النهار

ضحايا "بوينغ" لم يحمِهم التقدّم الصناعيّ المتطوّر والتمرّس في أنظمة الذكاء الاصطناعيّ للشركة
المصدر: النهار
تقدم "بوينغ" في صناعة الطائرات وبرامج الذكاء الاصطناعي المرتبطة به كنظام "مكاس "MCAS، إلا أنها أقرت بذنبها أمام القضاء في القوة الأميركية العظمى بشأن تحطم طائرتيها في رحلتين فصلت بينهما خمسة أشهر بين عامي 2018 و2019.
ضحايا "بوينغ" لم يحمِهم  التقدّم الصناعيّ المتطوّر والتمرّس في أنظمة الذكاء الاصطناعيّ للشركة
تعبيرية: حوادث طائرات نتيجة الخلل في أنظمة الإستشعار
A+   A-

 

إنهم بالعشرات، صعدوا إلى طائرة مطمئنين إلى الصيت الهائل والحقيقي للشركة الصانعة لها. وبالضد من كل الصور الكبرى، وهي حقيقية بشكل مذهل، عن تقدم "بوينغ" في صناعة الطائرات وبرامج الذكاء الاصطناعي المرتبطة به كنظام "مكاس "MCAS، إلا أنها أقرت بذنبها أمام القضاء في القوة الأميركية العظمى بشأن تحطم طائرتيها في رحلتين فصلت بينهما خمسة أشهر بين عامي 2018 و2019.

 

وبالتالي، ربما لا يكون مستغرباً أن وسائل إعلام غربية عدة رأت في "الإقرار بالذنب" صورة الشركة التي حلّقت عالياً ثم صارت شركة مجرمة.

 

السقوط إلى المدارج أم إلى الهاوية؟

 

منذ الإعلان في السابع من تموز (يوليو) الجاري، تدهورت سمعة شركة "بوينغ" بشكل ملحوظ. بعد أن أقرّت الشركة الأميركية بالمسؤولية عن التهم الموجهة إليها بالاحتيال، وذلك على خلفية حادثي تحطم طائرتين من طراز "ماكس 737" في عامي 2018 و2019، اللذين أسفرا عن سقوط ضحايا.

 

هذا الاعتراف، الذي يُعد الأشد إحراجاً للشركة حتى الآن، يضعها في موقف مشابه لموقف الجاني. وبالنظر إلى تاريخ "بوينغ" على مدى سنوات طويلة، يتّضح أن متابعتها للممارسات التجارية الأميركية التقليدية قد أصبحت الآن مصدر ندم لها.

 

بعدما نجت الشركة من حوادث وحوادث مع طائراتها في نقاط مختلفة في الماضي، فإن مشاكلها الحالية اندلعت بعد حادثة كانون الثاني (يناير) الماضي، التي شملت رحلة طيران ألاسكا والتي انتشرت كالنار في الهشيم بسرعة عبر الشبكة العنكبوتية، ووسائل الإعلام أيضاً.

 

علاقة مأساوية مع الذكاء الاصطناعي

 

بدأ استخدام طائرة "بوينغ 737 ماكس" لأول مرة في شهر أيار (مايو) من عام 2017. ومع مرور الوقت، تحولت إلى مصدر للأزمات في مجال العلاقات العامة. وقع حادثان مأساويان لطائرتين من هذا الطراز خلال فترة لا تتجاوز خمسة أشهر، نتجت عنهما وفاة 346 شخصاً.

 

وفي مأساة جوّية مروّعة، غرقت طائرة "ليون إير" في البحر قرب إندونيسيا في تشرين الأول (أكتوبر) لعام 2018، وقتل كل ركابها الـ189. وبعد نحو خمسة أشهر، تهاوت طائرة "ماكس 737" تابعة للخطوط الجوية الإثيوبية، ومات 157 شخصاً كانوا على متنها.

