النهار

مقاربة أسعار الأدوية وبدائلها... نصف الأدوية غير المدعومة لا بديل لها!
مقاربة أسعار الأدوية وبدائلها... نصف الأدوية غير المدعومة لا بديل لها!
A+   A-
وكأن الدواء حلم بعيد المنال، القطاع الاستشفائي والدوائي يُحتضر والمستوردون ينتظرون مستحقاتهم من مصرف لبنان الذي لم يف بوعده بعد. حلقة مغلقة ولا حلول، بنج لإطالة النفس قليلاً وبرغم من رفع الدعم عن قسم من الأدوية والإبقاء على الأدوية المزمنة والمستعصية والسرطانية، إلا أن لا دواء في الصيدليات، ولا بديل عن الأدوية غير المدعدومة. المخزون عند الوكلاء يكفي لشهر واحد، فأهلاً بكم في جهنم الصحة!

لا الأدوية المدعومة موجودة في الصيدليات، ولا غير المدعومة. الكل يشكو وما من حل سوى شعارات طنانة. تعاني السيدة ماغي لأن أدويتها مفقودة ولا يمكن ايقافها تقول "لقد استأصلت غدة الكالسيوم بعد وجود سرطان فيها. وأنا من دون الكالسيوم لا يمكن أن أبقى حية، وقد واجهت عارضاً صحياً وفقدت الوعي نتيجة نقص الكالسيوم حيث أفقد القدرة على الكلام والحركة. لذلك لا يمكنني توقيف الكالسيوم مهما حصل".

وتتابع "أتناول دواء Orocal الذي كان سعره 16 ألف ليرة أما اليوم فأصبح حوالى 87 ألف ليرة. أما دواء الـone -alpha فكان سعره 82 ألفاً واليوم أصبح يتخطى المليون ليرة. ولدي دواء دولوكين ولم أجده وأعطوني بديلاً عنه أغلى منه اسمه corvaquine. ويجب أن أوقفها. في حين تعاني ابنتها من eczema وتحتاج إلى ابرة شهرياً وكلفتها 800 دولار. وعلاجها هو لمدى الحياة، ولا قدرة لي على تأمين هذا المبلغ".

باختصار تتناول ماغي 12 حبة يومياً، والمضحك المبكي أن البديل أغلى من الدواء البراند. على سبيل المثال دواء الـdecalcit البديل عن orocal وصل سعره إلى 197 ألف ليرة أي أغلى من orocal الذي وصل سعره إلى 87 ألف ليرة.
 
 
لطالما حذر رئيس "اللقاء الأكاديمي الصحي" الدكتور اسماعيل سكرية من الاحتكار والتجاذب السياسي للقطاع الدوائي. ملفات كثيرة يحملها إلى القضاء، فهو أدرى بما يجري في كواليس ومافيات وكارتيل الدواء. كل هذا الكلام والشعارات كانت لتمرير الوقت، ومن المعيب الحديث عن الترشيد والهيكلة، سنوات ونسمع عن هذه الخطط.

لا يخفي سكرية أنه "منذ خوض هذه المعركة وأنا أنادي بكشف الاحتكار وضرورة فتح باب التنافس بشكل مدروس ومخطط وعلمي. كيف؟ أهم شيء أن يكون لدينا مختبر مركزي يحدد جودة ونوعية وماهية هذا الدواء، والتي تسقط كل الاتهامات من مصدره والتجاذب السياسي والتجاري. يجب تحكيم لغة العلم وانشاء المختبر المركزي المغيّب منذ 30 سنة".

يلوم سكرية وزارة الصحة التي تحدثت منذ 9 أشهر عن موضوع ترشيد الدعم من دون أن نفهم كيف، وموقف نقابة الصيادلة ضعيف نتيجة تضارب المصالح، والمستوردون الذين يبحثون عن الربح. وعندما نكون أمام استغلال أزمة الدولار وتحكم الاحتكار نكون أمام استغلال مشروع".

ويشرح أنه "كان بالإمكان تشكيل لجنة فنية مستقلة، وليس من أهل البيت، تضع لائحة بأسماء الأدوية العلمية وليس التجارية والمختبرسيكون الضمانة لتقييم الأدوية المستوردة قبل طرحها في السوق. علماً أن 80% من الأدوية جنريك في أوروبا وأميركا بشروط علمية وتستوفي الشروط والمعايير العالمية. لذلك الصرخة اليوم هي لضرورة كشف الاحتكار بشكل علمي ومدروس".

