النهار

النهار

تأثير تغيّر المناخ والأنشطة البشريّة على "رئة البحر المتوسّط"
المصدر: رويترز
يتعرض النظام البيئي في البحر المتوسط لخطر كبير، حيث يواجه عشب بوسيدونيا أوسينيكا، المعروف بـ"رئة البحر المتوسط"، تحديّات غير مسبوقة نتيجة لتغّير المناخ وارتفاع درجات حرارة البحر، بالإضافة إلى غزو أنواع غريبة والأنشطة البشرية المباشرة بالقرب من السواحل.
تأثير تغيّر المناخ والأنشطة البشريّة على "رئة البحر المتوسّط"
"رئة البحر المتوسّط"
A+   A-
يتعرّض النظام البيئي في البحر المتوسط لخطر كبير، حيث يواجه عشب بوسيدونيا أوسينيكا، المعروف بـ"رئة البحر المتوسط"، تحدّيات غير مسبوقة نتيجة تغيّر المناخ وارتفاع درجات حرارة البحر، بالإضافة إلى غزو أنواع غريبة، والأنشطة البشرية المباشرة بالقرب من السواحل.
هذا العشب البحري الفريد، المستوطن في البحر المتوسط، يلعب دورًا أساسيًا في الحفاظ على استمرارية الأنشطة البحرية ومكافحة تغيّر المناخ.

تقول رملة بوهلال، مهندسة في الصيد البحري والبيئة البحرية وعضو جمعية أزرقنا الكبير: "البوسيدونيا معروفة بأنّها رئة البحر لأنّها المصدر الرئيسي للأكسيجين، كما أنّها تمتصّ كميات كبيرة من الكربون، وهو أحد المشاكل التي نعاني منها. بالإضافة إلى ذلك، هي مصدر غذاء الكائنات البحرية، حيث تعشّش فيها الأسماك وتضع بيضها وتحتمي من المفترسين، ما يجعلها ملجأً الكائنات البحرية".
وأضافت: "من المهمّ أن نعرف أنّ بوسيدونيا أوسينيكا نوع مستوطن في البحر المتوسط، وهي ميزة من ميزات بحرنا. في تونس، لدينا أكثر من 50 في المئة من البوسيدونيا الموجودة في البحر المتوسط.".
 
تتجاوز أهمية البوسيدونيا مجرّد إنتاج الأكسيجين، فهي وفقًا لدراسة نُشرت في مجلة "نيتشر جيو ساينسز"، تمتصّ ثاني أوكسيد الكربون بفاعلية أكثر بثلاث مرّات من الغابات الاستوائية.
 
وأضافت: "من المخاطر التي تواجه البوسيدونيا تغّير المناخ أو الاحتباس الحراري، ما يؤدّي إلى ارتفاع درجة حرارة مياه البحر. لكلّ نوع من الكائنات ظروف مواتية للنموّ، والبوسيدونيا تحتاج إلى درجة حرارة معيّنة لتنمو بشكل أفضل وتؤدّي وظيفتها بكفاءة. لكن مع الاحتباس الحراريّ، ترتفع درجة حرارة المياه، ما يجعل البوسيدونيا غير قادرة على النمو بشكل جيّد، وقد يؤدّي ذلك إلى انقراضها."
 
ويؤكّد أحمد غديرة، رئيس جمعية أزرقنا الكبير، على الدور البيئي المهمّ لهذا العشب، خاصّة في تنظيم المناخ.
وقال: "قمنا بمتابعة الموقع الذي تمّ استزراعه في إطار مشروع "المياريم" لاستزراع البوسيدونيا نظرًا للمخاطر التي تهدّدها. كما تمّ تركيز علامات للحدّ الأعلى للبوسيدونيا بالقرب من الشاطئ، وقمنا باستخراج عيّنات من الكربون الأزرق لقياس قدرة البوسيدونيا على تخزين الكربون العضويّ".
وتُظهِر أحدث دراسة للجمعية أنّ كلّ هكتار من عشب البوسيدونيا في خليج المنستير وجزر قوريا يمكنه تخزين أكثر من 350 طنًّا من الكربون.
الجهود جارية لحماية وإعادة إحياء هذا العشب، خاصّة في تونس. يعمل غديرة وفريقه على الحفاظ على العشب من خلال إعادة إحيائه إمّا بدون تدخّل عن طريق مراقبة تطوّره أو بالتدخّل عن طريق الزراعة.
 
وأضاف غديرة: "للمحافظة على هذه المنظومة ذات الأهمية الكبرى، نركّز على إعادة الإحياء السلبيّ من خلال المتابعة المستدامة لمعشبات البوسيدونيا، أو إعادة الإحياء النشط من خلال زراعة عشبة البوسيدونيا بإشراف مجموعة علمية وخبراء متخصّصين، كما فعلت جمعية أزرقنا الكبير مع شركائها في إطار مشروع "المياريم"، حيث قمنا بزراعة ألف متر مربع كتجربة علمية لمدى مردودية زراعة البوسيدونيا".
 
هذه الجهود للحفاظ على البوسيدونيا بالغة الأهمية، خاصّة أنّ تونس، على عكس دول مثل فرنسا، لا تملك قوانين تحمي النظم البيئية تحت الماء.
وأردف قائلاً: "من الخدمات البيئية التي تقدّمها البوسيدونيا هي الخدمات المناخية، حيث تتميّز بقدرتها على تخزين الكربون العضويّ، وهي تتجاوز حتّى قدرة غابة الأمازون على تخزين الكربون، وفقًا لدراسة أجرتها جمعية أزرقنا الكبير على معشبات البوسيدونيا في خليج المنستير وجزر قوريا.
ومع استمرار تهديد تغيّر المناخ لهذه "الرئة الخضراء" الأساسية للبحر المتوسط، يستمرّ السباق لحمايتها من أجل الأجيال القادمة.
وقالت رملة: "الكثير من الناس لا يعرفون أنّ البوسيدونيا ليست قمامة، فهي تلعب دورًا حيويًا سواء أكانت حية أم ميتة. في الخريف، تسقط أوراقها على الشاطئ وتكون مثل الحواجز التي تحمي البحر من الانجراف".