النهار

بيع أدوية أمراض مزمنة ومستعصية مدعومة على سعر السوق السوداء... "فالج لا تعالج؟!"
بيع أدوية أمراض مزمنة ومستعصية مدعومة على سعر السوق السوداء... "فالج لا تعالج؟!"
A+   A-
مَن يُراقب أزمة الدّواء في لبنان يعرف جيّداً أنها اتخذت منحى خطيراً، وباتت إجراماً موصوفاً يتجسّد بوجهين: إمّا في تخزينها في مستودعات؛ ولقد كشفت مداهمات الوزير السابق حمد حسن نواياهم والأطنان المخزّنة من الأدوية المدعومة، وإمّا مهرّبة لتحقيق مكاسب مالية والحصول على "الفريش دولار". وفي كلتا الحالتين، الواقع الدوائي بات في مستنقع خطير يتطلّب تدخّلاً جديّاً وحاسماً وحلولاً مستدامة بعيداً عن "إبر المورفين المؤقتة".

صيدليّات بأدوية متواضعة تُقابلها سوق سوداء بأسعار مرتفعة. يتفاوت العرض والطلب بين المقطوع أو المحدود في الصيدليّات فيما المستودعات تُخزّن أطناناً من الأدوية. لكلّ جهة دورها في تفاقم الأزمة، وهزّ العصا حرّك الملف قبل أن يُغلق مجدّداً.

صرخة رئيس اللجنة الصحيّة الدكتور عاصم عراجي كفيلة برسم عقدة جديدة، أو بالأحرى لتوصيف أكثر دقّة استغلال آخر يقضي ببيع الأدوية المدعومة وفق سعر السوق السوداء، بعد أن دعا النّاس إلى أن "لا يوافقوا على شراء الدواء وفق سعر السوق السوداء؛ فأدوية الأمراض المزمنة والسرطانيّة يدعمها مصرف لبنان". في حين يشدّد نقيب مستوردي الأدوية كريم جبارة على أن "المستوردين يبيعون أدويتهم المدعومة وغير المدعومة وفق تسعيرة وزارة الصحة، ولكن ما يجري بعد تسليمها للصيدليّات ليست من مسؤوليّتنا".

أمّا الأرقام فحدّث ولا حرج، فلكلّ منهم حساباته التي تختلف عن الآخر، إذ يقدّر جبارة أنّنا بحاجة إلى ما بين "80 إلى 100 مليون دولار شهريّاً لتغطية تكلفة الدواء في السوق. ويحتاج لبنان إلى حوالَي 10 ملايين علبة دواء في الشهر الواحد لتغطية الحاجة الدوائيّة.

لكن في المقلب الآخر، كان قد صدر عن المجلس المركزي لمصرف لبنان بتاريخ 14 تموز 2021 بياناً يُفيد بأنّ قيمة الفاتورة الصحيّة لأوّل ستة أشهر من سنة 2021 فاقت قيمة الفاتورة عينها لكامل سنة 2020.
 

وبالعودة إلى بيع هذه الأدوية المدعومة وفق سعر السوق السوداء، لا سعر الـ1515 كما هو مفترض، يؤكّد رئيس اللجنة الصحيّة النيابية الدكتور عاصم عراجي أن "أدوية الأمراض المزمنة والمستعصية مقطوعة بشكل كبير، والبعض يبيعها على سعر صرف السوق، أي بسعر 15 أو 16 ألفاً للدولار. وهذا غير مقبول، لأننا في لجنة الصحة النيابية مع وزير الصحة السابق حمد حسن حصلنا على وعد من مصرف لبنان بدعم أدوية الأمراض المزمنة والمستعصية على 1515، وتأمين 50 ألف دولار شهرياً لتأمين هذه الأدوية الرئيسيّة، بالإضافة إلى المستلزمات الطبيّة.

كذلك يشكو بعض الصيادلة من عدم التزام بعض مستوردي الأدوية بتسعيرة وزارة الصحة على أدوية الـOTC التي رُفع عنها الدعم بشرط خفض 20%، ما يدفعهم إلى رفع سعرها وعدم بيعها وفق التسعيرة التي حدّدتها وزارة الصحّة السّابقة".
وعن استيراد الأدوية من جديد بعد الحصول على موافقة مصرف لبنان، يشير عراجي إلى أن الكمية المستوردة تعتبر قليلة، وهذا ما يؤدّي إلى بيع بعضها في السوق السوداء نتيجة عدم توافرها في السوق بشكل كافٍ. وبعد إجراء عمليّة حسابيّة لحاجة لبنان، والتي قدّرت بـ50 مليون دولار شهرياً كما أقرّها المصرف، يتبيّن أنّه في الواقع الكميّة المستوردة أقلّ في الوقت الراهن".