وفق سكرية أننا "ندعم الصناعة الوطنية وإنشاء المختبر المركزي لمراقبة الإنتاج المحلي لأن عدداً كبيراً يستورد مواد ويُعيد تركيبها أو تغليفها، ولكن الدولة لم تدعم الصناعة المحلية بشكل جديّ. ولكن يصعب تصنيع الدواء محلياً في الوقت الحالي بالكمية المطلوبة لأن ذلك يتطلب وقتاً وتحضيراً يستغرق حوالى سنتين إلى ثلاث سنوات.
 
وعليه، يجب فتح باب الاستيراد للمواد الخام وتعزيز أهمية الموضوع وإنشاء مختبر علمي، وهذه المهمة ليست بسيطة وإلا تحوّلت إلى شعار سياسي".

يتخوف سكرية من استيراد التجار أدوية رخيصة أو قبل انتهاء صلاحيتها بأسعار زهيدة إلى لبنان. ويعود إلى حادثة حصلت منذ 5 سنوات في نقابة المحامين عندما كان يلقي محاضرة في ملف الدواء. وبعد الانتهاء، تحدث أحد المحامين من كسروان قائلاً "تأكيداً على كلام الدكتور سكرية، لدي صديق وهو مدير مصنع دواء في فرنسا أخبرني أن بعض التجار اللبنانيين يأتون إليه ويطلبون منه تصنيع أدوية منافسة لدواء معين وقال لهم إن ذلك يؤثر على جودة الدواء".
 
ويختم قائلاً: "ما يجري اليوم في ملف الدواء سيؤدي إلى بلبلة وقلّة ثقة في المجتمع اللبناني. وعلينا أن نعرف أن موضوع الدواء علمي بحت ولا يمكن مقاربته لا سياسياً ولا تجارياً".

 
وأمام هذا الواقع، تساءل جواد عدرا على تويتر مغرداً "سؤال إلى الحكومة: هل لديكم معلومات دقيقة عن حجم الأدوية والمستلزمات الطبية المخزنة في المستودعات والمدعومة على أساس الـ1500 ليرة للدولار؟ هل تُقدر بنحو 500 مليون دولار؟ هذا يعني أن الكارتل يخطط لبيعها بنحو 4-5 مليارات دولار أو أكثر. ألا يستوجب هذا إجراء جردة وتدابير فورية؟ التحقق واجب بكل الأحوال".
الكلّ يعرف لبّ المشكلة ولكن القليل يتحدث بصراحة عما يجري في الكواليس. مستودعات تنتظر تحرير الأموال من مصرف لبنان لتحرير الدواء إلى الصيدليات.

يقول نقيب الصيادلة في لبنان غسان الأمين لـ"النهار" إن "الأزمة من سيئ إلى أسوأ، وكلام التطمين لا يعكس الواقع. المستوردون لم يُسلموا بعد الأدوية في انتظار دفع مصرف لبنان مستحقاتهم والفواتير. ولا يمكن للسمتوردين تسليم الأدوية قبل أن يحصلوا على مستحقاتهم بين أدوية مدعومة وأخرى غير مدعومة خصوصاً أن الأخيرة حددها مصرف لبنان على الـ12 ألف ليرة. ما همّ أن يدفع المصرف 50 مليون دولار شهرياً لدعم الدواء في حين ينتظر المستوردون الحصول على 500 مليون دولار مقابل الفواتير العالقة للأدوية المستوردة قبل صدور القرار".

ويتساءل الأمين "كيف يمكن بيع هذه الأدوية التي استوردها على الـ20 -21 ألف ليرة مقابل الدولار في حين حدد مصرف لبنان الدولار على 12 ألفاً. أما الأدوية المدعومة فلن يُسلمها قبل توقيع المركزي على فواتير الاستيراد، وبالتالي لن يُسلمها قبل الحصول على مستحقاته".

واشار إلى أنه "في حال استيراد الأدوية الطارئة يجب أولاً رفع الدعم عن الدواء نهائياً وتسعيره على الدولار الحقيقي. ونفتح الباب أمام استيراد أدوية بجودة جيدة وبسعر أرخص، وفق المعايير العالمية. ولكن ما يهمنا أن يتوفر الدواء، لأننا أمام كارثة صحية. والمخزون لن يكفي من الوكلاء أكثر من شهر في حال لم نشهد حلحلة في ملف الأدوية وليس شعارات".
 
 
برأي المرشح لمركز نقيب الصيادلة جو سلوم أننا "لم نكن نتمنى أن نصل إلى هذا الارتفاع في أسعار الأدوية والذي يعود أولاً إلى سبب ارتفاع الدولار الذي يتحمل مسؤوليته النظام السياسي القائم. غالبية الأدوية غير متوفر لها بديل بسعر أرخص. وما نشهده اليوم هو نتيجة غياب التخطيط والرؤية المستقبلية والتي أوصلتنا إلى هذه الحالة المزرية".

