من مستخدمي التطبيقات الأخرى، في المقابل، يشير 78% من مستخدمي "سناب شات" إلى أنهم يتأثرون أساساً بتوصيات الأصدقاء والعائلة حينما يتعلق الأمر بالذهاب إلى صالة السينما.
التكنولوجيا والسينما: علاقة جدلية
في ملمح محمَّل بالدلالة، يذكر أن السينما التي استفادت باستمرار، ولا زالت، من التقدم في التكنولوجيا الرقمية والتقنيات الافتراضية، باتت تصارع لإيقاف مد الذكاء الاصطناعي التوليدي في قطاعها، وتعتبره تحدّياً وخطراً عليها.
هذه العلاقة التناقضية بين الفن والانترنت والتكنولوجيا ليس بالجديدة.
وتعود بنا الذاكرة الى صراع بين فرقة "ميتاليكا" Metallica الموسيقية، وموقع "نابستر"Napster ، الذي مرَّ مروراً عابراً وزائلاً في العالم الافتراضي للانترنت.
وفي أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، ناضل فريق "ميتاليكا" من أجل حماية أعمالهم الإبداعية من التوزيع الحر على الإنترنت الذي تبناه موقع "نابستر" آنذاك. والمفارقة، أن مؤسس "نابستر" انخرط في تأسيس موقع "فيسبوك" ثم هجره معتبراً أنه لم يواصل رسالة نشر المحتوى على الجمهور.
وفي ملمح موازٍ، يبرز موقف الممثلة سكارليت جوهانسون الأخير ودعواها القضائية خلال شهر آيار(مايو) الماضي ضد "أوبن إيه آي" التي استخدمت صوتاً بدا شديد الشبه بذلك الذي اشتهرت به جوهانسون، خصوصاً في فيلم "هير" Her في العام 2013.
وتلقي تلك المعطيات بعض الضوء على القلق المتجدد في "هوليوود" حول العواقب التي قد يخلفها الذكاء الاصطناعي على الإبداع والملكية الفكرية. ودفع ذلك القلق بعشرات الآلاف من الفنانين في "هوليوود" إلى الانخراط في إضراب مفتوح نفذوها في 2023، ووُصِفَ بانه التحرك الأضخم في هوليوود منذ 40 عاماً.