لم يختر الرئيس الأميركي جو بايدن في إعلانه المفاجئ الانسحاب من سباق الانتخابات الأميركية لعام 2024 البيت الأبيض منبراً له. وتجاوز الرئيس الحالي كذلك وسائل الإعلام التقليدية، ونشر رسالة تحتوي ذلك الخبر على منصتي "إكس" و"إنستغرام".
يسلط الإعلان الرقمي للقرار الرئاسي الضوء على الكيفية التي أضحت بها وسائل التواصل الاجتماعي تشكّل المنبر الأساسي لنقل الأخبار للناخبين، خصوصاً في الدورة الانتخابية الأكثر فوضوية في عصرنا الحالي.
في الحقيقة، أدّى تطوّر وسائل التواصل الاجتماعي إلى إعادة تشكيل الطريقة التي يتفاعل بها المرشحون مع الناخبين وكيفية نقل الأخبار والرسائل السياسية خلال الانتخابات.
في الماضي، اعتمد المرشّحون بشكل أساسيّ على وسائل الإعلام التقليدية، مثل التلفزيون والراديو والصحف، للتواصل مع الناخبين. وبرزت المنصات لتؤدي دوراً استراتيجياً مثيراً للجدل. مثلاً، بدل معرفتنا برنامج مرشّح ما في مقابلات يحدّد أطرها القانون، أصبح الجمهور يتابع هؤلاء المرشحين عن طريق صفحاتهم ومواقعهم منتظراً المنشور والتغريدة وغير ذلك، من دون رقابة قانونية.
وفي هذا الخصوص، برزت "إكس" كمصدر رئيسي للجمهور الأميركي المتعطش للحصول على التحديثات السريعة وأخبار اللحظة، مثل المعلومات الأولية حول محاولة اغتيال الرئيس السابق والمرشح الحالي دونالد ترامب. وأكد ذلك تعليق الرئيسة التنفيذية للشركة ليندا ياكارينو بأن منصة "إكس" الاجتماعية تكون "حيث يحدث التاريخ". وانتُقِدَتْ تلك تغريدة ممن أشاروا إلى أن ذلك يحدث أيضًا على منصات أخرى مثل "إنستغرام". ونحن لا ننسى أن ماسك دعا القادة بكل صراحة إلى "النشر مباشرةً" على "إكس" و"عدم تسليم الدور إلى الوسطاء".
وفي سياق متصل، اعتبرت كاتي هارباث، مديرة السياسة العامة السابقة في "فايسبوك"، أن ما حدث "عزز الدور المهيمن الذي تؤديه وسائل التواصل الاجتماعي في الاتصالات السياسية والأخبار العاجلة"، معتبرة أن المنصات مكلفة لكنها فعالة "في توصيل الأخبار إلى أكبر عدد من الأشخاص بأسرع وقت ممكن".
ترامب وبايدن على الخطى نفسها
في السياق نفسه، أشارت "واشنطن بوست" إلى أن منشورات "فايسبوك" المرتبطة ببايدن زادت من نحو 300 في آذار (مارس) 2020 إلى أكثر من 600 في آذار 2024، فيما انخفضت منشورات ترامب من أكثر من 1000 في آذار 2020 إلى نحو 200 في آذار 2024، لكون الأخير لجأ إلى منصته الخاصة "تروث سوشيال" Truth Social.
وعلى خطى بايدن، أعطى ترامب أول ردّ علني له على محاولة اغتياله على "تروث سوشيال"، وحينما اختار السيناتور جي دي فانس نائباً له.
ووجدت رسالة بايدن تفاعلاً كبيراً عبر الإنترنت، وحصدت أكثر من 180 مليون مشاهدة، وأكثر من 700 ألف إعجاب في أول ساعتين من نشرها. وحصل منشوره في "إنستغرام" على أكثر من 1.1 مليون "إعجاب". وحتى في التغطية الإخبارية مباشرة بعد إعلان بايدن، علّق صحافيون على نشر الرئيس انسحابه على وسائل التواصل الاجتماعي وليس في خطاب متلفز من المكتب البيضاوي.
