النهار

خيوط متشابكة تربط الأرض بالقمر
المصدر: النهار العربي
في ليلة 19 آب (أغسطس) 2024، شهدت السماء ظاهرة فلكية نادرة وساحرة تُعرف باسم "القمر الأزرق الخارق"
خيوط متشابكة تربط الأرض بالقمر
القمر والأرض ووشائج متنوعة بعضها شاعري (بيكساباي)
A+   A-
في ليلة 19 آب (أغسطس) 2024، شهدت السماء ظاهرة فلكية نادرة وساحرة تُعرف باسم "القمر الأزرق الخارق" Super Blue Moon، ليجمع هذا الحدث الاستثنائي بين ثلاث ظواهر قمرية مذهلة في آن واحد: القمر العملاق، والقمر الأزرق، وقمر الحصاد. وتحصل هذه الظاهرة حينما يرتفع القمر في السماء، فيكون أقرب إلى الأرض وأكثر سطوعًا من المعتاد، ما يمنحه حجمًا أكبر وإشعاعًا فضيًا يلفت الأنظار. 
 
يظلّ القمر أحد أكثر الأجرام الفلكية غموضًا وتأثيرًا على كوكب الأرض وساكنيه. وعلى الرغم من بُعده الشاسع، يربطنا به خيط خفي من التأثيرات التي تتراوح بين الفيزيائي والعاطفي.
فمنذ آلاف السنين، نظر الإنسان إلى القمر ليس فقط كمصدر للإلهام والرمزية، بل كقوة طبيعية تؤثر على المحيطات، والتوازن البيئي، والزراعة، وحتى على حالاته النفسية والجسدية. فكيف يمكن لجسم بعيد وصامت أن يلعب دورًا محوريًا في دورة الحياة على الأرض؟
 
القمر ونمو النباتات
الطبيعة نظام مترابط يلعب فيه كل عنصر دوراً أساسياً. ويُعتبر تأثير القمر على كوكبنا أحد أروع الظواهر الفلكية. فبالإضافة إلى تأثيره على المدّ والجزر والحياة البحرية، يبدو أن لأطوار القمر بعض التأثير على عالم النبات. ويجدر عدم المبالغة في ذلك، على الرغم من معتقدات شائعة عن تأثير القمر على النبات. ويكفي تذكّر أن جاذبية القمر تساوي كسر من ثلاثمئة ألف بالقياس إلى جاذبية الأرض. ويعود تأثير القمر على المسطحات المائية الكبيرة إلى المساحة السطحية الكبيرة لتلك التجمعات المائية، ما يتيح "تجمع" تأثير جاذبية القمر عليها.
أطوار القمر الأربعة
في العصور القديمة، وقبل ظهور التكنولوجيا الحديثة، كان المزارعون يعتمدون بشكل كبير على الطبيعة، وخصوصاً على القمر، لتنظيم حياتهم اليومية وأعمالهم الزراعية، وكانت مراحل القمر أشبه بالتقويم الطبيعي الذي يوجّه المزارعين في توقيت زراعة وحصاد محاصيلهم، ولا يزال بعضهم اليوم يلتزمون بتلك التقنيات التقليدية، مؤمنين بأن القمر يحمل في مراحله الأربع "أسرارًا" تعزز التناغم بين الإنسان والطبيعة، مع التذكير بغياب الدلائل العلمية عن تلك المعتقدات.
القمر الجديد: خلال هذه المرحلة، يُعتقد أنه الوقت المثالي لبذر البذور وزرع الشتلات، لأن جاذبية القمر منخفضة، ويُعتقد أن ذلك يعزز نمو الجذور القوية والنمو السريع للنباتات.
الربع الأول والربع الأخير: يُعتقد أن هذين الطورين يساعدان في نمو الأجزاء الهوائية من النباتات، مثل السيقان والأوراق. إنه وقت مناسب للقيام بمهام التقليم والتسميد، حيث يُعتقد أن النباتات لديها قدرة أكبر على امتصاص العناصر الغذائية خلال هذه الفترة.
اكتمال القمر: خلال هذه المرحلة، يُعتقد أن الجاذبية القمرية تكون في ذروتها، ما قد يؤثر على امتصاص النباتات للمياه. وعلى الرغم من أن مجموعة ضئيلة من الدراسات المتفرقة تشير إلى أن النباتات قد تنمو بشكل أسرع أثناء اكتمال القمر، إلّا أن معظم البحوث العلمية لا تؤيّد ذلك. ومع ذلك، لا يزال العديد من البستانيين التقليديين ينظرون إلى هذه المرحلة على أنها وقت ميمون لحصاد المحاصيل.
 
