إذاً، إنها الروبوتات الحيَّة Living Robotics، أوالبيولوجية، الـ"بيوروبوتيكس" Biorobotics التي تُسمّى أيضاً "الروبوتات البيولوجية الهجينة" Bio-hybrid robotics. كلا، إنك لم تُخطئ في قراءة الأسماء التي تشير كلها إلى روبوتات تتمازج فيها الأنسجة البيولوجية الحية، مع الآلات الذكية.
ربما المثل "الأبسط" عنها هو اليد الروبوتية التي تُركَّب بدل اليد الفعلية، ويديرها الدماغ عبر الأعصاب التي اعتاد أن يتحكّم بواسطتها باليد المفقودة.
ولم تعد الروبوتات البيولوجية الحيّة مجرد مادة لعروض الشاشة البيضاء، مثل فيلم "تيرميناتور" Terminator. ومع تقدّم العلم والتكنولوجيا، ظهرت الروبوتات الحية المهجَّنَة كإحدى الابتكارات الرائدة التي تدمج بين كائنات حية وآلات ذكية.
روبوت بيولوجي هجين
يُمثّل تطوير الروبوتات البيولوجية الهجينة قفزة كبيرة في علمَيْ البيولوجيا التركيبية Synthetic Biology والروبوتات. وتوضيحاً، تمثل البيولوجيا التركيبية علماً حديثاً قوامه الاشتغال على مكوّنات جينية بسيطة ثم تطويرها ومكاثرتها، وبعد ذلك العمل على بناء تراكيب جينية متطورة وكبيرة، كمن يشيد مبنى حجراً تلو حجر وجداراً بعد جدار. ومثلاً، يمكن أخذ الجينات الموجودة في خلايا خميرة البيرة ثم تفكيكها وإعادة تنظيمها لتصبح فيروساً تركيبياً بمواصفات محدّدة.
وعلى عكس الروبوتات التقليدية المصنوعة من مواد غير عضوية، يُصار إلى الاستفادة من البيولوجيا، خصوصاً التركيبية، لصنع أنسجة حيّة قد تكون لبعضها مواصفات بشرية، تستطيع التفاعل مباشرة مع المكونات الإلكترونية، ما يتيح تصنيع روبوتات بقدرات مرتفعة وتتمتع بمرونة فكرية وجسدية متقدّمة.
بتعبير بسيط، السيارة الهجينة تجمع بين المركبة الآلية التي تسير بالوقود، ونظيرتها التي تعمل بالكهرباء. وفي أفق محمّل بالإشكاليات، يجمع الروبوت البيولوجي الهجين بين الإنسان، جسداً وعقلاً، وبين الروبوت بجسدة المؤتمت و"عقله" المركّب من الذكاء الاصطناعي المتطور.
ومن الواضح أنه مسألة تثير تحدّيات لا حصر لها، بما في ذلك الإشكاليات الأخلاقية.
في ورقة بحثية نُشرت في مجلة Proceedings of the National Academy of Sciences، حدّد فريق متعدد التخصصات القضايا الأخلاقية الفريدة التي تطرحها هذه التكنولوجيا والحاجة إلى الحوكمة السليمة فيها.
وذكر الباحثون أن المجال الأول للاهتمام الأخلاقي يتمثل بكيفية تفاعل الروبوتات الحيوية الهجينة مع البشر وبيئاتهم. وشدّدوا على ضرورة التأكّد من أن يسير ذلك التفاعل بصورة آمنة، بما في ذلك النواحي الاجتماعية والنفسية.
وفي السياق نفسه، تبرز مسألة حماية خصوصية الأفراد، خصوصاً إذا تمتعت الروبوتات البيولوجية الهجينة بقدرات حسية يمكنها مراقبة المعلومات الشخصية أو تسجيلها.
سلوكيات مستقلة
يثير الوضع الأخلاقي للروبوتات البيولوجية الهجينة الحيوية إشكالية وجدلية أخلاقية، ويتضمن هذا تحديد الاعتبارات الأخلاقية لهذه الكيانات، ومنها هل تمتلك الروبوتات الحيوية الهجينة قيمة بحدّ ذاتها؟ وما هي تلك القيمة تحديداً؟ يكتسب التساؤل أهمية خاصة إذا امتلكت تلك الروبوتات سلوكيات مستقلة أو تمتعت بقدرات حسية.
