كان عنوان قمة التغير المناخي في دورته الـ27 في شرم الشيخ "لحظة فارقة" محطة مفصلية أمام أكبر التحديات التي يواجهها العالم اليوم مع ظاهرة التغير المناخي. نحن في سباق مع الوقت، تحاول الدول تلقف الآثار الكارثية لتغير المناخ بما تيسّر، إلا أن التحدي الأكبر هو في اتخاذ خطوات عملية من أجل خفض حرارة الكوكب.
دقّ المجتمعون في القمة ناقوس الخطر أمام المخاطر التي تهدد العالم، تظهر الآثار السلبية لهذه الأحداث في العديد من مجالات الحياة، ولا يقتصر الضرر على أنظمة الغذاء والزراعة والموارد المائية والهجرة والعمالة فحسب، بل يمتد ليؤثر على صحة الأفراد، بما في ذلك صحتهم الجنسية والإنجابية.
يؤكد الاختصاصي في الجراحة النسائية والتوليد، ورئيس مجموعة صحة المرأة العربية الدكتور فيصل القاق لـ"النهار" أن "تأثيرات التغير المناخي لا تؤثر فقط على صحة المرأة والحمل وإنما على الأجيال القادمة، وما شهدته الدول الأوروبية من مظاهرات تطالب "بوقف حرق أولادنا" إلا عينة من الأزمة العميقة والمستقبلية التي تهدد أولاد المستقبل. وكما بات معلوماً للتغير المناخي تأثير واضح على الجنين في رحم أمه، فما هو الحال لآلاف الأجنة الذيت سيولدون بتشوّهات ومشاكل صحية في السنوات المقبلة. المسألة ليست ظرفية أو تُعنى بالوقت الحاضر وإنما حالة طارئة تستوجب التحرك السريع تفادياً لما قد نشهده في المستقبل".
ويتحدث القاق عن 3 محاور تتعلق بالتغير المناخي، المحور الأول يتناول الاحتباس الحراري، المحور الثاني يشمل تلوث الهواء والمحور الثالث يتمحور حول تقلبات الطقس، إلى جانب الأوبئة التي تتأثر في البيئة وغياب العدالة الاجتماعية المرتبطة أيضاً بتغير المناخ.
والأهم أن التغير المناخي نحو الأسوأ بدأ منذ 40 عاماً وليس وليد اليوم، ووفق المؤشرات، من المتوقع أن ترتفع درجة الحرارة العالمية درجة ونصف بين 2030 و2050 في حال لم تنجح الدول في كبح هذا التغير واتخاذ خطوات عملية سريعة.
وما علينا معرفته وفق القاق أن هذا التغير المناخي من ضمن تأثيراته العديدة، هناك تأثير واضح على الصحة العامة. وفي النظر إلى الكوارث مثل الفيضانات والجفاف والأعاصير والحرائق، يبدو واضحاً التأثير المباشر على سلامة التغذية والحوادث ( الغرق والكسور والوفيات) وانتشار الأوبئة بشكل أسرع وانتقال الأمراض المنتقلة عبر المياه الملوثة وتراجع الخدمات الصحية وانقطاع الامدادات الصحية، وصحة المرأة الحامل.
وتعتبر المنطقة الصحراوية الأكثر تأثراً بهذا التغير المناخي، لاسيما الخليج العربي المصنف بالمناخ الصحراوي. وقد أصدرت الأمم المتحدة والكلية الأميركية للنساء والتوليد مؤخراً، إرشاداً حول الآثار الصحية الناتجة من التغير المناخي على المرأة الحامل.
ولكن لماذا المرأة تحديداً؟ يشرح القاق أن المرأة تتعرض أكثر من غيرها لتحديات وظروف عديدة، وهذا التعرض ناتج من الوضع الاقتصادي - الاجتماعي للمرأة والذي يعتبر أسوأ وأدنى عموماً من المستوى العام (هي أكثر فقراً ونسبة البطالة أعلى)، التمثيل السياسي والمؤسسات القانونية والقضائية أقل وبالتالي هي معرضة أكثر سواء نتيجة لغياب الإمكانيات المادية أو الثقافية التعليمية أو غياب قدرتها على فرض سياسات معينة.
لماذا الفقر أساسي في تعرض المرأة أكثر للتغير المناخي؟ لأنه بالنظر إلى العالم، يعيش مليار و300 مليون شخص في العالم الثالث تحت خط الفقر وتُشكّل النساء 70 في المئة من هذه الشريحة. وعليه، أظهرت الدراسات وجود رابط واضح بين المخاطر الصحية عند المرأة والتغير المناخي، كيف؟
يؤثر التغير الحراري على:
* سن البلوغ (في سن مبكرة)
* اضطرابات في الدورة الشهرية
* الخصوبة
* الحمل
* مرحلة انقطاع الطمث
* الصحة النفسية
* الأجنّة
ويحدث كل ذلك نتيجة التأثر بكل أوجه التغير المناخي، بالإضافة إلى وجود المرأة في مكانة أدنى، ما يزيد من معاناتها.
