في العام 2020، بلغ معدل الوفاة العالمي 152 وفاة لكل 100 ألف ولادة حيّة، بعد أن سجّل 151 حالة في العام 2019. وقد أظهر تقرير جديد للمراكز الأميركية الخاصّة بالسيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC) أن 22% من هذه الوفيات تحدث أثناء الحمل، و25% تحدث في يوم الولادة أو في غضون أسبوع بعد الولادة، وأكثر من 50% من الحالات تحدث بعد فترة تتراوح بين أسبوع وسنة من الحمل.
تشكّل أمراض القلب والشرايين السبب الأول لوفاة الحوامل بنسبة 38%، تليها اضطرابات الصحة العقلية مثل الانتحار والمخدرات بنسبة 23%، في حين يُشكّل النزيف 14% من نسبة وفيات الحوامل، لتحلّ أخيراً العدوى والالتهابات بنسبة 9% من حالات الوفاة.
لكن الأهمّ من هذه الأرقام أن 80% من هذه الحالات يمكن الوقاية منها، وهنا تكمن الحاجة إلى التوعية أكثر بأهمية التخطيط الآمن للحمل، والمتابعة الصحيّة المناسبة للمرأة الحامل طوال فترة حملها.
ولكن ماذا عن أسباب وفاة الحوامل في لبنان في ظلّ الأزمة الاقتصادية وتعذّر الوصول إلى الرعاية الصحية وانقطاع أو ارتفاع أسعار بعض الأدوية للحالات الطارئة؟ وكيف تواجه الحوامل المخاطر، التي قد ترافق الحمل، في ظلّ عدم المتابعة المستمرّة أو التوعية؟
بالرغم من كلّ هذه السوداوية التي يتخبط فيها البلد، يؤكد الاختصاصي في الجراحة النسائية والتوليد، ورئيس اللجنة التقنية لكورونا والحمل الدكتور فيصل القاق لـ"النهار" أن لبنان حافظ على مستوى جيّد في رعاية الأمهات ووقايتهن من خطر الوفاة، فنجح في تحقيق أهداف الألفية الخامسة والهدف الثالث من أهداف التنمية المستدامة 2030، إذ خفّض معدّل وفاة الأمهات بنسبة 75%، بالرغم من الصعوبات التي واجهها، والتي تجلّت بزيادة الولادات في صفوف اللاجئين السوريين أو الصعوبات الأخيرة الناجمة عن الأزمة الاقتصادية – السياسية ووباء كورونا. وبالتالي، انتهت الجهود إلى معدّل رسمي لوفاة الأمهات هو 23 وفاة لكلّ مئة ألف ولادة حيّة".
يشير القاق إلى أنه في العام 2021 ، "تضاعفت وفيات الحوامل في لبنان نتيجة انتشار متحور #دلتا، الذي تميّز بعوارضه ومضاعفاته الشديدة، خصوصاً على بعض الفئات، ومنها الحوامل اللواتي لم يحصلن – لسبب أو لآخر – على وقاية مقبولة، وكانت مستويات التلقيح لهذه الفئة متدنّية جداً. وعليه، كان متحوّر دلتا السبب المباشر وراء نصف وفيات الحوامل في لبنان.
أما الوفيات الأخرى فتعود لعوامل وأسباب مختلفة، قد يكون أحدها عدم القدرة على الوصول المبكر للرعاية الصحية (التأخير في طلب المساعدة أو عدم القدرة المالية على طلب الاستشارة الطبية)، وعدم التحضير للحمل (عدم التقصّي المبكر عن مشكلات مرضيّة أو مزمنة)؛ وهذا ما ساهم في زيادة مخاطر الوفاة عند الأمهات، وبعضها غير مرتبط بجائحة كورونا، لكنّه يعود إلى الأزمة المالية - الاقتصادية التي أدّت دوراً في تأخير الوصول إلى الرعاية خلال الحمل، وساهمت في زيادة الوفيات.
ولكن ماذا عن الأدوية المطلوبة خلال الحمل والحالات الطارئة؟
يوضح القاق بأن "الأدوية الأساسية مثل الفيتامينات والحديد وغيرها، التي تحتاجها المرأة خلال حملها، متوافرة بالرغم من ارتفاع أسعارها. ولكن في بعض الأحيان كان هناك فقدان لأدوية مطلوبة خاصّة بالحالات الطارئة (مثلاً وقف النزيف...)، ممّا يؤثر بالتالي على طريقة معالجة هذه الحالات.