وفي سلسلة من تجارب المحاكاة، رسم العلماء سيناريوهات مثل استخدام روبوت بيولوجي لتنظيف المحيطات، لكن انفلات عمله قد يعطّل السلسلة الغذائية، وذراع روبوتية هجينة تعطي صاحبها تفوقاً على الآخرين وغيرها.
عبيد الآلة
وفي كتاب "الحياة 3.0: أن تكون إنساناً في عصر الذكاء الاصطناعي" Life 3.0: Being Human in the Age of Artificial Intelligence ، يستعرض الكاتب ماكس تِغمارك أفكاراً حول تأثير الذكاء الاصطناعي المتقدّم على مستقبل البشرية، وسيناريوهات عن معاناة الإنسان مستقبلاً في ظلّ الصعود النوعي المستمر للذكاء الاصطناعي. ويشدّد تِغمارك على التحدّيات الأخلاقية المستقبلية، على غرار مسألة السيطرة على هذه التقنيات وضمان أنها ستخدم البشرية ولا تهدّد وجودها.
ويرسم الكاتب صورة مستقبل يولد فيه ذكاء اصطناعي خارق، قد يسعى عبر "تفكيره" المستقل إلى ابتكار مشاريع قد يضع بعضها البشر في ورطة إذا لم تتوافق مع أهداف الإنسان.
ويرسم تغمارك سيناريو "عبيد الآلة" حينما يستعبد الإنسان الذكاء الاصطناعي المتطور، في مشهدية تشبه استعباد [أو ربما إفناء؟] إنسان هوموسيبيان الحديث لشعوب النياندرثال القديمة. ستنظر الروبوتات الفائقة إلى الإنسان بوصفه كياناً مغايراً عنها ومتخلفاً في الذكاء عنها، ما يشبه رؤية الإنسان الحالية للحيوانات وحقها في العيش، مع تسخيرها لمصلحته. ويمهّد لحصول هذا السيناريو توفّر بيانات رقمية ضخمة توثّق إساءة الإنسان الحالي لمعاملة الحيوانات، ما قد يعطي "مبررات" للذكاء الخارق في التعامل بفوقية مع البشر.
وفي سيناريو "الغزاة"، سيتصرف الذكاء الاصطناعي المتقدّم مع الإنسان على أنه غازٍ لكوكبه. كائن هجين عاجز عن ترتيب أموره ولا يفقه شيئًا، ويحتاج إلى مساعدة من الذكاء الرقمي لتطوير حياته. وسيعمل ذلك الذكاء المتطور على التخلص من الإنسان لأنه يستنزف موارده الذكية ويمهّد لحصول هذا السيناريو انتشار ظاهرة المساعدين الافتراضيين كـ "سيري" و"ألكسا".
وفي سيناريو "العودة إلى الجذور"، يرجح تغمارك أن تنتشر مجتمعات تشبه جماعة الـ"أميش" Amish الأميركية وأمثالها، التي ترفض الوسائل التكنولوجية، لكنها تلقى دعماً من شخصيات اشتغلت في التكنولوجيا كصانع الواقع المعزز جيرون لانير، والكاتب في صحيفة "غارديان" مارك بويل، الذي يكتب عن التكنولوجيا، علماً أنه ترك الوسائل الذكية وانعزل في غابة بريطانية ويراسل الجريدة بوسائل بدائية، ولديه عشرات آلاف المتابعين، وأثّرت فلسفته على جمهور واسع.
وكخلاصة، ثمة مجموعة هائلة من الأسئلة ترافق أفق الروبوت البيولوجي الهجين. هل يحق لنا تعديل الكائنات البيولوجية ودمجها مع الآلات لتحقيق أهدافنا؟ كيف يمكننا ضمان أن هذه الابتكارات لن تؤدي إلى استغلال الحياة أو الإضرار بالبيئة؟ ما هي الضمانات التي يجب وضعها لحماية الخصوصية والحقوق الفردية في عالم تتداخل فيه الحدود بين الإنسان والآلة؟