النهار

عوارض فيروس جدري القردة وعلاجاته... مسؤولة في منظمة الصّحة توضح لـ"النهار العربي": هل يصل إلى الدول العربيّة؟
ليلي جرجس
المصدر: "النهار العربي"
عوارض فيروس جدري القردة وعلاجاته... مسؤولة في منظمة الصّحة توضح لـ"النهار العربي": هل يصل إلى الدول العربيّة؟
عوارض جدري القردة (أ ف ب).
A+   A-
بعد بريطانيا وإسبانيا والبرتغال والولايات المتحدة وأستراليا وألمانيا وفرنسا، انضمت كل من إيطاليا والسويد إلى الدول التي سجلت فيها حالات إصابة بفيروس جدري القردة. وبرغم تحذير منظمة الصحة العالمية من "تزايد الحالات"، ودعوتها إلى تتبع قوي للمخالطين للحالات المصابة، إلا أن هذا التفشي يثير الرعب في النفوس من انتشار وباء جديد بعد جائحة كورونا التي ما زالت تتحكم بالعالم، برغم انخفاض الإصابات به.

هذا الفيروس الذي رُصد للمرة الأولى في جمهورية الكونغو الديموقراطية في السبعينات، وازداد عدد المصابين به في غرب أفريقيا في العقد الماضي، استدعى أخيراً حالة تأهب صحية بعد تسجيل إصابات به في دول أخرى.

ما زال من المبكر الجزم بنتائج علمية حول هذه الحالات المسجلة، وتسود حالة من الترقب والمتابعة العالم الذي بات أمام إنذار صحي، في انتظار ما ستكشفه الدراسات التي تُجرى اليوم للتأكد مما إذا كان نوع الفيروس هو نفسه أم نحن أمام متحور جديد.

وقال أويويل توموري، عالم الفيروسات الذي كان يرأس سابقاً الأكاديمية النيجيرية للعلوم وعضو في العديد من المجالس الاستشارية لمنظمة الصحة العالمية لوكالة "أسوشيتد برس": "كل يوم أستيقظ وهناك المزيد من البلدان المصابة... هذا الأمر يفاجئني".

وأشار إلى أن "هذا ليس نوع الانتشار الذي شهدناه في غرب أفريقيا، لذلك قد يكون هناك شيء جديد يحدث في الغرب".

فهل هذا الانتشار المتواصل لفيروس جدري القردة يستدعي فرض قيود كما شهدنا مع فيروس كورونا؟ وهل علينا القلق من هذه الحالات المتزايدة؟ أسئلة كثيرة تُجيب عنها الدكتورة أليسار راضي، رئيسة الفريق التقني بمنظمة الصحة العالمية في لبنان لـ"النهار العربي".

* سُجل في دول عدة، ومنها فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا وأستراليا والبرتغال حالات لافتة من فيروس جدري القردة كانت سابقاً محصورة في بعض دول أفريقيا، ما هي أسباب ظهورها في دول أخرى وهل لفيروس كورونا علاقة بعودة هذا الفيروس بصورة أوسع؟

طبيعة الفيروسات أنها تظهر دائماً بين الحين والآخر في العالم، لكن 3 عوامل رئيسية تلعب دوراً مؤثراً في ظهورها بشكل أكبر.

1- العامل الأول: يساهم السفر والتنقل في الإسراع بنقل الفيروسات، خاصةً التي تنتقل عبر الملامسة الجسدية أو عدوى مباشرة من مسافة قريبة. وقد ينقل الشخص المصاب بالفيروس العدوى من بلد إلى آخر بسهولة أكبر.

2- التحولات المناخية التي تؤثر على بعض الفيروسات
3- قدرة أكبر على التشخيص، وذلك نتيجة توافر تقنيات متطورة تساعد على كشف أسرع لهذه الفيروسات.

ولكن اللافت في فيروس جدري القردة أنه قريب من فيروس "الجدري" الذي أُعلن القضاء عليه عام 1980، بفضل التطعيم. لذلك، فإن اللقاح يؤمن حماية نوعاً ما للأشخاص الملحقين ضد فيروس الجدري.

كانت المجموعة الأخيرة التي تلقت اللقاح ضد الجدري عام 1980، ومن بعدها أصبح لدينا أجيال تفتقر إلى مناعة كافية ضد الجدري، وبما أن هذا النوع من الفيروسات يظهر كل فترة، وآخر ظهور له كانت في الولايات المتحدة منذ 30 عاماً، فقد تمت السيطرة عليه ومحاصرته.

