النهار

"كهرباء القلب" خذلت حسين وراوغت قلب زميلته في المدرسة... ماذا كشفت والدتها لـ"النهار"؟
ليلي جرجس
المصدر: النهار
"كهرباء القلب" خذلت حسين وراوغت قلب زميلته في المدرسة... ماذا كشفت والدتها لـ"النهار"؟
في داخل غرفة العمليات (تعبيرية).
A+   A-
عندما كتبنا عن وفاة الطالب حسين علي العشّي كانت الدموع تسبق الكلمات، لا لمعرفة شخصيّة جمعت بيننا، بل لأنّه ككلّ الأشخاص الذين رحلوا بهذه الطريقة المفاجئة، يُوقظ فينا الحزن والحرقة، فيما الوطن ما يزال بحاجة إلى من يبذل جهوداً مضنية على طريق التوعية المناسبة في الموضوعات ذات الصلة.

حلّ الموت المفاجىء ضيفاً ثقيلاً على حياتنا. نرفضه لأننا نعرف أن "فحص بسيط" يمكنه إنقاذ الكثير من الأرواح. الموت حقّ ونسلّم بأنه "القضاء والقدر"، ولا قوة تعلو فوق مشيئة الخالق، ولكن بعض الأمور يمكن تفادي كأسها المرّة بمجرّد إجراء تخطيط لكهرباء القلب. بهذه البساطة يُمكن تجنّب ألم الخسارة والموت مرّة أخرى عند الشباب الذين تغدرهم قلوبهم الصغيرة بطريقة مفاجئة، ومن دون أيّ إنذار!

اليوم ستكون قصّة هذه الصبية خير دليل على أن الوقاية ممكنة، وأن النهاية ليست دائماً حزينة في مسألة كهرباء القلب، إذا كان التشخيص مبكراً. الوقت ثمين، فكيف إذا كان في ميدان الصحة؟

نحن لا نخاف إلا بعد أن نتذوّق كأس الموت والخسارة؛ هذه هي طبيعتنا البشرية التي تخاف الأمور التي لا تعرفها، وهذا ما حصل مع بعض أهالي زملاء الطالب حسين الذي خطفه الموت نتيجة نوبة قلبيّة مفاجئة.

كان وقع الموت ثقيلاً على زملاء حسين في الصّف، وعلى كلّ مَن عرفه؛ كان ابن الـ17 عاماً على وشك الاحتفال بتخرّجه في المدرسة قبل دخوله إلى عالم أكبر. لم يتسنَ له الاحتفال مع أصدقائه في الصفّ بنهاية الدراسة، إذ خذله قلبه بسرعة مخلّفاً مأساة وصدمة كبيرتين.

ولكن هناك من يعمل في الخفاء لإبعاد كأس الموت عن عائلة أخرى لم تكن تعرف أن ابنها أو ابنتها تعاني من خلل في كهرباء القلب. هناك جمعيّات أُنشئت بجهود أهلٍ خسروا أيضاً أولادهم نتيجة هذا الموت المفاجىء والخلل في كهرباء القلب، وأرادوا إنقاذ أرواح شابة أخرى حتى لا تقاسي وتذُوق الألم ولوعة الخسارة والأسئلة الكثيرة التي لا نملك أجوبة شافية عنها جميعاً.

كان موت الطالب حسين قاسياً وموجعاً، ولكنّه كان حافزاً لكثيرين لإجراء تخطيط للقلب كخطوة احترازيّة. فبعد حادثة وفاته، قدّمت جمعيّة "قلب ريمي ربيز" (@RemyRebeizYoungHeartFoundation) فحصاً مجانيّاً للقلب لزملائه في الصف، فلبّى بعضهم النداء، وأرادوا إجراء الفحص، فيما البعض الآخر لم يحضروا ولم يبالوا.
 