ويعود سلوم إلى غياب التخطيط في القطاع الدوائي، شارحاً "لو بدأ العمل بسياسة ترشيد الدعم منذ سنتين عند بداية الأزمة، من خلال دعم المواد الأولية للمصانع المحلية وتوسيع قدراتها وتخطيطها لتشمل كل الأدوية. وعوض تغطية 7% من الأصناف ستتمكن من تغطية 70-80%، إلا أننا لم نفعل شيئاً وقررنا رفع الدعم عن أصناف معينة والتي ليس لها بديل بسعر مقبول".

ويعدد بعض الأمثلة حول هذه الأدوية التي رفع الدعم عنها ومنها الـAugmentin 1g اصبح سعره 83 ألف ليرة بعد أن كان 14 ألفاً أي ارتفع 8 مرات عما كان سابقاً. أما البديل عنه ( ونوعيته مقبولة وجيدة) اسمه Curam فيصل سعره إلى ما بين 40-45 ألفاً، وبالتالي يعتبر سعره مرتفعاً بالنسبة للشخص الذي يتقاضى 700-800 ألف ليرة.
 
هناك دواء الـAirus الذي أصبح سعره 80 ألفاً والبديل عنه اسمه oradus لبناني الصنع وسعره حوالى 20-30 ألف ليرة.
كذلك هناك أدوية أخرى لا يوجد بديل لها مثل دواء Daflon ويعطى للفاريز سعره اليوم 70 ألف ليرة ولا يوجد بديل عنه بنفس الجودة والنوعية. وكذلك الأمر بالنسبة إلى Nasonex spray الذي أصبح سعرها 80 ألفاً ولا بديل عنها موجود. ومن المهم أن نعرف أن أكثر من نصف الأدوية غير المدعومة لا بديل لها.
 
أما أدوية الالتهابات على سبيل المثال، فيتراوح سعر دواء Arcoxia بين 90 إلى 200 ألف والبديل اللبناني عنه atoxia يبلغ سعره 60-70 ألفاً.
 
في حين أصبح سعر دواء حماية المعدة Nexium 135 ألف والـGastrimut 90 ألفاً وحتى الأدوية المحلية لو ارتفع سعرها إلا أنها لا تُسلم إلى الصيدليات.
 

 
وعن الدواء المحلي، ارتفع سعر دواء الـTalis 5mg إلى 350 ألف ليرة. أما البنادول الذي اصبح سعره 16 ألف يوجد له بديل لبناني اسمه penol سعره 4000 ليرة. وحتى دواء الـmeebo الذي ارتفع سعره إلى 120 ألف يوجد له بديل marigold وسعره 17 ألفاً. ولذلك علينا دعم الصناعة المحلية من خلال دعم المواد الأولية أو فاتورة الكهرباء أو الضمان... وككل الدول المتطورة التي يقوم اقتصادها على الصناعة وليس على الاقتصاد الريعي أو السرقة".

وفق سلوم "تكمن المشكلة في أن الأسعار بالاستناد إلى الدخل اللبناني تعتبر عالية ولا قدرة للجميع على تحملها، خصوصاً ذوي الدخل المحدود. والحل اليوم أن يصحو ضمير الطبقة السياسية والإسراع في تشكيل حكومة جديدة والعمل على تخفيض الدولار، في المقابل يكون العمل على خطة متوازية لدعم الصناعة المحلية لتغطية عدد أكبر من الأصناف. وعليه نشجع الصناعة المحلية ونحافظ على الاستيراد والمكاتب العلمية".

أما عن فتح باب الاستيراد، فيؤكد سلوم أنه "ليس لدينا عقدة المصدر والدولة التي سنستورد منها، وإنما لدينا عقدة الجودة والنوعية. لذلك الدواء البديل يجب أن يتمتع بالمواصفات والمعايير العالمية أي Bioequivalent للأدوية الموجودة حالياً والحاصلة على شهادات من مختبرات مرجعية في العالم (14 مختبراً مرجعياً يمكن الاتكال عليها). وفي الوقت نفسه، نطالب أن تكون هذه الأدوية موجودة في الصيدليات، ولن نرضى أن يُصرف خارج الصيدليات، ونقصد بها في السوق السوداء والتهريب وأي مراكز أخرى لتوزيع الأدوية".

اقرأ في النهار Premium