ويكون جدري القردة عادةً موجوداً في أفريقيا الاستوائية والغربية، ولأننا نشهد اليوم سهولة في التنقل والسفر، بدأنا نرى هذا الفيروس في دول أخرى.
 

* هل عدد الحالات المنتشرة والبالغ عددها حتى الساعة 40، يثير القلق؟ 
 
طبعاً تثير هذه الحالات القلق بالنسبة للقوانين الصحية العالمية التي تراقب تنقل الفيروسات والأمراض ومخاطرها الصحية عبر الدول. وبما أن الفيروس خرج من منطقته (أي خرج من أفريقيا الاستوائية والغربية)، فإن ذلك يستدعي مراقبته ومتابعته واتخاذ تدابير وفق توصيات منظمة الصحة العالمية. علماً أن العلاج موجود لهذا النوع من الفيروسات، وهو متوافر في البلدان الموجود فيها أساساً، ولكن بإمكان باقي الدول الحصول عليه عند الطلب.

وهناك حالياً محاولات للتلقيح ضد جدري القردة، ولكن حتى يكون فعالاً يجب الحصول عليه قبل الإصابة به، وهذا ليس الواقع الحالي في العالم. ومع ذلك، ما زالت الحالات المصابة محصورة بمجموعة لديها ممارسات صحية خطيرة.

* قواسم قريبة ومختلفة تربط بين فيروس جدري القردة وكورونا، فكيف ينتقل هذا الفيروس؟

ينتقل فيروس جدري القردة عبر المناطق المخاطية في الجسم مثل الفم والمنطقة التناسلية أو عبر ملامسة لجروح مفتوحة أو عند ملامسة شخص لديه إفرازات الفيروس، أو ملامسة الأشياء التي تحمل اللعاب أو إفرازات شخص مصاب خلال وقت قصير. لذلك في عدوى الفيروسات يكون التباعد الاجتماعي والنظافة ركيزتين أساسيتين. وقد ساهمت العلاقات الجنسية في انتقال هذه العدوى والحالات المراقبة اليوم تعود لمجموعة رجال لديهم علاقات جنسية مع بعضهم.

* انتصر العالم عام 1980 في القضاء على فيروس الجدري، لماذا لم نشهد إنجازاً مماثلاً مع فيروس جدري القردة المشابه له؟

يجب أن نعرف أولاً أن هناك اختلافاً في هذه الفيروسات. فيروس الجدري الذي تم القضاء عليه هو فيروس قاتل ونسبة الوفيات عند المصابين فيه تتراوح بين 30 و40%، بينما يعتبر فيروس جدري القردة خفيفاً وألطف ونسبة الوفيات فيه أقل من 10%، وتعود الوفيات للمشكلات الصحية أو ضعف في المناعة التي يعاني منها المصاب.

كما أن فيروس الجدري كان سريع العدوى، لأنه ينتقل في الهواء، فيما عدوى جدري القردة مرتبط بالاتصال المباشر أو على مسافة قريبة (مترونصف).

أما بالنسبة إلى اللقاح الذي صنع ضد الجدري فكان يستهدف نوع الجدري الذي كان يُشكّل جائحة ويتسبب بوفاة الأطفال وكبار السن، لذلك تم إدراج اللقاح ضمن التلقيح الروتيني وتمّ القضاء عليه عام 1980. وفيما فيروس جدري القردة يعتبر محصوراً جغرافياً والعلاج متوفراً، لم يكن كثير الاستخدام، لأن الفيروس يأتي على شكل موجة كل فترة ويختفي على خلاف بعض الفيروسات، ومنها الحمى الصفراء التي تظهر سنوياً. لذلك لم يكن لقاح جدري القردة واسع الانتشار.

* ما هي أهم عوارضه ومدة حضانة الفيروس؟

إن عوارض هذا الفيروس تبقى بين أسبوعين إلى أربعة أسابيع، ويؤدي في الأيام الثلاثة الأولى إلى ارتفاع في درجة الحرارة، بالإضافة إلى آلام في الجسم والعضلات، وابتداءً من اليوم الرابع تظهر طفرة جلدية في الوجه واليدين والقدمين (ظهور حبوب حمراء صغيرة شبيهة بالجدري)، بالإضافة إلى تضخم الغدد الليمفاوية. ومن الطبيعي أن تكون هذه العوارض عند الشخص مرتبطة بممارساته الجنسية أو من الدولة القادم منها. هذه العوارض من شأنها أن تجعل الطبيب يفكر بأن الشخص قد يكون مصاباً بفيروس جدري القردة، وبعد إجراء الفحوص اللازمة يمكن التأكد من ذلك.