التأثيرات على سلوك الإنسان والحيوان وعلم وظائف الأعضاء
تخضع فسيولوجيا الإنسان والحيوان للإيقاعات الموسمية والقمرية والساعة البيولوجية، وعلى الرغم من أن الإيقاعات الموسمية والساعة البيولوجية موصوفة بشكل جيد إلى حدّ ما. وفي المقابل، لا يُعرف الكثير عن تأثيرات الدورة القمرية على سلوك وفسيولوجيا الإنسان والحيوان. 
وثمة من يرى أن الدورة القمرية تؤثر على التكاثر البشري، ولا سيما الخصوبة والحيض ومعدل المواليد. ويبدو أن مستويات الميلاتونين ترتبط بالدورة الشهرية وليس بأطوار القمر. 
وربما يفيد التذكير بأن الساعة البيولوجية في الجسم تؤدي أدواراً متعددة وأساسية ومثبتة علمياً، وهي تتصل بإيقاع الليل والنهار، وليس بالقمر بشكل مباشر. ومثلاً، تتأثر الساعة البيولوجية بالسفر الجوي لمسافات طويلة التي يتعرّض فيها الجسم لتغيّر إيقاع النهار والليل، وليس للقمر دور في ذلك.
وبحسب موقع Pubmed، أوردت بعض الدراسات أن القمر قد يؤثر على التغيّرات الهرمونية في مرحلة مبكرة من تكاثر الحشرات. ففي الأسماك، تؤثر الساعة القمرية على التكاثر وتتضمن محور الغدة النخامية - الغدة التناسلية. وفي الطيور، تختفي التغيّرات اليومية في الميلاتونين والكورتيكوستيرون خلال أيام اكتمال القمر. كما كان للدورة القمرية أيضًا تأثيرات على فئران التجارب في ما يتعلق بحساسية التذوق والبنية التحتية لخلايا الغدة الصنوبرية. 
ويرجّح أن الميلاتونين والستيرويدات الذاتية المنشأ قد تتوسط في التغيّرات الدورية الموصوفة للعمليات الفسيولوجية، وقد يتمّ تحفيز إفراز الهرمونات العصبية عن طريق الإشعاع الكهرومغناطيسي و/أو الجاذبية الجاذبة للقمر، لكن الآلية الدقيقة لتأثير القمر على البشر والحيوانات تنتظر المزيد من الاستكشاف.

   
التأثير النفسي
تشير بعض الدراسات إلى أن هناك ارتباطًا بين القمر الكامل وازدياد حالات القلق والاضطرابات العاطفية. هذا التأثير قد يكون مرتبطًا بالتغيرات في الإضاءة الليلية التي يؤثر فيها القمر الكامل على أنماط النوم والمزاج.
وعلى الرغم من مرور قرون من إلقاء اللوم على القمر في الأذى والتقلّبات المزاجية والأحداث الغامضة، إلّا أن الأبحاث العلمية حول هذا الموضوع تنفي ذلك.  
الخرافات والأساطير
القمر، بحضوره البهي في سماء الليل، كان دائمًا مصدرًا للخرافات والأساطير القديمة. ففي زمنٍ كانت فيه السماء مرآةً للغموض، نسجت الشعوب قصصًا حول تأثير القمر على الحياة البشرية، وكان يُعتقد أن اكتمال القمر يجلب الجنون، حيث يرتبط بظهور المستذئبين وتحول البشر إلى وحوش في الليالي المقمرة. وفي بعض الثقافات، كان القمر الكامل يُرى كنافذة للعالم الآخر، حيث تتجول الأرواح، وتزداد قوى السحر.
وفي ليالي الهلال الرفيع، كان البعض يعتقد أنه يجلب الحظ السعيد، وكانوا يلقون بأمنياتهم نحو السماء على أمل أن تحققها. على الجانب الآخر، كان الخسوف يُرى كنذير شؤم، حيث كانت الحضارات القديمة تؤمن أن وحشًا سماويًا يلتهم القمر، ما يستدعي الطقوس والشعائر لدرء الخطر.
وفي بعض الحكايات، قيل إن القمر هو ملاذ العشاق المنكوبين، حيث يجدون في ضوئه العزاء لأحزانهم، أو هو وجه إلهة تجسّد الجمال والغموض، تراقب الأرض بصمت. أما الخسوف، فقد كان يُنظر إليه على أنه معركة بين القوى الخيّرة والشريرة، حيث يحاول كائن شرير أن يلتهم القمر، ما يستدعي الشعوب القديمة لإطلاق أصوات وضوضاء لطرده.

اقرأ في النهار Premium