 

 ولاحقاً، تبيّن أنّ عطلاً في نظام "مكاس"  MCASللتحكم الآلي الذي يديره "كومبيوتر التحكم بالطيران" Flight Control System كان وراء تلك المشاكل الفنية. وتختصر كلمة "مكاس" عبارة Maneuvering Characteristics Augmentation System للإشارة إلى دوره في تعزيز خصائص المناورة في الطائرة، بمعنى أنه يتدخل ويعدّل وضعية الطائرة حينما يكتشف أن أنفها مرفوع بشكل مفرط أثناء الطيران، مما يؤدي إلى خفض الأنف لتجنب الارتفاع الزائد.

 

 لكن في هذه الحوادث، أرسلت مستشعرات الطائرة إشارات مغلوطة إلى نظام "مكاس" بسبب عطل فيها، ما أدى إلى تحرك ذلك النظام بشكل خاطئ لخفض الأنف بينما كانت الطائرة في وضعية طيران صحيحة، ما تسبّب بالحوادث المؤسفة.

 

الأرجح أن الطيارين كابدوا لحظات مفزعة حيث حاولوا جاهدين استعادة السيطرة على طائراتهم، فيما تسببت البيانات الخاطئة بتفعيل نظام MCAS، الذي أجبر أنف الطائرة على الانخفاض مراراً وتكراراً، ما أدى إلى تحريك الطائرة في اتجاه مغاير لما كان يسعى الطيارون إليه. كان هذا صراعاً مأساوياً بين الإنسان والتكنولوجيا، حيث غلبت التكنولوجيا في النهاية، لكنها تسببت بمأساة دامية.

 

وفي خطوة تالية، أُجبِرت الشركة على تضمين مجموعة جديدة من التعليمات للطيارين بشأن إيقاف تشغيل نظام MCAS في حالة اعتقادهم بأن تفعليه جاء من طريق الخطأ.

 

وكذلك جرى تحديث هذه التعليمات في قوائم المراجعة الموجودة على متن الطائرة والموضوعة بتصرف الطيارين الذين يستخدمونها كمرجع في مختلف مراحل الرحلة الجوية، من الإقلاع حتى الهبوط. وجرى التأكيد على أهمية اليقظة والاستجابة السريعة في حالة الطوارئ.

 

وأُخبِرَت الشركات المشغِّلة لطائرات "ماكس 737" بوجوب إبلاغ طياريها بالتغييرات، وضرورة فهمهم لها والتدرّب عليها.

 

وقد شددت على أن هذه الخطوة تأتي في إطار التزامها بالسلامة والأمان، وتُعدّ جزءاً من جهودها المستمرة لتحسين أنظمة الطيران وتعزيز ثقة العملاء والطيارين في منتجاتها.

 

لا يغني حذر من قدر؟

 

لم تسر الرياح كما شاءت "بوينغ". وعلى الرغم من الإجراءات والتحديثات، تحطمت رحلة الخطوط الجوية الإثيوبية رقم 302 بعد بضعة أشهر.

 

وزاد من حدة المأساة في العلاقة بين أرواح البشر والتكنولوجيا الذكية، أن طاقم طيران الخطوط الجوية الإثيوبية جرّب الإجراءات الجديدة التي أرسلتها "بوينغ" بشأن تعطيل نظام "مكاس". والأرجح أن تلك الطائرة خرجت عن السيطرة، وكانت تغوص بسرعة كبيرة فيما عمل الطيارون عبثاً على استعادة السيطرة من نظام "مكاس".

 

تسبّب الحادث الثاني بتوقف عدد من الدول عن استخدام هذا الطراز. في اليوم التالي، سبقت الصين الدول كلها في التوقف عن استعمال "ماكس 737"، وتبعتها الهند ودول أخرى. وكانت الولايات المتحدة كانت من أواخر الدول التي قررت إيقاف الطائرة.

اقرأ في النهار Premium