بعدما تخطى عدد الإصابات في لبنان عتبة ال4000 في اليوم، شهدنا انخفاضاً ملحوظاً فيها إلى ما دون ال100. فهل إن المرحلة الحالية تبشّر بانتهاء الوباء قريباً أم أن ثمة مخاوف من ارتفاعها مجدداً. توضح رئيسة قسم الامراض الجرثومية في المركز الطبي للجامعة اللبنانية الأميركية -مستشفى رزق الدكتورة رلى حصني سماحة أن ثمة أسباباً عدة أدت إلى انخفاض أعداد الإصابات في البلاد مؤخراً، إلا أن هذا لا يعني أن الخطر قد زال بل ثمة تخوّف من موجة مقبلة.
ما الأسباب التي أدت الى انخفاض معدلات كورونا في لبنان؟
تتعدد الأسباب التي أدت إلى ذلك وعلى رأسها المناعة التي تم اكتسابها بشكل خاص في الأماكن المكتظة حيث ارتفعت معدلات الإصابة بكورونا في مرحلة ما بشكل ساهم باكتساب من اصيبوا بالمناعة المطلوبة وخفف بالتالي من معدلات الإصابة فيها بشكل ملحوظ ما انعكس طبعاً على معدلات الإصابة بكورونا في البلاد. ومع ارتفاع أعداد الإصابات في مرحلة ما تكوّنت مناعة القطيع بنسبة معينة، ولو لم يصب الكل بالفيروس.
وحتى في هذه المجتمعات التي ارتفعت فيها نسبة المناعة المكتسبة من الفيروس، ارتفعت نسبة المناعة المكتسبة بين الأشخاص الذي هم بين سن 14 سنة و30 وهم الذين يخرجون بمعدلات أكبر وينشرون المرض أكثر أيضاً في حال التقاط العدوى. وبالتالي ساعد ذلك أيضاً في تراجع معدلات انتشار المرض في المرحلة الحالية.
ومن الأسباب التي نتج منها انخفاض معدلات الإصابة المسجّلة مؤخراً أيضاً امتناع كثيرين من المصابين عن إجراء الفحوص كما كان يحصل في أشهر سابقة، وذلك لأسباب مادية حيث توضح سماحة أنه في عائلة أصيب كافة أفرادها بالفيروس قد يكتفي أحدهم فقط في إجراء الفحص بدلاً من تحمّل كلفة فحوص عدة لكافة الأفراد. وهذا ما أدى إلى تراجع معدلات الفحوص وأيضاً معدلات الإصابة وفق ما تظهره الأرقام. وبالتالي قد يكون معدل الإصابات الحقيقي أعلى من ذاك، لكون معدل الفحوص الذي يجرى منخفضاً مقارنة بالسابق.
من جهة أخرى، ثمة حالات كثيرة لا تحضر إلى المستشفى للفحص والمعالجة، خصوصاً أن الأعراض ليست قوية. فتشير سماحة إلى ارتفاع أعداد المسنين الذين تلقوا اللقاح مما خفف من الحالات الخطرة التي تستدعي الدخول إلى المستشفى. فقد تخطت نسبتهم الـ 85 في المئة من أولئك الذين تسجلوا على المنصة، إضافة إلى كثيرين يحضرون إلى المراكز والمستشفيات لتلقي اللقاح بعد مساعدتهم على التسجيل. وبالتالي في معظم الحالات تبدو الأعراض خفيفة ولا تستدعي دخول المستشفى، وإن كانت لا تزال هناك حالات في المستشفى بشكل متواصل إنما بأعداد قليلة.
هذه العوامل مجتمعة، إضافة إلى التلقيح الذي بلغت نسبته 8 في المئة من المواطنين تلقوا جرعتين من اللقاح وأكثر ن 20 في المئة تلقوا جرعة واحدة منه. وقد ساعد الماراثون، بحسب سماحة إلى حد كبير في تسريع عملية التلقيح لتشمل عدداً أكبر من المواطنين.
لكن النسبة لا تزال منخفضة وهي أقل مما كان متوقعاً، بحيث إن وزارة الصحة كانت قد وضعت هدف تلقيح 30 او 40 في المئة من المواطنين في نهاية العام، لكن ثمة تحديات كبيرة بسبب انخفاض أعداد اللقاحات التي تصل إلى لبنان والتي هي أقل مما كان متوقعاً ومتفقاً عليه. إذ تسعى الدول الكبرى وتلك المنتجة للقاح إلى تلقيح أعلى نسبة ممكنة من المواطنين على أراضيها بهدف إعادة فتح البلاد بالكامل ولاحقاً المدارس، فترسل بعدها اللقاحات إلى باقي الدول.
متى يمكن اعتبار البلاد قد أصبحت في بر الأمان؟
حتى اللحظة، وعلى الرغم من انخفاض معدل الإصابات بشكل ملحوظ، لا يمكن القول إن البلاد قد اصبحت في بر الامان. فلا يزال هناك تخوّف من موجة جديدة للوباء في الاشهر المقبلة. فتشير سماحة إلى ما حصل في دبي بحيث إن ارتفاع درجات الحرارة واشتداد الحر أدى إلى انتقال الأنشطة والتجمعات والحفلات إلى الداخل حيث يزيد انتشار الوباء.
أما في لبنان، ففيما كان للطقس دور إيجابي حالياً في خفض معدل انتشار الفيروس بسبب التجمعات في الخارج بشكل أساسي لأنه يسمح بذلك، يمكن ان يؤدي ارتفاع درجات الحرارة في شهر آب إلى إقامة الحفلات والمناسبات في الداخل مع التكييف مما يمكن أن يهدد بارتفاع جديد في معدل انتشار الوباء، وإن كانت الآمال تعلّق على مناخ لبنان الأكثر طراوة ما قد يساعد على الحد من الانتشار.
تتوقع سماحة أنه مع استمرار حملات التلقيح، وفي حال عدم تعرض لبنان إلى موجة جديدة أو إلى سلالة جديدة في الأشهر المقبلة، يمكن أن نبلغ بر الأمان ويصبح الوباء من الماضي بعد موسم الشتاء المقبل. عندها يمكن ان يجرى اللقاح كل 6 أشهر أو سنة، بحسب ما يُثبت عن فاعليته فيصبح كورونا اشبه بالانفلونزا.
لكن يصعب تحديد نسبة التلقيح المطلوبة لتحقيق ذلك، على حد قولها، مع الإشارة إلى أن كثراً ممن يتلقون اللقاح حالياً هم من أولئك الذين قد اصيبوا بالفيروس قبل اشهر. مع الإشارة إلى أنه حتى اللحظة، إن المناعة المكتسبة جراء الإصابة بالفيروس مع أعراض خفيفة هي بين 3 أشهر و4 ويمكن ان تزيد قليلاً في حال التعرض لاعراض أكثر حدة. أما المناعة المكتسبة من اللقاح فتمتد إلى 6 أشهر أو 9 على الاقل. ولاكتساب حماية تامة من الفيروس، وحتى من السلالات المتحورة وعلى رأسها سلالة دلتا، تدعو التوصيات إلى تلقي جرعتين من اللقاح حتى في حال الإصابة بالفيروس مسبقاً.