النهار

قصة مريض بالألزهايمر "بدي روح على بيتنا"... عندما تخون الذاكرة صاحبها!
ليلي جرجس
المصدر: النهار
قصة مريض بالألزهايمر "بدي روح على بيتنا"... عندما تخون الذاكرة صاحبها!
عندما تخون الذاكرة صاحبها.
A+   A-
 

في صيف 2020 بدأت ذاكرته القريبة تخونه. كانت العلامات بسيطة جداً، وكانت الظروف صعبة جداً، خصوصاً بعد انفجار 4 آب. كان في منزله في الجبل عندما قال لزوجته مارتين "بدّي روح على بيتنا!". ولكن كيف ذلك؟ كيف يُمكن أن لا يعرف بيته وأشياءه وما سعى إليه جاهداً ليكون ما هو عليه اليوم؟ وفي ذلك اليوم بدأت قصته مع مرض الألزهايمر!
 
من الصعب جداً أن تخونك الذاكرة، أن تحاول البحث عن كلماتك التي ضاعت منك أو أن تنظر إلى وجه مَن تحب كأنّه شخص غريب. كثيرةٌ هي العلامات والعوارض التي ترافق مريض الألزهايمر، ولكل مريض قصته الخاصّة، وللطب علاجاته التي لم تنجح بعد في الانتصار على الألزهايمر.
 
في اليوم العالمي للألزهايمر، تُشاركنا مارتين عطا الله قصتها مع هذا المرض، واللحظات الصعبة التي يختبرها زوجها خلال رحلته تلك. تقول لـ"النهار" إنه "في الحقيقة كان كلّ شيء على حاله، حياتنا عادية، نمضي يومياتنا بكلّ تفاصيلها إلى أن وصلنا إلى صيف 2020. فما قبل هذا التاريخ ليس كما بعده. بدأت الأمور عندما كنا في منزلنا في الجبل، وقال لي زوجي "بدي روح على بيتنا".
 
كان وقع كلماته كبيراً على زوجته مارتين، لكنها لم تأخذ الموضوع كثيراً على محمل الجدّ، وكأنها سقطة عفوية لن تتكرر. وفي تشرين الأول كان عليهما أن يخوضا تجربة أخرى صعبة، بعد أن أصيبا بفيروس كورونا. تعترف مارتين بـ"أن إصابتها لم تكن شديدة بعكس زوجها، الذي عانى بعض الشيء، لأن العوارض كانت أقوى عليه، إلا أن ما جرى بعد إصابته هو الذي غيّر في حياتهما كثيراً؛ فإصابته بكورونا أدّت إلى تدهور حالته بشكل كبير وسريع".
 
وكأن الكورونا سرّعت من تطور مرض الألزهايمر لديه، إذ بدأت مارتين تلاحظ أن زوجها لم يعد يعرف بيته قبل أن يصل إلى مرحلة لم يعد يعرفها فيها. "كنتُ أحاول أن أحفّز ذاكرته من خلال تذكير بالأغراض التي اشتراها بنفسه للمنزل، وأروي له قصة كل غرض، إلا أنه كان يُجيبني دائماً "متل يللي عنا بالبيت". كان يصعب عليه أن يدرك أن هذه أغراضه وهذا منزلنا!
 
بعد مرور شهرين على إصابته بكورونا، توجّهت مارتين وزوجها إلى اختصاصي لكبار السنّ فأعطاه أدوية للتهدئة، لاسيما أنّه وفق رواية مارتين "كان يصحو بالليل ويمشي في المنزل كثيراً، ممّا أدى إلى سقوطه وإصابته برضوض".
 
 
 
تعرف مارتين أن زوجها لن يعود إلى ما كان عليه سابقاً، لكن ما يُحزنها أكثر هو "النهاية التي وصل إليها؛ هو الذي كان شخصاً قوياً ومهندساً متميّزاً، وكان يفتخر بما بناه، وبكلّ بناية وضع لمسته عليها... أجده اليوم عاجزاً عن القيام بأبسط الأشياء".
 
بالنسبة لمارتين "توقّف الوقت منذ تدهورت صحة زوجي. تغيّرت حياتنا كثيراً، ولم يعد زوجي يتآلف مع الأماكن. حتى عندما كنا نقوم بزيارة الأصدقاء في بادىء الأمر كان يشعر بضرورة الرحيل بعد ساعة من وصولنا. لم يعد يحبّ الخروج، وكأنه يريد أن يبقى في مكانه الآمن. يرتاح عندما يكون في المنزل، ولم يعد قادراً على القيام بأبسط الأشياء؛ لذلك أكون بقربه طوال الوقت، ويصعب عليّ أن أتركه".
 
حياة مارتين أصبحت مقيّدة، فلا يمكنها أن تترك زوجها بمفرده. تحاول التأقلم مع ما أصبح عليه اليوم".
 
لم يتوصّل الطب بعد إلى إيجاد دواء أو علاج للوقاية من الألزهايمر أو الانتصار عليه، لكنّه بالرغم من ذلك شهدت السنوات الأخيرة تطوّراً في العلاجات التي تساعد على وقف المرض وإبطاء تطوره.
 
