اعتبر ساندر بيتشاي، رئيس شركة "ألفابت" Alphabet، أن "خطر الاستثمار غير الكافي يفوق بشكل كبير من خطر الاستثمار المفرط". جاء كلام بيتشاي في سياق الحديث عن طفرة الذكاء الاصطناعي. وبشكل أكثر تحديداً، مسألة بناء المزيد من مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي المخصصة لشركات الحوسبة السحابية التي تتعامل مع "ألفابيت" العملاقة، مالكة محرك البحث "غوغل".
ومن المتوقع أن ينمو الإنفاق الرأسمالي لشركة "ألفابت" بنحو الـ50 في المئة هذا العام، ليرتفع إلى 48 مليار دولار، سينفق معظمها على الذكاء الاصطناعي.
وكذلك تقدر شركة "نيو ستريت" للأبحاث، أن شركات "ألفابت" و"أمازون" و"ميتا" و"مايكروسوفت" ستنفق معًا 104 مليارات دولار على بناء مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي هذا العام. وإذا أضفنا إلى ذلك الرقم ما ستنفقه شركات التكنولوجيا الأصغر حجمًا والصناعات الأخرى، فقد يصل الإجمالي بين عامي 2023 و2027 إلى 1.4 تريليون دولار.
قلق يساور المساهمين
إن حجم هذا الاستثمار رغم عدم التيقن من مردوديته الربحية في الكمية والزمن، يثير قلق المساهمين. وفي المقابل، لا تظهر شركات التكنولوجيا العملاقة ميلًا كبيرًا لتقليص استثماراتها الآن.
ويعتبر ذلك خبراً ساراً للعديد من المستفيدين من طفرة الذكاء الاصطناعي. وقد تحدثت معظم العناوين الرئيسية عن شركة "إنفيديا" Nvidia، الشركة المصنعة لشرائح الذكاء الاصطناعي والتي اعتَلَتْ خلال الشهر الماضي قائمةالشركات الأكثر قيمة في العالم. ولكن هناك المئات من المستفيدين من الذكاء الاصطناعي، من مصنّعي الخوادم التايوانيين إلى شركات الطاقة الأميركية وغيرهم. وقد شهد العديد منهم ارتفاع في الطلب منذ إطلاق برنامج "شات جي بي تي" في عام 2022، وهم يستثمرون وفقًا لذلك.
الاستثمار في الذكاء الاصطناعيّ
يمكن تقسيم الاستثمار في الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع إلى قسمين. يذهب نصفه إلى شركات تصنيع الرقائق، مع كون "إنفيديا" المستفيد الرئيسي. وينفق الباقي على شركات تصنيع المعدات التي تحافظ على تشغيل الرقائق، بدءًا من معدات الشبكات إلى أنظمة التبريد.
ولتقييم ما يجري، اطلعت صحيفة "إيكونوميست" على بيانات 60 شركة في ذلك القطاع. فمنذ بداية عام 2023، ارتفع متوسط سعر سهم الشركات بنسبة 106 في المئة، مقارنة بزيادة بنسبة 42 في المئة في مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" للأسهم الأميركية. خلال تلك الفترة، ارتفعت مبيعاتهم المتوقعة للعام 2025 بنسبة 14 في المئة في المعدل.
تمثَّل أكبر الرابحين في شركات تصنيع الرقائق ومصنّعي الخوادم. إذ شكلت "إنفيديا" قرابة ثلث الارتفاع في المبيعات المتوقعة. إذ يُنتظر أنها ستبيع 105 مليارات دولار من رقائق المخصصة للذكاء الاصطناعي والمعدات المتعلقة بها هذا العام، ارتفاعًا من 48 مليار دولار في أحدث سنة مالية لها.
ومن المحتمل أن تبيع شركة "إيه إم دي" AMD، أقرب منافس لها، حوالي 12 مليار دولار من رقائق مراكز البيانات هذا العام، ارتفاعًا من 7 مليارات دولار.