ومن المهم أن يعرف المصاب أو أن يشرح الطبيب للشخص المصاب به ضرورة العزل، وعلى الشخص الذي يهتم بالمريض اتخاذ التدابير الوقائية اللازمة كوضع القفازات والكمامة وتطهير كل ما يلمسه.

أما بالنسبة إلى مدة الحضانة لهذا الفيروس، فهي تتراوح بين اليومين إلى ثلاثة أيام.
 

هل هذا الانتشار اليوم يشير إلى ظهور متحور جديد للفيروس؟
 
نحن لا نعلم لغاية الساعة ونراقب الحالات وسيتم الإعلان عن أي جديد. ما زلنا في انتظار الدراسات التي ستصدر لمعرفة ما إذا كان هو نوع الفيروس نفسه، أم هو متحور للفيروس الذي نعرفه. لذلك تتابع منظمة الصحة العالمية هذا الموضوع عن كثب وأرسلت إنذاراً صحياً لكل الدول ضمن لوائح الصحية الدولية وتفعيل نظام المراقبة.

* هل هناك إبلاغ أو شكوك لوجود حالات مصابة بالفيروس في الدول العربية ولبنان؟
 
لم نتلقَ حتى الساعة أي تقرير وارد من المنطقة العربية التي لديها قدرة تشخيص هذا الفيروس، وقد أرسلت منظمة الصحة العالمية إنذاراً لتتخذ الدول الجهوزية اللازمة. ولم نبتلغ عن وجود أي حالة من الدول العربية.

مع الإشارة أن المنظمة تلقت أول إبلاغ لتسجيل أول حالة لفيروس جدري القردة في أواخر نيسان 2022، ونحن نرصد الفيروس علمياً منذ شهر.

* هل يستدعي هذا الانتشار في عدد من الدول فرض قيود معينة أو الخوف من تحوله إلى جائحة؟

كلا لأن هذه الفيروسات لا تنتشر في الهواء الطلق بل عن طريق المناطق المخاطية في الجسم، أو عبر اتصالات جنسية، أو ملامسة مباشرة لجروح مفتوحة أو جلد مشقق أو التعرض لشخص مصاب من مسافة قريبة، أو نتيجة لمس مكان ملوث بإفرازات شخص مصاب. وحتى الساعة ما من دليل على انتشاره في الهواء الطلق. لذلك يجب الحذر ولكن لا داعي للذعر، نحن في حالة تحذير، وفي حال تغيير مستوى الإنذار ستعلن منظمة الصحة العالمية عن ذلك.

* هل الحالات المصابة مرتبطة ببعضها البعض؟ وهل احتاجت الحالات إلى دخول المستشفى؟

تُجرى حالياً دراسات معمقة، لأنه يتين أن هذه الحالات التي نتابعها اليوم (تسجيل حالة 40 حالة حتى اليوم) هي غير مرتبطة ببعضها البعض، لذلك نقوم برصد تسلسل هذه الحالات لمعرفة تفاصيل علمية أكثر، خصوصاً أن السفر والتنقل يساهمان أكثر في نقل الفيروسات بشكل أكبر. ومع ذلك ما زالت هذه الحالات محدودة، وقد اتخذت الإجراءات اللازمة (العزل والمتابعة الصحية للحالات) والتدابير للمخالطين والذين يقدمون الرعاية الصحية للمصابين لتوفير الحماية لهم. ولكن من المبكر الجزم بأن هذه الحالات مرتبطة ببعضها البعض أو مرتبطة بمنطقة واحدة كانت أصلاً للفيروس.

وعن مدى حاجة هذه الحالات إلى الاستشفاء، احتاج بعضها الدخول إلى المستشفى ومتابعة حدّة العوارض من قبل طبيب، لأن المضاعفات تؤدي إلى إطالة فترة المرض وإلى مشكلات صحية قد تصيب أعضاء أخرى مثل الكلى والرئة. وتمت متابعة الحالات الأخرى يومياً خارج المستشفى.
 
 

اقرأ في النهار Premium