في لبنان، يعود التأخّر في متابعة الحمل أو تراجع عدد الزيارات إلى أسباب ماليّة، كارتفاع تكلفة رعاية الحمل وارتفاع أسعار الأدوية على بساطتها، إضافة إلى تكلفة الاستشفاء العالية عند وجود عوارض خطيرة أو مضاعفات صحيّة. وانطلاقاً من ذلك، أثرت الأزمة الاقتصادية بشكل واضح في تأخّر الحوامل عن طلب الرعاية الطبية، مقابل التأخّر في تقديم الإجراءات والتدخّل الطبيّ المطلوب في الوقت المناسب.
وعليه، يرى القاق أنه "يُمكن للمرأة الوقاية من هذه المخاطر من دون تكلفة عبر الحفاظ على المتابعة للحدّ الأدنى من الزيارات إلى الطبيب (4 جلسات)، والالتزام بنظام غذائيّ سليم، والحفاظ على وزن طبيعيّ، والابتعاد عن العادات السيّئة والمخاطر، والتخطيط للحمل، والتأكّد من عدم وجود أمراض مزمنة أو جديدة، والتأكّد من عدم تناول أدوية قد تؤذي الجنين. وهذه الإجراءات البسيطة يُمكن أن تحدث فرقاً وتساعد على حمل سلسٍ وآمن والتقليل من مضاعفات الحمل والوفاة".
وعن أسباب الوفاة عند الحوامل، يُعدّد القاق بعضها شارحاً "أن أغلبيّة المضاعفات وحالات الوفاة عند الحوامل والأمهات تكون خلال الولادة أو بعدها. ويتصدّر النزيف الأسباب الرئيسية المسؤولة عن الوفاة، إذ يحدث عادة بعد الولادة، ويكون مسؤولاً عن معظم وفيات الأمهات في العالم، وليس في لبنان فقط. وتجدر الإشارة إلى أن أغلبية هذه الوفيات تُسجّل في الدول النامية.
أما السبب الثاني فيعود إلى حمّى النفاس أو الالتهابات في فترة ما بعد الولادة".
هذا بالنسبة إلى مخاطر ما بعد الولادة، أما الأسباب المسؤولة عن وفيات الحوامل خلال الولادة فتعود بشكل أساسيّ - وفق القاق - إلى "التسمّم الحمليّ أو ارتفاع الضغط الحمليّ، كما يؤدي قصور أحد الأعضاء الأساسية في الجسم وعدم معالجته أو كشفه إلى التفاعل خلال الحمل وصولاً إلى الوفاة، بالإضافة إلى الإصابة بأمراض مزمنة وخطيرة وغير مسيطر عليها، والإجهاض غير الآمن الذي يُسبّب نزيفاً".
عوامل مؤثرة
وتؤدّي بعض العوامل المؤثرة دوراً في زيادة مخاطر المضاعفات والوفيات خلال الحمل، منها:
* الزواج المبكر وحمل القاصرات الذي يعرّضهن لمخاطر شديدة
* وجود مشكلات وأمراض صحية
* الحمل في عمر متقدّم
* البدانة
* التدخين خلال الحمل
* تعاطي المخدرات والكحول
* سلوك المرأة (عدم الحضور لمتابعة حملها).
وقد أظهرت الدراسات أنّ المرأة، التي تتابع حملها، لديها مخاطر أقلّ للوفاة خلال الحمل مقارنة بالمرأة التي لا تتابع حملها.
وفي العودة إلى نموذج معدل الوفيات في منظمة الصحة العالمية، تظهر الأسباب الثلاثة الرئيسية للتأخر:
1- التأخر في الحصول على الرعاية الطبية في الحالات الطارئة.
2- التأخر في الوصول إلى مركز الرعاية المناسب والملائم.
3- التأخر في الحصول على الرعاية عند الوصول إلى المركز.
وفي النهاية، شئنا أم أبينا لا يُمكن إنكار أو إخفاء أن هذه الأزمة أرخت بانعكاساتها السلبيّة على الصحة الإنجابية بطريقة أو بأخرى، وتبقى الوقاية والتخطيط الآمن للحمل أفضل سبيل للتقليل من مخاطر مضاعفات الحمل ونِسَب الوفيات.