في حزيران، ذكرت شركة "برودكوم" Broadcom، وهي شركة أخرى لتصنيع الرقائق، إن إيراداتها الفصلية في الذكاء الاصطناعي قفزت بـ280 في المئة، على أساس سنوي، إلى 3.1 مليارات دولار.
وبعد أسبوعين، ذكرت شركة "ميكرون" Micron، التي تصنع رقائق الذاكرة، إن عائداتها من مراكز البيانات قفزت أيضًا، بفضل الطلب المتزايد على تقنيات الذكاء الاصطناعي.
وتحصد الشركات التي تصنع الخوادم أيضًا أرباحًا طائلة. فقد كشفت شركات "ديل" و"هيوليت باكارد" أن مبيعات خوادم الذكاء الاصطناعي تضاعفت في الربع الأول من 2024.
كما أكدت شركة "فوكسكون"، وهي شركة تصنيع تايوانية، أن مبيعات الذكاء الاصطناعي تضاعفت ثلاث مرات خلال العام الماضي.
وفي السياق عينه، اعترف إيرل أوستن جونيور، رئيس شركة "Quanta Services"، وهي شركة تعمل في تصنيع معدات الطاقة المتجددة والنقل، مؤخراً بأنّ الارتفاع في الطلب على أعمالها في مراكز البيانات "فاجأه قليلاً".
وسيؤدي كل هذا الاهتمام إلى موجة أخرى من الاستثمار المحموم. ومن المتوقع هذا العام أن ترفع أغلب الشركات إنفاقها المالي. وتبني شركات عدّة مصانع جديدة، كـ"ويواينن" Wiwynn التايوانية و"سوبرميكرو" Supermicro الأميركية و"ليومِنتوم" "Lumentum" الأميركية أيضاً. وستزيد شركات كثيرة إنفاقها على البحث والتطوير.
عمليّات الاستحواذ
كذلك تستثمر بعض الشركات من خلال عمليات الاستحواذ. ففي هذا الشهر، أعلنت شركة "إيه إم دي" أنها اشترت شركة "سيلو أيه آي" Silo ai الناشئة، لتعزيز قدراتها في الذكاء الاصطناعي.
وفي يناير/كانون الثاني، أعلنت شركة "إتش بي إي" أنها ستنفق 14 مليار دولار لشراء شركة "جونيبر نتوركس" Juniper Networks المتخصصة في الشبكات. وفي ديسمبر/كانون الأول، أعلنت شركة "فيرتيف" عن شرائها لشركة "كول تيرا" أيضاً.
التهديد الأكبر؟
إن التهديد الأكبر لسلسلة توريد الذكاء الاصطناعي يأتي من تراجع الطلب. وفقاً للـ"إيكونوميست". ففي يونيو/حزيران، نشر بنك "غولدمان ساكس" وشركة "سيكويا" لرأس المال الاستثماري، تقارير تشكك في فوائد أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدية الحالية، وبالتالي حكمة الإنفاق الضخم لشركات الحوسبة السحابية عليها.
وإذا ظلت أرباح الذكاء الاصطناعي بعيدة المنال، فقد تخفض شركات التكنولوجيا العملاقة ما تنفقه من رساميل عليها، ما سيجعل سلاسل إمداداتها مكشوفة.
لقد أدى بناء المصانع إلى ارتفاع التكاليف الثابتة. ومن المتوقع أن يرتفع متوسط الإنفاق على الممتلكات والمصانع والمعدات في الشركات التي درستها "إيكونومست" بـ14 في المئة بين عامي 2023 و2025.
وبالتالي، يجب تحسين أدوات الذكاء الاصطناعي بسرعة، مع تبنّيها منْ قِبَل الشركات بشكل جماعيّ. ومن الواضح أنّ المخاطر في هذا القطاع باتت ترتفع بشكل غير مريح.