"مرّة جديدة نطلق صرختنا، هي صرخة وجع مرضى السرطان ولكن هذه المرة صرختنا مختلفة عن كلّ الصرخات". بهذه الكلمات تُطلق ألسي عون نداء الاستغاثة ليسمع المعنيون صوتها ومعاناة كلّ مريض سرطان.
تتساءل عون ألا يكفي أننا حُرمنا من العلاج ومن الرعاية الاستشفائية، اليوم دقّ جرس الإنذار بعد الاعلان عن انقطاع دواء الـ"مورفين"، ليس فقط في الصيدليات واّنما تبلّغنا أنّ الشركة المستوردة قد نفذ المخزون لديها".
شقيق عون مريض سرطان وهو بحاجة إلى كمية كبيرة من الـ"مورفين" يومياً و"الكمية الموجودة لدينا لا تكفي لعشرة أيام. ومن بعدها ماذا نفعل؟ قولوا لنا ماذا نفعل؟"
أدوية الأمراض السرطانية مقطوعة، أدوية الأمراض المزمنة أيضاً مقطوعة، وأدوية الـ"مورفين" مقطوعة مقطوعة... لم يعد للدواء مكان في لبنان، أصبح سلعة صعبة المنال وتراجعت صحة اللبناني. إنّها أم وأب وأخت وأخ وصديق وابن عم، إنّهم مرضانا الذين يكافحون باللحم الحيّ والصلاة هذا الخبيث الذي توغل في أجسادهم، .ويكافحون فساداً أخطر توغلاً في مجتمعهم، بدأ ينهش فرصتهم في إطالة أعمارهم
أكُتب على مرضى السرطان أن يموتوا كل يوم بحسرتهم؟ أكتب عليهم أن يستيقظوا على همّ تأمين الأدوية التي ما زالت مقطوعة برغم كل الوعود، وعلى آلامهم التي تشتد من دون أن يجدوا مسكّناً لها؟ متى وصلنا إلى هذا القعر في سوء المعاملة والاستغلال؟ من يتحمل مسؤولية ما وصلنا إليه في النظام الصحي والدوائي في لبنان؟
وفي هذا الصدد، تطمئن رئيسة مصلحة الصيدلة في وزارة الصحة الدكتورة كوليت رعيدي "النهار" أنّ "الأمور ستُحلّ قريباً، ولا مشكلة على هذا الدواء، ولكنّ إجراءات الأدوية المخدّرة عادةً تستغرق وقتاً أطول مقارنة بالأدوية الأخرى. ولقد وافقت وزارة الصحّة على طلب الوكيل وهي في انتظار موافقة مصرف لبنان لفتح الاعتماد لها، ومن المتوقّع أن تحلّ خلال اليومين المقبلين."
وفي اتصال مع أكثر من صيدلية للاستفسار حول الموضوع أكدت جميعها أن الـ"مورفين" مقطوع منذ أكثر من شهر ولم نستلم أي كمية جديدة.
نعترف أنه مهما كتبنا عن المرضى الذين يصارعون أمراضهم المستعصية والمزمنة بذل وصمت وقهر تبقى محاولاتنا نقطة في بحر عذاباتهم.
غرّد رئيس اللجنة النيابية الصحية الدكتور عاصم عراجي قائلاً "الوضع الدوائي والاستشفائيّ وصل الى الانهيار الكبير، أدوية مهمّة غير موجودة كأدوية السرطان والمناعة وامراض العين والأمراض المزمنة وأمراض الكلي، فواتير استشفائية ودوائية تدمي القلب، المئات معرّضون لفقدان ابصارهم وتدهور حالتهم الصحية التواصل مع المؤسسات الطبية الدولية لإنقاذ المرضى". لكن من يسمع له؟ من يسمع لصراخ المرضى وعائلاتهم؟ من يسمع لكلّ من يطالب بحقوقه في الطبابة والعيش... أمل العيش والمحاولة.؟!
يقرر رئيس جمعية "بربارة نصار" هاني نصار أن يرفع الصوت أكثر للجريمة التي ترتكب بحقّ المرضى بشكل عام ومرضى السرطان بشكل خاص: "ألا يكفي أنّ مرضى السرطان محرومون من الأدوية السرطانية التي تساعد على شفائهم أو استقرار حالتهم، هم اليوم محرومون من الـ"مورفين
للتخفيف من آلامهم التي تنهش أجسادهم الضعيفة. ما يجري جريمة لا يمكن السكوت عنها ومع ذلك لم يحرك احد ساكناً لتغيير هذا الواقع الأليم".
لم يُفرج عن الأموال بعد لتحرير الدواء، المرضى في قبضة المصرف المركزي والمستوردين، التعويل على تأمين تمويل خارجي لحل أزمة الدواء، وفي انتظار تحقيق ذلك إذا حدث، على مرضى السرطان أن يتحملوا أوجاعهم والسرطان الذي ينمو في داخلهم من دون اعتراض. هذا ما تحاول الدولة القول لهم بطريقة غير مباشرة "تحملوا آلامكم لأننا مفلسون"، تحملوا حتى اشعار آخر لأننا عاجزون عن فعل شيء.
ويشرح نصار أن "دواء MST بعياراته المختلفة مقطوع منذ فترة وهو دواء "مورفين" يؤخد بالفم لتخفيف آلام المرضى. وبعد أن كان MST عيار 60 و100 مقطوعاً منذ فترة، تفاجأنا ايضاً بانقطاع عيار 10 و30، ولم يعدّ امام المرضى سوى تحمّل آلامهم بالإضافة إلى انقطاع أدويتهم التي تحرمهم من فرصة الشفاء. يتناول بعض المرضى حبتين واحدة من عيار 100 وأخرى من عيار 20 للتخفيف من آلامهم، أما اليوم يستحيل عليهم تناول أيّ شيء لأنه غير متوفر ببساطة. كما يحتاج بعض المرضى خصوصاً الذين هم في مرحلة متقدمة من السرطان إلى الـ"مورفين" بشكل دائم، لكنه غير متوفر، والبديل عنه ( برغم من أن سعره أغلى وعياراته قليلة) بات مقطوعاً أيضاً."
وقد علمت النهار أنّ "حبوب الـ"مورفين" وأهمها دواء MST غير متوفر في بعض الصيدليات الحائزة على موافقة وزارة الصحة لبيعه منذ شهرين، وأن الوكيل لم يُسلمها أيّ كمية جديدة، أمّا الـ"مورفين" الذي يعطى في المصل ما زال موجوداً في المستشفيات، والمشكلة محصورة في حبوب الـ"مورفين" التي تباع في بعض الصيدليات."
وحسب ما يتمّ التداول به أن المصرف المركزي لن يدفع المستحقات السابقة للمستوردين كما كان مقرراً والطلبات الجديدة تستغرق وقتاً وكمياتها محدودة نتجية الميزانية المرصودة لها. ندور في الحلقة نفسها منذ اشتداد الأزمة ولا حلّ ينقذ المرضى على اختلافهم من هذا السجن الكبير.