غصّت قاعة إيلي سلوان في مستشفى الجعيتاوي الجامعي، اليوم، بمجموعة من الباحثين والخبراء في مؤتمر "الذكاء الاصطناعي للابتكار الصحي العالمي". وجذب هذا الحدث، الذي يركز على دمج الذكاء الاصطناعي في مجالات الصحة العالمية، مجموعة واسعة ومتنوعة من الباحثين والحضور العاملين في مجال تعزيز الصحة العامة من خلال التكنولوجيا.
بدأ المؤتمر بكلمة للمدير العام لمستشفى الجعيتاوي الدكتور بيار يارد مشيداً بالدور الريادي للمستشفى في الخدمات والأبحاث منوّها بدور المعلوماتية والتكنولوجيا في تطوير الخدمات الطبّية.
بدوره، قدّمت السيدة شيتالي سينها، الأخصائية الرئيسية في البرامج في المركز الدولي لبحوث التنمية (IDRC) في كندا، نظرة شاملة حول مبادرات شبكة الذكاء الاصطناعي للاستعداد والاستجابة للأوبئة والجائحات في الجنوب العالمي (AI4PEP) وIDRC، مشددة على الدور الحاسم للذكاء الاصطناعي في تعزيز الاستعداد والاستجابة للأوبئة.
الجلسة الأولى: تعزيز المراقبة الوبائية من خلال الذكاء الاصطناعي
قاد الجلسة الأولى كلّ من الدكتور سها كنج، أستاذة الطب ورئيسة قسم الأمراض المعدية في الجامعة الأمريكية في بيروت، والدكتور معين جمّال، اختصاصي في الطب الباطني والمناعة السريرية في المستشفى اللبناني الجعيتاوي الجامعي.
خلال هذه الجلسة، قدّم الدكتور إيلي سالم-سخن، الأستاذ المساعد في علم الأحياء الدقيقة السريرية في جامعة بيروت العربية ورئيس قسم الأحياء الدقيقة في مستشفى الجعيتاوي الجامعي مشروع EMERGENT LEBANON المموّل من AI4PEP. شرح الدكتور سالم-سخن أهداف المشروع في أتمتة بيانات المختبرات لتعزيز قدرات المراقبة الوبائية في لبنان بواسطة الذكاء الصناعي.
بعد ذلك، قدم الدكتور خريستو المرّ، أستاذ المعلوماتية الصحية ومدير مركز البحوث النسائية في جامعة يورك، مراجعة شاملة حول أنظمة الإنذار المبكر للأوبئة والجائحات المعتمدة على الذكاء الاصطناعي. شدد تحليل الدكتور المرّ على الإمكانيات الهائلة للذكاء الاصطناعي في التنبؤ وإدارة الأزمات الصحية وعلى ضرورة التنبّه لمعالجة سلبيّات الذكاء الصناعي كالتمييز بين الناس.
ثمّ ناقش الدكتور أنطوان صعب، مدير الجودة وسلامة المرضى في مستشفى الجعيتاوي الجامعي والباحث المشارك في المعلوماتية الطبية في جامعة السوربون، تطوير لوحة تحكم نموذج التعلم الآلي لمراقبة مسببات الأمراض الوبائية. أكد الدكتور صعب على أهمية تحليلات البيانات في الوقت الفعلي في تجنّب أو تخفيف من تهديدات الصحة.
اختتمت الجلسة بأسئلة وأجوبة، حيث شارك الحضور في مناقشة حيويّة حول تأثيرات هذه التطورات في الذكاء الاصطناعي.
الجلسة الثانية: الصحة العامة واستخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي
استكشفت الجلسة الثانية عددًا من المشاريع اللبنانية التي تعمل على تطبيقات تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في الصحة العامة. فقدمت السيدة نور الأرناؤوط، مديرة مركز NGOi في معهد الصحة العالمية في الجامعة الأمريكية في بيروت، دراسات حالة حول استخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين نتائج الصحة للفئات الاجتماعيّة المهمّشة وخاصة النساء الحوامل بين اللاجئين، مع التركيز على الاعتبارات الأخلاقية والتحديات. بينما ناقش الدكتور شادي عبد الله، مدير المركز الوطني للأخطار الطبيعية والإنذار المبكر في المجلس الوطني للبحوث العلمية في لبنان، دمج المعلومات الجغرافية والذكاء الاصطناعي للإنذار المبكر واتخاذ الإجراءات المناسبة بشأنها. أظهر الدكتور عبد الله كيف يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي للتعامل استباقيًّا مع حالات الطوارئ الصحية العامة.
