"تخلَّى عن كلّ أمل، أيها الداخل هنا"! إنّها كلمات معروفة تستهلّ وصف الجحيم في الملحمة الشعرية "الكوميديا الإلهية" للإيطاليّ دانتي أليغري.
وحينما تذهلك نيران حرائق الغابات التي باتت معلماً متفاقم المأساوية في التغيير المناخي المعاصر، حاول أن "تخفّف" عن نفسك على طريقة جحيم دانتي، وليس جزافاً أن استُعمِلَت تلك الكلمة في وصف الأمين العام للأمم المتّحدة أخيراً، عن حرارة الأرض.
إذاً، لنتذكّر بعض المعلومات الأساسيّة والصادمة عن المناخ والتي لا تُتداول كثيراً، فكأنها مسكوت عنها.
أوّلاً، إنّ توقّف كلّ انبعاثات غازات التلوّث لا يوقف ظاهرة الارتفاع المتفاقم في حرارة الأرض!
ثانياً، حتى لو وصلنا بضربة عصا سحريّة إلى مستوى صفر تلوّث بالغازات المسبّبة للاحتباس الحراريّ، فسوف تستمرّ معاناة الأرض من خلال الكوارث المرتبطة بالارتفاع المَرَضي في حرارتها، بما في ذلك تكرار ضربات النيران الجامحة، لمدّة قرن أو أكثر.
ثالثاً، على عكس تباكيها المألوف في المؤتمرات العالمية، فإنّ الضرر الذي ألحقته الدول الصناعيّة الكبرى (خصوصاً الغربية) بالمناخ غير قابل للزوال في المدى المنظور، ولربما لن يختفي أبداً.
وربما تستفيد من تلك المعطيات شبه المسكوت عنها حينما تستمع إلى تغطيات إعلامية عن المناخ، ولعلّها تفسّر أيضاً اكتظاظ تلك التغطيات بمصطلحات كـ"التخفيف" و"التأقلم" والتخفيف" وغيرها.
مثلاً، يجري الحديث عن ضرورة لجم الزيادة في ارتفاع حرارة الأرض عن 1.5 و2 (درجة مئوية) عمّا كانت عليه قبل الثورة الصناعية. لكن، ماذا عن العودة إلى ما قبل تلك الثورة التي اشتعلت نيران مصانعها منذ القرن التاسع عشر، ولم تهدأ حرارة مصانعها اللافحة حتى الآن؟ هل بات ذلك مستحيلاً؟ وإذا صحّت تلك الاستحالة، فأيّ معنى لإخفاء ذلك، مع ضجيج هائل لشروحات تنأى عن تبيان الخلفيات المرعبة التي تتضمّنها؟ بدلاً من ذلك، يروج ضجيج تتوزع مروحته بين "نظرية المؤامرة" (دول وشركات وأموال و...) لتصل إلى الحديث عن تفاصيل منتزعة من سياقها العميق على غرار إعادة التدوير وبصمة الفرد من الكربون والوقاية من ارتفاع مستويات المسطحات المائية وغيرها.
عن الاحتباس الحراريّ المتفاقم
استكمالاً، من الوقائع غير المسكوت عنها أنّ الاحتباس الحراري مستمرّ في التفاقم والتصاعد.
وفي العام 2015، ظهر بحث جريء أنجره فريق بقيادة البروفيسور جايمس هانسن، من "جامعة كولومبيا" الأميركيّة. ولاحقاً، اشتُهر ذلك البحث بسبب جرأته وحديثه الواضح عن الأسس العلمية لتغيّر المناخ، خصوصاً ظاهرة الاحتباس الحراري المتفاقم.
بداية، لنتذكر أنّ الاحتباس الحراريّ له الفضل في إخراج الأرض من العصور الجليدية المتتالية، وبالتالي، فإنّه ظاهرة طبيعية أساساً. ولكن، ما يتسبّب في الكوارث المتعلقة بالمناخ، هو تفاقم الاحتباس وتصاعد حرارته، ما هو الدفء الذي احتضن حضارة الإنسان إلى جحيم يهدّد بالتهامها!
وقد موَّلَتْ وكالة "ناسا" دراسة البروفيسور هانسن التي نشرت على موقع مجلة "بلوس" التي ترعاها "المكتبة العلمية للإنترنت".
واستناداً إلى تلك الدراسة ومثيلاتها، من المستطاع إعطاء وصف مبسّط عن الاحتباس الحراري المتفاقم.
وباختصار، يدخل ضوء الشمس الغلاف الجويّ محمّلاً بكميات ضخمة من الحرارة التي تمتصها يابسة الأرض ومحيطاتها، قبل أن يرتد الفائض منها إلى الغلاف الجوّي حيث يعمل على تسخين الطبقات العليا الباردة فيه، والتي هي على تماس مباشر مع الفضاء الكوني البارد. وبالتالي، يأخذ ذلك الفضاء تلك الحرارة "المستجدّة" من الهواء المُسخّن الذي يعود إلى حالة البرودة، وتتخلّص الأرض من الحرارة الفائضة. وبالنتيجة، تبقى الأرض محتفظة بالدفء الذي يسهم في مسار الحياة والحضارة عليها.
الثورة الصناعيّة وانفلات مارد الحرارة
إذاً، يتعلّق الاحتباس الحراري بتوازن ضخم بين الكرة الأرضيّة بما فيها ومن عليها، وبين الغلاف الجوي وطبقاته ومكوّناته، والفضاء الكونيّ الذي تسبح فيه الأرض.
في المقابل، تضرّر الاحتباس الحراري المتوازن مع الثورة الصناعيّة التي انطلقت في دول الغرب في القرن التاسع عشر. ومع دخان المصانع والمواصلات الناجم أساساً من حرق الوقود الأحفوري (فحم حجري، ونفط وغاز)، تراكمت غازات التلوّث في الغلاف الجوي، وكوّنت ما يشبه الزجاج المعتم الذي يسمح لضوء الشمس وحرارتها بالوصول إلى الأرض، لكنّه يمنع خروج موجات الحرارة الفائضة من الارتداد إلى الفضاء عبر الغلاف الجوّي.
وبالتالي، تراكمت الحرارة تحت ذلك السطح الزجاجيّ المعتم، وشرعت في تسخين الكرة الأرضيّة وغلافها الجوي. وبالتالي، تحولت آلية الدفء الحراري إلى حرارة لاهبة تتصاعد باستمرار، مع بعض التقلّب المتأتّي من تعدّد العناصر التي تتداخل مع ظواهر المناخ.
واستطراداً، تمثّل ما لم يظهر أيّ تقلّب بثبات أحوال الطقس المتطرّف، برودةً وسخونةً واستمرار تمدّده في أرجاء الأرض.