من بروفيسور ورئيس قسم جراحة الأعصاب والدماغ والعمود الفقريِ في الجامعة الأميركية في بيروت - المركز الطبي إلى المجلس النيابي، قطع الدكتور غسان سكاف شوطاً كبيراً في حياته المهنية التي استنزفت منه ساعات وسنيناً طويلة للوصول إلى ما هو عليه اليوم.
16 عاماً في الدراسة و25 عاماً في العمل الجراحي، إنجاز تلو الآخر إلى أن ناداه الواجب الوطني لإنقاذ الوطن من أزماته كما نجح في انقاذ كثيرين من الشلل، وفق قوله.
قد تكون السياسة كما الطب متداخلة، معقدة وبحالة طارئة تستوجب التدخل السريع، تستنزف قواك إلى أقصى حدود. الجراحة في جسم الإنسان شبيهة بالدخول إلى الملفات والقضايا واستئصال الفساد الذي ينخر فيها.
لم يكن قرار الترشح على النيابة مخططاً له، لكنّ الأزمة الاقتصادية والمادية التي أنهكت البلد، دفعت الدكتور سكاف إلى التفكير ملياً بحياته وقرارته المستقبلية. ويقول لـ"النهار": "لقد أجرينا جراحات لأمراء وشخصيات عربية وعالمية في بيروت، ولكن للأسف ونتيجة الأزمة الاقتصادية والمالية التي يعاني منها لبنان، وبعد أن كنّا مستشفى الشرق أصبحنا اليوم في قعر الدول. ولا أخفي أنّ فكرة الهجرة راودتني وفكرتُ في العودة إلى أميركا إلّا أنّ تعلّقي وارتباطي بهذا البلد منعاني من اتخاذ هذا الخيار".
قررتُ إعطاء نفسي فرصة أخيرة للبقاء في لبنان واتخذتُ قرار الترشح إلى النيابة، ذلك أن قرار الهجرة صعب و"لبنان ما رح يساع بالشنطة"... صحيح أنني شاركتُ من خلال موقعي كطبيب بتمثيل لبنان والاعتراض على ما وصلنا إليه من ودائع منهوبة وعتمة شاملة وقطيعة عربية ودولية للبلد وأزمة محروقات وأدوية، والتي أدت إلى انهيار اقتصادي وفساد ملموس من دون التوصل إلى أيّ مسبب من هذه المسببات، وقد يكون لاعتراضي داخل المجلس له صدى أكبر".
لا يحب سكاف تسمية سعادة النائب، يُفضل التمسك بصفة الدكتور، بالنسبة له "هذه التسمية هي تعريف عن مسيرتي الطويلة التي تعبتُ لتحقيقها ودرست 16 عاماً لأصبح طبيباً، ولن أستغني عن لقبي بهذه السهولة. قد لا تتكرّر تجربتي بعد 4 سنوات في النيابة لكنّ الطب سيرافقني طوال حياتي... سهرت وعملتُ جاهداً لأنجز مسيرة طبية ناجحة، تخرجت من أهم الجامعات الأميركية ومن ثم عدتُ إلى لبنان وعملتُ في مستشفى الجامعة الأميركية لـ 25 عاماً. لقد تكللت مسيرتي بالنجاح وأنا فخور جداً بالإنجازات الطبية التي طبعتُ بصمتي عليها خصوصاً في حالات معينة لها علاقة بالشلل الرباعي وكسور في العمود الفقري، بالإضافة إلى حصولي على براءة اختراع في مجالات عدة في جراحة العمود الفقري".
من الطبّ إلى السياسة، يؤمن سكاف أنّ "البرنامج الإصلاحي يجب أن يبدأ أولاً بإنتاج قانون انتخابي جديد لأنّ هذا القانون المذهبي الطائفي أدى إلى شرخ بين الأطياف ويمكن أن يوصلنا في وقت من الأوقات إلى حرب أهلية. لذلك الأولوية هي لإقرار قانون عصري جديد للإنتخابات وإلا فنحن متجهون إلى مكان آخر في هذا البلد".
كما أنّ تأمين حالة من الاستقرار لتوفير البديهيات للشعب اللبناني من كهرباء وأدوية ومحروقات ورغيف من "أساسيات المشاريع التي سأسعى إلى العمل عليها. أمّا القضية الثالثة فتتمثل بإصلاح الكهرباء والقضاء وفي حال لم نصلح القضاء لن يكون هناك استثمار في لبنان".
وقد أدّى فوز بعض الوجوه الجديدة من مثقفين وأصحاب كفاءات عالية في الانتخابات النيابية إلى إعطاء ثقة للشعب اللبناني والعالم العربي والدولي، و"هذا ما يحفز الإستثمارات في لبنان ولكن لنعرف جيّداً أن الأموال لن تصل إلى لبنان إذا لم يُصلح القضاء".
تحديات كبيرة في انتظار المجلس النيابي الجديد وأولها انتخاب رئيس مجلس جديد، صحيح أنّه لا يمكن حسم شيء في غياب طرح أيّ أسماء، ويؤكّد سكاف أنّه ايمانه بـ"الحياة الديموقراطية ومبدأ تداول السلطات، ولكن في مسألة انتخاب رئيس مجلس النواب لم نعرف بعد من هم المرشحون لهذا المنصب، وبالتالي عندما يحين الوقت سنتخذ القرار المناسب. وفي حال لم يكن هناك مرشحون سوى الرئيس نبيه بري ساعتها نقول " لا حول ولا قوة"، لأنني أرفض الورقة البيضاء التي تمثّل موقفاً رمادياً، وأنا مع أن يكون الشخص واضحاً "يا أبيض يا أسود". لذلك لا احب الإجابة على هذا السؤال بهذه الطريقة وأنا أشجع الطائفة الشيعية على ترشيح عدد من الأسماء وليختار النواب الشخص الأنسب".
أمّا بالنسبة إلى التوجه والمسلك الذي سيتخذه داخل المجلس النيابي ومدى تقربه من بعض الكتل، يعترف سكاف أنّه "لم تتضح الأمور بشكل واضح بعد بالنسبة إلى اتجاهات الكتل، ولكن يبدو واضحاً غياب الأكثرية والأقلية، ما يعني أنّ هناك كتلة معينة من النيابة ستكون مطّاطة وتصوّت على القطع ونتمنى الوصول إلى اتفاق على خطوط عريضة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه".
في رأيه، أفرزت هذه الانتخابات "حالة من التوازن بين مكونات الوطن وهي بنظر كثير من اللبنانيين حالة صحية نتيجة هذا التنوّع. وبالتالي هذا التوازن يمكن أن يؤدّي إلى استقرار كما يمكن أن يؤدّي إلى التعطيل كما يحصل في العراق".
وعما اذا كانت هناك وجوه تُشبه تطلعاته في المجلس النيابي، يشير سكاف إلى أنّ "بعض وجوه المجتمع المدني والمستقلين وبعض الأحزاب الصديقة وحتى بعض الأحزاب التي اختلف معهم بالسياسة قد يكون لديهم بعض الآراء التي تشبهني. وما أطلبه كأفرقاء وقف الاتهامات بالعمالة لإيران أو اسرائيل، وكأننا نقول لبعض الأشخاص أنه لا وجود لرجال وطنيين. وقد حان الوقت للعمل بعيداً من تقاذف الاتهامات لأنّ الوطن بحاجة إلينا جميعاً".