وأخيراً، عرض الدكتور خليل الأسمر، أستاذ مساعد ومنسق برنامج الدراسات العليا في علم الأوبئة في الجامعة الأمريكية في بيروت، نموذجًا مبتكرًا للذكاء الاصطناعي لتشخيص الخرف باستخدام تحليل الكلام باللغة العربية باللهجة اللبنانية. يحمل هذا النهج المبتكر وعدًا للكشف المبكر وإدارة أفضل للخرف في المنطقة.
اختتمت هذه الجلسة أيضاً بجلسة أسئلة وأجوبة، مما أتاح منصة لمزيد من الاستكشاف لدور الذكاء الاصطناعي في الصحة العامة.
وقد قاد هذه الجلسة السيدة ميلودي صيقلي، مسؤولة سلامة المرضى الرئيسية في مستشفى الجعيتاوي الجامعي وطالبة دكتوراه في تقييم التكنولوجيا الصحية والممارسة الطبية في جامعة ليل، فرنسا، والسيدة جيهان رحمة، منسقة الجودة السريرية في مستشفى الجعيتاوي الجامعي.
الطاولة المستديرة: الذكاء الاصطناعي للصحة العامة - الآثار السياسية والأخلاقية ركزت الطاولة المستديرة الأخيرة على الآثار السياسية والأخلاقية للذكاء الاصطناعي في الصحة العامة. فأكدت السيدة كلارا أبو سمرة، مديرة البرامج في مركز المعرفة والسياسات ومدرسة الصحة العامة في قسم إدارة الصحة والسياسات في الجامعة الأمريكية في بيروت، على الحاجة إلى أطر حوكمة قوية لضمان استفادة جميع شرائح المجتمع بشكل عادل من التقدم في الذكاء الاصطناعي. بينما سلطت السيدة لينا أبو مراد، مديرة البرنامج الوطني في وزارة الصحة العامة اللبنانية، الضوء على أهمية تفعيل الاستراتيجية الرقمية الصحية في لبنان و العمل على تحضير البنى التحتية الرقمية في النظام الصحي اللبناني لتحضيره لاستخدام فعال للذكاء الاصطناعي، بالاضافة الى التوجيهات و الاطر التي تدعم الاعتبارات الأخلاقية في نشر الذكاء الاصطناعي.
وأضاف الدكتور يحيى اللهيب، أستاذ مشارك في جامعة كالجاري في كندا، إلى النقاش من خلال معالجة التحديات والفرص في استخدام الذكاء الاصطناعي لدعم سياسات الصحة العامة، والتنبّه إلى الآثار الاجتماعيّة للذكاء الصناعيّ. بينما ركّز الدكتور خريستو المرّ، أستاذ المعلوماتية الصحية في جامعة يورك، على الأبعاد الأخلاقية للذكاء الاصطناعي في البحث الصحي، داعيًا إلى اتباع نهج متوازن يحمي الحياة الإنسانيّة ويؤمّن العدالة في الحصول على الرعاية.
قادت الحوار السيدة سينثيا أبي خليل جمّال، مديرة التمريض في مستشفى الجعيتاوي الجامعي وطالبة دكتوراه في الصحة العامة والمعلوماتية الطبية في جامعة السوربون، فرنسا.
خاتمة
لم يُسلّط مؤتمر "الذكاء الاصطناعي للابتكار الصحي العالمي" الضوء على التقدّم الكبير الذي يتم تحقيقه في مجال الذكاء الاصطناعي للصحة فحسب، بل أبرز أيضًا دور لبنان الرياديّ في هذا المجال. تعتبر الأبحاث الرائدة التي عُرضت في المؤتمر دليلاً على الإمكانات العلميّة الهائلة للبلاد لاستخدام التكنولوجيا لتحسين الصحة العامة. إن تفاني الباحثين والمؤسسات اللبنانية في دفع حدود الذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية جدير بالثناء، ويعد بمستقبل علميّ غنيّ وصحة أفضل.