 
 
وفي التفاصيل، حسب ما روت والدة الشابة، ابنة الـ17 عاماً، لـ"النهار" أن "وفاة زميلهم في الصف شكّل صدمة كبيرة. ولأن الموت كان بطريقة مفاجئة، قدّمت جمعية "قلب ريمي ربيز" فحصاً مجانياً للمتابعة، وللتأكّد من عدم وجود أيّ مشكلة في قلوب الطلاب الباقين. وكانت ابنتي من بين الأشخاص الذين توجّهوا إلى المركز لإجراء تخطيط كهرباء القلب. لم تكن تشعر بأيّ عارض سابق، ولم نكن نتوقّع أن تخفي وراء قلبها مشكلة قد تكون سبباً لوفاة مفاجئة أخرى".

لم تكن المرة الأولى التي تجري فيها الطالبة تخطيط قلب. لقد أجرت الفحص سابقاً منذ 4 سنوات، ولكن وفق ما تقول والدتها "إمّا أن المشكلة لم تكن قد ظهرت بعد، وإمّا أن الطبيب لم يقرأ جيّداً الفحص، وكانت النتيجة وفق قراءته طبيعية". ولكن بعد يومين من إجراء الفحص الثاني، تلقّينا اتصالاً من الطبيب يطلب فيه إلينا الحضور. وهناك كانت المفاجأة، لقد كانت ابنتي تعاني من متلازمة "وولف باركنسون وايت"، وحالتها لا تُعتبر دائماً خطرة، ولكنّ حالة ابنتي كان يمكن أن تكون كذلك".

لم تكن العائلة تتوقّع سماع هذا الخبر، وبدأت رحلة الاستشارات الطبيّة لمعرفة ما الأنسب لها، ومن التفسير الطبيّ إلى العمليّة، انتقلت الشابة إلى غرفة العمليّات حيث خضعت "عملية ميل" لمدة ساعتين ونصف حيث تمّ كيّ الشريان الذي يعطي كهرباء إضافية.

برأي الوالدة، "ما جرى مع زميلها في الصّف كان بمثابة إشارة إنقاذ لابنتي التي كان يُمكن أن تواجه المصير نفسه لو لم نكتشف المشكلة في الوقت المناسب. لذلك، من المهمّ تكثيف التوعية بأهميّة هذا الفحص، وأن يقرأه طبيب اختصاصيّ في كهرباء القلب، لأنه الوحيد القادر على معرفة وتحديد المشكلة. لم تكن ابنتي تعاني من أيّ عوارض، لذلك اكتشاف المشكلة من خلال فحص بسيط كان خلاصها، وهي اليوم بصحّة جيّدة، وتمارس حياتها بشكل طبيعي".

لذلك تتوجّه إلى كلّ أمّ وأب بالقول "ما تخافوا، نعرف بظروف طبيعية إنو ابنا أو بنتا عندا مشكلة وإلها حلّ بالدوا أو بالجراحة، أفضل من انو نعرف بظروف مأساوية. وهذا ما حصل مع ابنتي التي اكتشفنا أنها كانت تعاني من متلازمة وولف باركنسون وايت، لقد أنقذت حياتها عن طريقة الصدفة، ولأنها لم تخف من إجراء الفحص "على صحة السلامة". لذلك لا تهملوا أيّ عارض قد يشعر به أولادكم، واستشيروا الطبيب المختصّ. فحص بسيط لا تتخطّى مدّته الـ5 دقائق قد ينقذ حياة أولادكم من الموت المفاجىء".
 
 
 
من جهته، يشرح الاختصاصيّ في كهرباء القلب الدكتور جوني عبود لـ"النهار" أن هناك أنواعاً قد تؤدّي إلى الوفاة المفاجئة، وأخرى قد تُسبّب ضعفاً في عضلة القلب، وأخرى من شأنها أن تُزعج الشّخص، ولكنها لا تُشكّل خطراً على حياته. تختلف أسباب ومشكلات كهرباء القلب كما تختلف نتائجها، وليست جميعها بالخطورة نفسها. كذلك ثمّة مشكلات في كهرباء القلب قد تُسبّب عوارض تحذيريّة مثل التعب، دقات القلب السريعة، الدوخة أو حالة الإغماء والألم في الصدر، وهو ما يكون كفيلاً بمعرفة المشكلة والتدخّل السريع، في حين أن البعض الآخر قد يعاني من عارض أوّلي فيكون الأخير ويتسبّب بالموت المفاجىء. لذلك يكون الفحص والكشف المبكر الأساس في إنقاذ قلوب المصابين من خلال العلاج أو التدخّل الطبيّ".