أما التأثير المباشر للتغير المناخي على الحمل، فيتمثل وفق القاق بـ:
- الولادة المبكرة
- أجنّة صغار الحجم
- الموت المفاجئ للجنين
- نمو وتطور الدماغ
إذ يؤدي الاحتباس الحراري إلى تحريك بعض العمليات الجراحية عند المرأة ويُسبب صدمة حرارية للمرأة يؤدي إلى تقليص حجم الجنين لأنه يؤثر على التغذية في الدم، كما يزيد من احتمال ارتفاع الضغط الحملي، إلى جانب المشاكل في الخلاص التي تؤثر على الحمل والجنين. كما يُسبب الاحتباس الحراري جفافاً عند المرأة الحامل الذي له تأثير كبير على صحة المرأة والجنين.
وبالاستناد إلى دراسة نُشرت في 2020 أن تأثير التعرض للاحتباس الحراري والصدمة الحرارية في المراحل الأولى من الحمل مشابه للتعرض للأشعة التي قد تُسبب تشوهات عند الجنين.
أما بالنسبة إلى التغير المناخي الناتج من تلوث الهواء، نعرف أن تلوث الهواء يحتوي على ترسبات لمواد سامة ومضرة (أوزون- أول أكسيد الكربون...) التي تتنشقها المرأة الحامل وتترسب في رئتيها وبعضلات القلب والخلاص. ونتيجة ذلك، يتأذى الجهاز التنفسي والقلب عند المرأة الحامل ويؤدي إلى طلق مبكر، وقد أظهرت الدراسات أن الحوامل اللواتي تعرضن لهذه الترسبات السامة 18% منهن كن عرضة أكثر لطلق مبكر ولولادة أجنّة صغار الحجم.
كما يؤثر تلوث الهواء على مريضة الربو وله تأثيرات على تطور الجهاز العصبي وأيضاً أمراض في القلب على الجنين في المستقبل. بالإضافة إلى تأثيره على خفض معدل الخصوبة ومعدلات إكمال الحمل عن طريق تقنية طفل الأنبوب.
في حين أن تأثير التغيّرات المناخية يتمثل بهجرة الناس وهروبهم من مكان إلى آخر (بسبب الفيضانات والأعاصير والحرائق) ما يُعرضهم إلى حوادث مثل الكسور، الجروح، إعاقة وربما الوفاة، بالإضافة إلى أمراض منقولة عبر المياه نتيجة انتقالهم من المنزل إلى خيمة، انقطاع سلامة الغذاء والدواء وتراجع الرعاية الصحية. وهذا الواقع يؤثر على مراحل وصحة النساء وتحديداً الحمل ويزيد معدلات الاعتداء الجنسي والعنف...أضف إلى ذلك زيادة في نسبة انقطاع متابعة الحمل وعدم تناول أدوية ضرورية تؤثر على نمو الجنين وصحة الحمل، كما زيادة خطر ارتفاع الضغط الحملي، النزيف، احتمال الولادة القيصرية بنسبة أكبر وولادة أجنّة صغار الحجم.
كما يتحدث القاق عن زيادة انتشار الأوبئة نتيجة التغير المناخي مثل فيروس الزيكا، الملاريا وربما كوفيد_19، الذي أدى إلى ارتفاع معدلات ايقاف الحمل وفقر الدم عند الجنين والأم، بالإضافة إلى الأجنة صغار الحجم والولادة المبكرة والوفاة داخل الرحم.
كذلك يؤثر التغير المناخي على العدالة الاجتماعية المتعلقة بالصحة الجنسية والانجابية عند النساء، حيث يتعرضن للعنف الجنسي، التمييز القائم على النوع الاجتماعي، واللاعدالة المناخية.
وما يستدعي دق ناقوس الخطر أن هذه التأثيرات لها تداعيات على الأجيال القادمة والناس معرضون لأمراض أكثر ولتأخر في نمو الدماغ وغيرها من المشاكل. وبناءً عليه، تبقى التوعية أساساً في مواجهة هذه التحديات وتثقيف الحوامل حول مخاطر التغير المناخي والعمل مع مؤسسات عالمية أخرى لإصدار سياسات جديدة لمواجهة التغيّرات المناخية.