يصعب أن يمر مرور الكرام ذلك الخبر عن توقف شركة "ميتا"، مالكة "فايسبوك"، عن تقديم بيانات مستخدميها إلى نظام تعمل على تطويره في الذكاء الاصطناعي التوليدي. يتجاوز جمهور "ميتا" الملياري مستخدم، فهل استشارتهم "ميتا" قبل أن تعطي بياناتهم، أي كل المعلومات التي أعطوها عن أنفسهم، إضافة إلى سيول التدوينات التي وضعوها في حساباتهم على مدار سنوات؟
وكيف أجازت "ميتا" لنفسها استخدام كل تلك البيانات من دون أن تحصل على موافقة مستخدميها، بل تجاوزت حقوقهم في الخصوصية؟ وبالأصل، ما أهمية البيانات بالنسبة إلى برامج الذكاء التوليدي التي أعطاها "شات جي بي تي" شهرة مدوية منذ 2022؟
البيانات غذاء الروح ومادة الجسد
يتميز الذكاء التوليدي بقدرته على "إنشاء" محتوى جديد، أو يبدو كأنه كذلك، بالاستناد إلى 3 أشياء هي برمجيات متطورة وقوة حوسبة هائلة وفيوض من البيانات التي تتدرب البرمجيات عليها، وتشتق منها النصوص التي "تولّدها"، وكذلك تتعلم منها النماذج والأمثلة الضرورية لتعلم الأنماط واستخلاص معاني الكلمات والجمل وسياقاتهم وغيرها. باختصار، إن البيانات هي غذاء الروح، ومادة الجسد، بالنسبة إلى الذكاء التوليدي.
وبالتالي، يتوجب أن يكون "الغذاء" مرتفع الجودة كي يتطور الذكاء التوليدي ويكوّن طُرُق "تفكيره" الأسياسية [حسناً. ربما إنه لا يفكر فعلياً]، خصوصاً في "النماذج اللغوية الكبيرة" Large Language Models التي هي أساس تلك التقنية.
التنوع والشمول
كلما تنوعت البيانات واتسع المدى الذي تشمله، زادت قدرة النماذج اللغوية على "توليد" مخرجات أفضل. وبالتالي، يحتاج الذكاء التوليدي نصوصاً متنوعة تشمل الأدب والأخبار والتاريخ واللغة والقضايا الجارية والنقاشات المختلفة وغيرها. والأفضل لتلك التقنية أن تأتي فيوض البيانات من أكبر عدد من اللغات، كي تسانده في توليد نصوص تتناسب وسياقات ولغات مختلفة.
ولا يصعب ملاحظة مدى التحديات التي يواجهها الذكاء التوليدي في جمع واستخدام البيانات، بما في ذلك الخصوصية وحقوق الملكية الفكرية والحرية الفردية.
وبالتالي، تثير قضية الخصوصية مخاوف مرتفعة. وبداهة، يملك الأفراد حق الحصول على موافقتهم على استخدام بياناتهم الشخصية، وإخبارهم بكيفية جمعها واستخدامها.
ويضاف إلى ذلك أن البيانات عرضة للاختراق والسرقة من الشركات، ما يفاقم المخاطر على خصوصية بيانات الجمهور. وبديهي القول أن البيانات المتعلقة بالأطفال تشكل مسألة فائقة الحساسية في ذلك السياق، خصوصاً مع التشديد على حماية الأطفال على الإنترنت.
أسئلة عن توقف "ميتا"
في هذا السياق، أعلنت شركة "ميتا"، المُلاحقة قضائياً في 11 دولة أوروبية، أنها علّقت أخيراً خطتها لاستخدام بيانات مستخدميها الشخصية في برنامج ذكاء اصطناعي، بحسب إعلان من "اللجنة الإيرلندية لحماية البيانات".
وأشارت اللجنة إلى أنّ القرار يشمل المحتوى العام الذي يشاركه البالغون في فيسبوك وإنستغرام في معظم أوروبا.
ويذكر أن جمعية "نويب" النمسوية، التي تعنى بالحماية القانونية لبيانات الجمهور، طلبت من السلطات التدخّل "سريعاً" لمنع "ميتا" من تجاوز المعايير الأوروبية في تعاملها مع بيانات الجمهور.
وبحسب الجمعية النمسوية، تسعى "ميتا" إلى أن "تستخدم بشكل كامل" بيانات مليارات المستخدمين التي تجمعت لديها منذ العام 2007.
ماسك يسخر من "أبل"
في الإطار عينه، صرح الملياردير إيلون ماسك خلال هذا الشهر أنه سيحظر منتجات شركة "أبل" في شركاته إذا قامت الشركة بدمج تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي من شركة "أوبن إيه آي" في أنظمة تشغيلها، معتبراً إن "هذا انتهاك أمني غير مقبول".
وحدث ذلك بعد إعلان "أبل" عن إدخال عدد كبير من ميزات الذكاء الاصطناعي كتلك المتضمنة في "شات جي بي تي" في تطبيقاتها ومنصات التشغيل التي تمتلكها، وذلك بالاستناد إلى شراكة مع "أوبن إيه آي".
واستطراداً، زعمت "آبل" أنها أنشأت برنامجها للذكاء الاصطناعي مع وضع الخصوصية "في صميم بنائه". في المقابل، عبر ماسك عن رفضه لهذا الزعم، بل سخر منه واعتبره "سخيفاً بشكل واضح". وأضاف بلهجة ساخرة متهكمة، "شركة أبل ليست ذكية بما يكفي لصنع الذكاء الاصطناعي الخاص بها، ولكنها قادرة بطريقة ما على ضمان حماية أمنك وخصوصيتك من أوبن إيه آي".
يذكر أن ماسك كان قد رفع دعوى قضائية ضد "أوبن إيه آي"، التي شارك في تأسيسها في عام 2015، ورئيسها التنفيذي سام ألتمان، قائلًا إنهم تخلوا عن المهمة الأصلية للشركة الناشئة لتطوير الذكاء الاصطناعي لصالح البشرية وليس من أجل الربح.
بشكل عام، تُعتبر البيانات كغذاء أساسي لبرامج الذكاء الاصطناعي التوليدية، حيث تمثل المادة الخام التي تعتمد عليها النماذج لتوليد مخرجاتها. لكن استخدام البيانات كغذاء لبرامج الذكاء الاصطناعي التوليدية يُعدّ توازناً دقيقاً بين الاستفادة من البيانات لتحسين النماذج وضمان حماية خصوصية المستخدمين. من الضروري أن تكون السياسات والتقنيات مصممة بعناية لضمان الامتثال لمعايير الخصوصية والأمان، وتعزيز الثقة بين المستخدمين والمؤسسات التي تعالج البيانات.