ويشير عبود إلى أن "الكشف المبكر وإجراء الفحص قد يُنقذان أرواحاً كثيرة، وهذا ما حصل مع هذه الطالبة الشابة التي من خلال الفحص الذي أجريناه بالتعاون مع جمعيّة "قلب ريمي ربيز" اكتشفنا أنّها تعاني من متلازمة وولف باركنسون وايت. وهي ليست المرة الأولى التي نكتشف فيها مثل هذه الحالات. ففي أغلب الأحيان، بعد حادث مأساويّ أو سماع قصّة شخص توفي نتيجة توقّف قلب مفاجىء يندفع البعض إلى إجراء هذا الفحص خوفاً على أولادهم. ولكن هذه التوعية وأهمّية إجراء هذا الفحص ليسا من أولويّات الدولة أو المواطنين، ولا يعرفون عنه إلا بعد وقوع المأساة. وعليه، إجراء الفحص يكون إمّا من خلال مبادرة إحدى الجمعيّات التي تعنى بهذا الموضوع أو من خلال خوف الوالدين بعد سماع حادثة مؤلمة لشباب توفوا نتيجة الموت المفاجىء".
 
 
ويؤكّد عبود أن "حالة الشابة التي تمّ اكتشافها كان يُمكن أن تؤدّي إلى توقّف مفاجىء للقلب، وقد أجرينا لها تدخّلاً طبيّاً من خلال كيّ خطّ الكهرباء الإضافيّ، الذي كان يُشكّل خطورة على حياتها. علماً بأنّها لم تكن تشعر بشيء، ولم تكن تعاني من أيّ عارض صحيّ سابقاً. ولكن من خلال إجراء تخطيط كهرباء القلب للطلاب في مدرسة الليسيه، تبيّن أنّ لديها هذه المشكلة ولو لم تكن تدري. وحالة هذه الشابة هي واحدة على 5000 حالة. ولكن من المهمّ أن نعرف أن ليس كلّ من لديهم هذه الحالة الطبيّة يعني أنّهم معرّضون لتوقف القلب المفاجىء".

وعن العلاجات الأخرى، يُشدّد عبود على أنّها تختلف حسب الحالة، ويمكن أن تكون من خلال الوقاية بتجنّب بعض أنواع الرياضة أو الأدوية التي قد تؤثر على كهرباء القلب، أو إعطاء حبّة دواء أو من خلال الكيّ أو من خلال زرع جهاز، علماً بأن مشكلات كهرباء القلب قد تكون في أغلب الأحيان بسبب عامل وراثيّ (جيني)، وهنا تكمن أهمية التوعية، خصوصاً للذين لديهم تاريخ عائليّ من الوفاة المبكرة أو الموت المفاجىء، الذين ننصحهم بإجراء فحوص لكلّ العائلة للتأكّد من عدم وجود أيّ مشكلة أو خلل في كهرباء القلب".

كانت حالة الشابة، التي عولجت، هي الحالة الوحيدة التي اكتشفت ضمن الذين أجروا هذا الفحص الطبيّ؛ واكتشاف حالتها كان عاملاً رئيسياً في إنقاذ حياتها. فقصّتها كقصص كثيرة، بعضها عرفنا بتفاصيلها، وبعضها لم تُروَ بعد، إلا أنّ الأهمّ من كلّ ذلك أنّه تمّ إنقاذها من خلال فحص بسيط قد يكشف عن وجود خلل ما في كهرباء القلب والأهمّ أن علاجه موجود.





اقرأ في النهار Premium