وفي هذا السياق، برزت منصات وسائل التواصل الاجتماعي منقسمة ولامركزية بشكل متزايد، فتدفق الليبراليون والمحافظون على المنصات الشبكية لمشاركة الأحداث الجارية والتفاعل معها. ومع تزايد دور السوشيال ميديا في الانتخابات، أجرت شركات التكنولوجيا الكبرى تغييرات جذرية على الطرق التي تتعامل بها منصاتها مع الأخبار والسياسة، محاولةً تفادي المخاوف من انتشار المحتوى السياسي والحساس الذي قد يكون مغلوطاً ومزيّفاً أحياناً.
وحققت "إكس" التحول الأكثر دراماتيكية، فاستخدمها ماسك لتبني الخطابات اليمينية، وصارت وجهة في سياسات الحزب الجمهوري. شمل ذلك قادة في الأعمال والتكنولوجيا استخدموا المنصة أيضاً لدعم آرائهم السياسية. ومع الوقت، تبلورت المنصة لتنتشر فيها نظريات المؤامرة والمعلومات المضللة مع عدد أقلّ من الحواجز والمراقبة.
نستطيع رصد ذلك الملمح المتصاعد مع استحواذ ماسك على "إكس"، (تويتر سابقاً)، وشروعه في بيع العلامات الزرقاء لكل من يدفع 8 دولارات شهرياً، ثم طرده فريق الثقة والسلامة من الشركة، ما جعل المنصة وجهةً للكثير من الانتقادات بعد غياب المساءلة والمراقبة.
مشهدية إعلامية مختلفة
تتمتع السوشيال ميديا كوسيلة للإعلام الانتخابيّ بميزات تشمل:
- الوصول إلى الجمهور الواسع، إذ تسمح للمرشحين بالوصول إلى جمهور كبير بشكل مباشر وفوري، مما يجعلها أداة فعالة لنقل رسائلهم السياسية والأخبار إلى الناخبين من دون وسيط تقليدي، وبأسلوب قد يكون أقرب إلى العوام ومختلف الفئات العمريّة.
-التحكّم بالرسالة، تُتيح وسائل التواصل الاجتماعي للمرشّحين التحكّم بشكل أكبر برسائلهم. ويستطيعون تجنب "مَرْشَحات" وسائل الإعلام التقليدية ومشاركة أفكارهم مباشرة مع الناخبين.
- الإعلان والترويج، تُيَسِّر المنصات ذلك، خصوصاً عبر الإعلانات المدفوعة والحملات الدعائية المستهدفة.
- التأثير على القرار الانتخابي والتصويت، تعتبر منصات التواصل الاجتماعي أداة قوية لتشكيل آراء الناخبين، مع السرعة في تبادل الآراء والمعلومات بينهم.
مثلاً، أدى "فايسبوك" دوراً بارزاً في الانتخابات الرئاسية 2016، حتّى أنه بعد إعلان فوز دونالد ترامب حينها، أشاد مارك زوكربيرغ، رئيس "ميتا"، بتأثير المنصة في السياسة، وبقدرة المنصة على تسهيل التواصل بين المرشّحين والناخبين.
وفي مقلب مغاير، ثمّة تحديات ومخاطر تتزايد مع الاعتماد على وسائل التواصل الاجتماعي في الاستحقاقات السياسية الكبرى، خصوصاً ظواهر الأخبار الزائفة والمغلوطة والتلاعب بالمعلومات، التي قد تتفاقم مع تطور تقنيات التزييف العميق بما يصعِّب على البشر التمييز بين الحقيقة والخداع.
كذلك يتعرض المرشّحون والناخبون للمضايقات على وسائل التواصل، وإنشاء ما يُسمى بـ"فقاعات المعلومات" حيث يتعرض الجمهور للمعلومات التي تُؤكد آراءه ولا تخالفه، مما يُعيق الحوار البنّاء. وثمة إمكانية لأن تُؤثر خوارزميّات المنصات على ما يراه الناس على المنصة، بما في ذلك التحيّزات المتضمنة فيها. ولعل السؤال الأبرز اليوم يتمثل في كيفية تعامل الجمهور مع المنصات ودورها المتنامي في التأثير عليه خلال الانتخابات الأميركية المُقبلة.