يشهد لبنان منذ بداية شهر تشرين الأول 2022 تفشّياً لمرض الكوليرا، الذي بدأ من المناطق الريفية في شمال لبنان، وانتشر في معظم المناطق، ليصل إلى عدد إجماليّ بـ406 حالات مخبريّة مؤكَّدة بتاريخ 2 تشرين الثاني 2022، وفقاً لسجلّات وحدة المراقبة الوبائيّة في وزارة الصحة اللبنانية.
وتُشكّل الفئات الفقيرة والمحرومة القاطنة في المناطق التي تعاني من سوء البنية التحتيّة الشريحة الأكثر تضرّراً، لا سيما في ظلّ تدنّي مستويات النظافة، وبؤس مرافق الصرف الصحيّ، بالإضافة إلى سوء معالجة مياه الصرف الصحي، وتلوّث مياه الشرب.
واستجابة لحالة تفشّي وباء الكوليرا في لبنان، يقوم المركز التعاونيّ للمراجع والبحوث حول مسبّبات الأمراض البكتيريّة (مشروع تعاونيّ بين الجامعة الأميركية في بيروت، ومنظمة الصحة العالمية (WHO-CC) ، وقسم علم الأمراض التجريبية وعلم المناعة وعلم الأحياء الدقيقة (EPIM) ومركز أبحاث الأمراض المعدية (CIDR))، حصرياً بالفحوصات المخبرية للضمة الكوليريّة، على مستوى الأدلة الظاهرية والجينية؛ وذلك بغرض مراقبة الجهود الجينوميّة على الصعيد الوطني للكشف عن أسباب تفشّي الكوليرا في لبنان، بناءً على طلب منظّمة الصحة العالمية ووزارة الصحة العامة اللبنانية.
وأكّد البروفسور غسان مطر (رئيس قسم علم الأمراض التجريبية وعلم المناعة وعلم الأحياء الدقيقةEPIM، ومدير المختبر في مركز أبحاث الأمراض المعدية CIDR في الجامعة الأميركية، ومدير المركز التعاونيّ مع منظمة الصحة العالمية) أنّ "مراقبة مرض الكوليرا على الصعيد الوطني شكّلت أمراً ضرورياً للاستجابة الصحيّة العامة في الوقت المناسب، ولتنفيذ تدابير مكافحة الوباء من قبل السلطات الرسمية لوقف انتشار العامل المسبّب لمرض الكوليرا".
وأضاف مطر أنّه "سيتمّ استخدام أحدث التقنيات مثل تسلسل الجيل التالي (NGS) في عمليّة فكّ رموز وهويّة ومصدر سلالة كوليرا المنتشرة في لبنان".
ورأى مطر أنه من خلال تسليط الضوء على الخصائص الوراثية المحدّدة لسلالة الضمّة الكوليرية المنتشرة يسهل تتبّع مصدر هذه السلالة، وبالتالي يمكن لوزارة الصحة العامة ربط هذه المعلومات بالبيانات الوبائية وتنفيذ التدابير المناسبة للسيطرة على انتشار الكوليرا.
وشدّد مطر على أن " فريق الجامعة الأميركية في بيروت تمكّن بواسطة اختبار العيّنات السريريّة (عيّنات البراز)، والعينات البيئية (المياه والصرف الصحي) والخضراوات، من تحديد سلالة واحدة من الضمّة الكوليرية المنتشرة في لبنان"، فتمّ العثور على السلالة التي تنتمي إلى Serotype O1 EL TOR OGAWA، وهي نوع التسلسل (ST) ST 69 المقاوم لعدد من المضادات الحيوية.
من الناحية التطوريّة، فإنّ سلالة الضمّة الكوليرية في لبنان تشبه السلالات التي تسبّب تفشّي المرض في سوريا والبلدان الأخرى، في الوقت التي لا تزال الاستجابة لحالات الطوارئ مستمرّة".
يقود البروفسور غسان مطر هذه الأبحاث والجهود المكثفة لكشف أسباب تفشّي الكوليرا في لبنان، فيما القيادة التقنية في هذا المشروع تعود للدكتور أنطوان أبو فيّاض (أستاذ مساعد في قسم علم الأمراض التجريبية وعلم المناعة وعلم الأحياء الدقيقة EPIM). ويُعتبر المركز التعاوني في الجامعة الأميركية في بيروت مع منظمة الصحة العالمية للمراجع والبحوث حول مسببات الأمراض البكتيرية WHO-CC المركز الرائد إقليمياً وعالمياً في مراقبة الكوليرا والأمراض المعدية الأخرى.
تُعرّف الكوليرا بأنها عدوى إسهاليّة حادّة تسبّبها بكتيريا ضمّة الكوليرا. في أغلب الأحيان، تكون العدوى خفيفة أو معتدلة أو من دون أعراض، فيما قد تكون شديدة في بعض الأحيان، فتسبّب إسهالاً مائيّاً غزيراً وقيئاً مصحوباً بأعراض أخرى، بل يمكن أن تكون مهدّدة للحياة.
ينتقل فيروس الكوليرا وينتشر في الأماكن بسبب عدم كفاية النظافة وسوء مرافق الصرف الصحيّ وتلوّث مياه الشرب
يوصي الدكتور مطر بأن يتّخذ الناس إجراءات وقائيّة تتعلّق بالنظافة، ومياه الشرب، واستخدام المطهّرات لغسل الفواكه والخضراوات.