برأي عراجي، لا يُمكن إبقاء الأمور كما هي عليه اليوم. نحتاج إلى إعادة ترتيبها وتنظيمها من جديد. لذلك، سيجتمع مع الوزير الجديد الدكتور فراس الأبيض بعد دراسته الملفّات للبحث في حلول مستدامة. فجشع وطمع بعض التجار يفاقم أزمة الأدوية، ويتحكّم البعض بالسوق وبجيبة المواطن والاستغلال الحاصل والفاضح للأزمة".
 

في المقابل، يشدّد نقيب مستوردي الأدوية كريم جبارة لـ"النهار" على أنّه لاستيراد الأدوية المدعومة، والتي تشمل أدوية الأمراض المزمنة والمستعصية، نحتاج إلى موافقة مسبقة من وزارة الصحة أولاً، ثمّ من مصرف لبنان ( تنفيذاً للقرار الصادر في أيار). ومنذ شهر أيار، وحتى أواخر شهر آب لم يعطِ مصرف لبنان أيّ موافقة، وبالتالي كانت الأدوية الموجودة تُصرف من مخزون مستوردي الأدوية الذي بدأ ينضب تباعاً. وهذا ما يُفسّر انقطاع وفقدان الكثير من الأدوية، التي حكماً ستؤدّي إلى بيعها في السوق السوداء".

إذاً، ليس مستغرباً أن تصبح هذه الأدوية المقطوعة، والتي ما زالت موجودة بكميّات قليلة جداً، مادة مربحة، وينشط بيعها في السّوق السوداء، لأن الربح المحقّق يكون أكبر من بيعها إلى الصيدليّات على سعر 1515 لكونها ما زالت أدوية مدعومة. لسنا بحاجة إلى تحليل لمعرفة كيف يفكّر بعض التجار لتحقيق أرباح بعيداً عن الضمير وصحّة المواطن طبعاً.

ويؤكّد جبارة أنّه "في أواخر شهر آب وبداية شهر أيلول، بدأ مصرف لبنان يُعطي موافقات مسبقة لشحنات أدوية حصلت على موافقة مسبقة من وزارة الصحة. وعليه، بدأت الشحنات تأتي تباعاً في ميزانية لا تتخطّى الـ40 مليون دولار شهرياً. وقد وصل إلى لبنان أدوية أمراض سرطانيّة باعتبارها أولوية قصوى، بعد أن حصلت على موافقات سريعة لاستيرادها".
 

ويتحدّث نقيب مستوردي الأدوية عن الشحن إلى لبنان وارتباطه بقدرة الشّركات العالمية على الشحن وجاهزية البضاعة، واستلام دفعة ماليّة (على المصنع ان يكون جاهزاً لوجستياً ومالياً) خصوصاً أن لدى مستوردي الأدوية مستحقّات سابقة لم تُدفع بعد. ويستشهد جبارة بأنه شحن منذ بداية الشهر وحتى اليوم 4 شحنات لأدوية سرطانية، ومعظمها تُسلّم إلى المستشفيات وليست موجودة في الصيدليات.

يبدي جبارة بعض الارتياح، فبرأيه "الأمور إلى حلحلة شيئاً فشيئاً. وهذا التحسّن يلمسه بعض المرضى وليس جميعهم. بعد جمود لثلاثة أشهر، عادت حركة الاستيراد بعد الحصول على الموافقات. لذلك يجب على الناس أن تعرف أنّ الانفراج في أزمة الدواء لن يحصل إذا لم تتمّ معالجة المسارَين بالتوازي، أي الحصول على الموافقة وجاهزية المصنّع الخارجيّ والحصول على المستحقات السابقة التي ما زالت عالقة في المركزي".
علماً بأن فاتورة المستحقّات القديمة بلغت حتى شهر حوالَي 600 مليون دولار، ولكن مع دفع مبلغ من المال انخفض المجموع إلى 500 أو 450 مليون دولار.
 
وفي النهاية، أمام هذا السيناريو المتكرّر وشدّ الحبال بين المصرف المركزي والمستوردين والتّجار، يبدو أن وزير الصحة الجديد الدكتور فراس أبيض على موعد مع معركة جديدة، والتحدّي الأكبر سيكون في معالجة هذا الملف وإيجاد حلول مستدامة وجذريّة وعدم "الترقيع" حتى لا تنفجر أزمة الدواء كلّ فترة.
الكلمات الدالة

الأكثر قراءة

كتاب النهار 11/26/2024 4:28:00 AM
الحديث عن قيام لبنان الجديد بيد إسرائيلية، هو وهمٌ يتوجب الكف عن التفكير فيه. لن يكون لدى الآخرين وقت للبكاء على لبنان، إن لم تدمع عيون سياسييه له!
اسرائيليات 11/26/2024 6:42:00 AM
واللا عن مصادر أمنية: الاتفاق بين لبنان وإسرائيل قد يدفع باتجاه إبرام صفقة تبادل أسرى مع حماس
لبنان 11/26/2024 9:10:00 AM
نقلت هيئة البث الإسرائيلية عن مسؤول ديبلوماسي قوله إن اتفاق وقف إطلاق النار مع لبنان سيكون هشاً لكنه من مصلحة إسرائيل.

اقرأ في النهار Premium