النهار

"المجرمون حقيقيّون والضّحايا مزيّفون": روبوتات الدّردشة تقلُب الطاولة على المحتالين
المصدر: "النهار"
"المجرمون حقيقيّون والضّحايا مزيّفون": روبوتات الدّردشة تقلُب الطاولة على المحتالين
تصميم الذكاء الاصطناعي.
A+   A-
الأرجح أن لكل فعل ردّة فعل تساويه في القوة وتعاكسه في الاتجاه، بحسب قوانين الفيزياء لدى إسحاق نيوتن. وفي ظلّ موجة كاسحة من استخدام الذكاء التوليدي في الاحتيال وصنع المحتويات المزورة والزائفة، جاءت ضربة معاكسة من بروفسور أوسترالي صنع نموذجاً ذكياً يستطيع خداع روبوتات الدردشة التي يستعملها مجرمو الاحتيال الصوتي.
 
ويعرف الجميع عن الإمكانيات الكبيرة التي يملكها الذكاء التوليدي وقدراته على استنساخ الأصوات ومحاكاتها بشكل دقيق ومقنع إلى أقصى حدّ. ولا يحتاج المستخدم سوى تزويد نموذج للذكاء التوليدي بملفات صوتية لأي شخص، ليتمكن النموذج من محاكاة صوت هذا الشخص والتحدث به. وبمجرد انتهاء عملية تلقين النموذج يُصبح استخدامه سهلاً، ويمكن أن يُستغل لأغراض الاحتيال والخداع.
 
 
ضربة مضادة تحتال على المحتالين!
 
 
وأخيراً، جاءت ضربة معاكسة لصدّ ذلك الاحتيال، عبر استخدام الذكاء الاصطناعي لصدّ عمليات الاحتيال عبر الهاتف.
إذ أنشأ البروفسور دالي جعفر وفريقه، روبوتات الذكاء الاصطناعي للمحادثة والردّ على المحتالين، وبالأحرى الاحتيال على روبوتات الذكاء التوليدي المستخدمة في الخداع الصوتي. ومن خلال أبحاثه في جامعة ماكواري، أسّس جعفر شركة "آبيت" Apate لتكون متخصصة في هذا المجال.
 
وتهدف الشركة إلى التغلّب على عمليات الاحتيال عبر الهاتف باستخدام الذكاء الاصطناعي خلال المحادثة، مع الاستفادة من الأنظمة الذكية الموجودة بالفعل، والتي تستعملها شركات الاتصالات في متابعة المكالمات التي يمكن تحديدها على أنها واردة من المحتالين.
 
 
 
وشكّل جعفر مصدر إلهام لقلب الطاولة على المحتالين عبر الهاتف، على مبدأ "الاحتيال على المحتالين". وبحسب قوله، تمثّل "الهدف بخداع المحتال، وإضاعة وقته حتى لا يتحدث مع الآخرين".
 
وبالفعل، ابتُكِرَتْ شخصيات وهمية تحتال على المحتالين، مثل الرجل الأوسترالي العجوز والمراوغ "ليني"، المُصمّم لخداع محتالين يسوّقون بضائع أو خدمات زائفة عبر الهاتف.
 
بصوت ضعيف، يكرّر ليني عبارات مختلفة. تبدأ كل عبارة بعد 1.5 ثانية من الصمت، لتقليد إيقاع المحادثة مع شخص متقدّم في السن. وعلى ضوء ذلك، أصبح ذلك البرنامج المؤتمت للدردشة أسوأ كابوس للمحتالين عبر الهاتف.
 
 
 
الروبوتات بوصفها ضحايا
 
ومنذ كانون الأول (ديسمبر) 2020، استطاعت شركات الاتصالات في أوستراليا التصدّي لحوالى ملياري مكالمة هاتفية استُخدمت فيها روبوتات الدردشة الذكية بهدف الاحتيال الصوتي. 
 
وجزئياً، يرجع الفضل في ذلك إلى تمويل قدّمه "مكتب الاستخبارات الوطنية" بقرابة 720 ألف دولار، وهناك الآن نحو مئات الآلاف من "روبوتات الدردشة المحتالة التي صارت ضحايا [للنماذج الذكية المضادة لها]"، وهو عدد كبير جداً".
 
تتحدث الروبوتات المضادة للاحتيال بطرق تتناسب مع "الأعمار" المختلفة، وباللغة الإنكليزية ومجموعة من اللهجات. وتمتلك مجموعة من العواطف والشخصيات والاستجابات، وأحياناً تبدو ساذجة، وأحياناً متشككة، وأحياناً وقحة.
 
إذا اكتشفت شركة ما اتصالاً احتيالياً وحوّلته إلى نظام كـApate، فستعمل الروبوتات المضادة للخداع على إبقاء المحتالين مشغولين.
وكذلك، يختبر صنّاع الروبوتات المضادة استراتيجيات مختلفة، ويتعلّمون ما ينجح للتأكّد من بقاء المحتالين على الخط لفترة أطول.
 
وأثناء قيامهم بذلك، يستخرجون المعلومات ويكتشفون عمليات الاحتيال الجديدة، ويجمعون معلومات حول المدة التي تستغرقها المكالمة، والوقت الذي من المرجح أن يتصل فيه المحتالون، وما هي المعلومات التي يبحثون عنها، وما هي التكتيكات التي يستخدمونها.
 
ويأمل جعفر أن تعمل شركة "آبيت" على تعطيل نماذج الأعمال الاحتيالية، التي غالباً ما تديرها منظمات إجرامية كبيرة تبلغ قيمتها مليارات الدولارات. وتتمثل الخطوة التالية في استخدام المعلومات الاستخبارية المجمّعة، للتحذير المسبق من عمليات الاحتيال والتعامل معها في الوقت الفعلي.
 
ويضيف جعفر، "نحن نتحدث عن مجرمين حقيقيين يجعلون حياتنا بائسة"، متابعاً: "نحن نتحدث عن المخاطر التي يتعرّض لها البشر الحقيقيون".
 
 
الأدوات نفسها ذات حدّين... بين الخير والشر
 
في ذلك السياق، صرّح ريتشارد باكلاند، أستاذ الجرائم الإلكترونية في "جامعة نيو ساوث ويلز"، أن التكنولوجيا مثل Apate تختلف عن الأنواع الأخرى، بسبب تمرّسها في مكافحة الاحتيال عبر الخداع. وقال: "عادةً ما يمثل الاحتيال مشكلة. لكن هذه التقنية ذكية بالفعل".
 
ويضيف، أنه يمكن ارتكاب الأخطاء عندما يأخذ الأفراد الأمور بأيديهم. إذ يميل البعض إلى الذهاب إلى أبعد من ذلك، فيأخذون القانون بأيديهم.
 
لكنه اعتبر أن نموذج "آبيت" يستخدم الذكاء التوليدي لتحقيق الخير، بمعنى استعماله كنوع من "المصيدة" لجذب المجرمين.
 
يحذّر باكلاند من ضرورة وجود مستوى عالٍ من الثقة في أن شركات الاتصالات هي وحدها التي تحوِّل مكالمات الاحتيال الصوتي إلى روبوتات الذكاء الاصطناعي.
 
ويشير أيضاً إلى أن المنظمات الإجرامية قد تستخدم تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي لمكافحة الاحتيال لتدريب أنظمتها الخاصة. ويؤكّد أن "التكنولوجيا المستخدمة نفسها لخداع المخادعين يمكن أن تُستخدم في حدّ ذاتها لخداع الناس".
 
 

اقرأ في النهار Premium