 
 
في هذا الصدد، يشرح الطبيبٌ النفسيّ للبالغين والمسنّين في مستشفى القديس جاورجيوس الجامعيّ وجامعة البلمند، ورئيس جمعيّة "الألزهايمر"، وعضو لجنة رعاية المسنّين في وزارة الشؤون الاجتماعيّة في لبنان، الدكتور جورج كرم لـ"النهار" أن هذا المرض يُصيب 10% من العالم. وتشير التقديرات إلى إصابة 60 ألف شخص في لبنان. وقد شهدنا زيادة في الحالات في السنوات الأخيرة لسبيين:
 
* السبب الأول: طول العمر، إذ كلّما تقدّم الشخص بالعمر يظهر الأشخاص الذين يعانون من مرض الألزهايمر.
 
* السبب الثاني: زيادة الضغوط الحياتية والتوتر والقلق والأمراض مثل الضغط والسكّري وانسداد الشرايين، وهو ما يزيد من خطر الإصابة مستقبلاً بالألزهايمر.
 
 
تؤدّي بعض العوامل دوراً في زيادة خطر الإصابة بمرض الألزهايمر، وفي مقدّمها عامل العمر والوراثة (الوراثة مسوؤلة عن 10% من حالات الألزهايمر)، بالإضافة إلى عوامل أخرى مثل الإصابة بأمراض الضغط والكوليسترول والسكّري والقلق والاكتئاب. وقد أظهرت الدراسات أنّ هذه الأمراض في حال لم يُعالجها الشخص تزيد من خطر الإصابة بمرض الألزهايمر.
 
ومن المهم أن نعرف أن المرض النفسي غير المعالج ممكن أن يفاقم المرض، بالرغم من أن الأهمية تكمن في #التشخيص المبكر من خلال التنبّه إلى العارض الأوليّ "النسيان"، الذي يعتبر مفتاح المرض. لذا، عندما تلاحظ العائلة نسيان المريض الأشياء فقد تكون علامة تحذيرية لبداية الألزهايمر. فكلما كان التشخيص مبكراً نجحنا في الحدّ من تطوّر المرض".
 
ومن العلامات التحذيرية الأوليّة تأثر الذاكرة القريبة، إذ ينسى الشخص ما قام به اليوم صباحاً أو في الأمس، وفق كرم، الذي يشدّد على تلافي الخلط بين النسيان العابر وتكرّره؛ فيجب أن تتكرر هذه الحادثة مراراً وليس فقط مرة واحدة حتى نُشخص أن هذا الشخص يعاني من بداية الألزهايمر.
 
وعادة، يترافق النسيان مع عوارض أخرى مثل عدم قدرة المريض على القيام بأنشطة كان يقوم بها في السابق، أو عدم معرفة كيفية استخدام الأدوات والأغراض، فضلاً عن مواجهة بعض المشكلات في النطق والتعبير بشكل سلس، والتلعثم أحياناً... 
 
 
 
ويُصنّف كرم حالات الألزهايمر وفق الآتي:
 
* المرحلة الأولى الخفيفة:
في هذه المرحلة يكون لدى الشخص مشكلات في الذاكرة، ويلاحظ ذلك. هذا ما يجعله يستشير الطبيب بنفسه لمعرفة سبب تأثر ذاكرته، في حين أن المريض أو الشخص في المرحلة المتوسّطة والشديدة يصبح غير واعٍ أو مدركٍ بأن ذاكرته تخونه. وفي أغلب الأحيان، يكون برفقة عائلته للحديث عمّا يعانيه من مشكلات الذاكرة.
 
*المرحلة المتوسطة
يصبح الشخص غير قادر على التمييز بين الأغراض، ويعجز عن معرفة كيفية استخدامها. وفي هذه المرحلة يصبح الشخص غير مدرك بأنّه يفقد ذاكرته.
 
* المرحلة الشديدة
يصبح المريض مثل الطفل في حاجته إلى الرعاية الدائمة، حين يُغدو عاجزاً عن أدنى الحركات كالتبوّل اللاإرادي، وتناول الطعام بمفرده وغير ذلك...

"ليس هناك علاج شافٍ من الألزهايمر". هذا ما يؤكّده كرم "وإنما العلاج يقتصر على التخفيف من حدّته وإبطاء تطور المرض. وبالتالي كلما بدأنا العلاج مبكراً نجحنا في إبطاء مسار المرض وسرعة تدهور المريض. وقد تبيّن أن الشخص المصاب بالألزهايمر في حال عانى من التهابات أو جلطات فإن حالته يمكن أن تتدهور بسرعة أكبر. 
 
وعن كيفية الوقاية من المرض؟
يشدّد كرم على أهمية أن يعالج الشخص الأمراض الخمسة التي تحدثنا عنها سابقاً وهي السكّري، الضغط، الكوليسترول، الاكتئئاب والقلق، لأن غياب العلاج يزيد من فرصة الإصابة بالألزهايمر. ويجب أيضاً على الشخص ممارسة النشاط البدني. وقد أظهرت الدراسات أن الرياضة على اختلافها بمعدل 4 مرات في الأسبوع يمكن أن تقي من الألزهايمر. أما النصيحة الأخيرة فهي اتباع نظام غذائيّ سليم وصحيّ والابتعاد عن الدّهون والسكّر والمقالي حتى لا نزيد من خطر الإصابة.

اقرأ في النهار Premium